الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

عاجل| من الرابح الأكبر من استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة؟

الرئيس نيوز

يترقب المحللون نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، حيث التقى نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء الماضي. 

وتأتي الزيارة بعد أكثر من 11 عامًا من القطيعة السياسية بين البلدين وتُعد قمة أردوغان والسيسي الثانية خلال أقل من عام. ففي القمة الأولى، زار أردوغان العاصمة المصرية القاهرة في فبراير من العام الجاري، وأسفرت تلك الزيارة عن الإعلان عن إنشاء مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.

ووفقًا لموقع ميدل إيست مونيتور اللندني، من المتوقع أن يمتد التصالح بين أنقرة والقاهرة إلى الموضوعات الثنائية والإقليمية الساخنة، التي أصبحت أكثر إلحاحًا لدى الجانبين، وسط حاجة متبادلة ورغبة في جني المكاسب، حيث كلفت الخلافات البلدين خسائر فادحة على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي.

لغة المصالح

أرسل الاستقبال الحار الذي حظي به السيسي لدى وصوله إلى أنقرة رسالة مفادها أن تركيا تسعى بجدية إلى فتح صفحة جديدة، مدفوعة بسياسة صفر المشاكل التي تنتهجها الدبلوماسية التركية. 

هذه السياسة من صنع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي شغل سابقًا منصب رئيس الاستخبارات، وهو على علم تام بالملفات المسببة للتوتر مع القاهرة.

يعول فيدان على براجماتية أردوغان في تشكيل تحالفات جديدة تمنح أنقرة قدرة أكبر على المناورة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، ومنطقة نفوذ أوسع في أفريقيا من بوابتها الشمالية الشرقية مصر. فضلًا عن ذلك، هناك أمور سياسية واقتصادية تستلزم نقل العلاقة مع مصر من العداء والتنافس إلى التنسيق والتعاون والشراكة.

أظهر أردوغان ذكاء ودهاء رجل يحكم منذ أكثر من عشرين عامًا، كرئيس للوزراء ثم رئيس لتركيا، كما أظهر السيسي صلابة رجل الدولة الذي يحدد خطواته التالية بتؤدة وبصيرة، في مرحلة ما، وتحت الضغط الهائل الذي فرضته مجريات الحرب على غزة، والتوتر في البحر الأحمر والسودان وليبيا وشرق المتوسط، وهي مناطق نفوذ لكلا البلدين، تخلى كل طرف عن عناده السياسي وتجاوز نقاط الخلاف، أو ربما أرجأها، وانتقل إلى تفاهمات وترتيبات أكثر نضجًا وتوازنًا.

قد لا يكون الطرفان قد وصلا بعد إلى مرحلة التحالف، لكنهما على أعتاب تعاون كبير ستظهر آثاره تدريجيًا وليس بالضرورة دفعة واحدة. 

ومن المتوقع أن يزداد التعاون الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، بالتوازي مع تعزيز التنسيق السياسي في ملفات المنطقة المتعثرة، بحسب الباحث في الشؤون التركية سمير العركي.

ويسعى البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، من نحو 6.6 مليار دولار إلى 15 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة وخلال القمة، وقعت مصر وتركيا 17 مذكرة تفاهم واتفاقية جديدة شملت مجالات الصناعة والتجارة والدفاع والطاقة والصحة والبيئة والزراعة والتعليم والسياحة والإسكان والسكك الحديدية والطيران المدني وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما اتفقا على 36 بندًا أساسيًا، تشمل العلاقات الثنائية والتبادل التجاري والاستثماري والملفات الإقليمية وحل النزاعات ومكافحة الإرهاب، ضمن الإعلان المشترك للاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

الترتيبات السياسية

من منظور اقتصادي، يحمل التقارب في طياته تفاهمات سياسية وعسكرية قد ترقى إلى ترتيبات ثنائية في ملفات ساخنة. قد يستغرق هذا بعض الوقت، لكن التوتر المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط كافٍ لنضوج عملية التنسيق بين القوتين الرئيسيتين في المنطقة، اللتين توحدهما روابط الدين والتاريخ.

وتحتفظ تركيا بوجود عسكري في ليبيا وسوريا، ولديها قاعدة عسكرية كبيرة في الصومال، هي ثاني أكبر قاعدة خارج أراضيها، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا. وهذا يمنح أنقرة نفوذًا واسعًا في القارة الأفريقية، ونفوذًا عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات مع مصر.

ومن المرجح، بحسب الباحث السياسي حمدي المصري، أن تعمل القاهرة على الاستفادة من النفوذ التركي في المنطقة الأفريقية، وخاصة في ملفي الصومال وسد النهضة، حيث ستلعب تركيا دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا لحل الخلاف حول ملء وتشغيل السد.

وقد ينعكس هذا التقارب إيجابًا على الصراع في غزة وليبيا والسودان والبحر الأحمر، وبالتالي تخفيف التوترات على جانبي الحدود المصرية التي من المرجح أن تنفجر من كل الاتجاهات، بحسب المصري.

وتفرض مجريات الأحداث في المنطقة، وعلى رأسها الحرب على غزة، نفسها بقوة على مصالح الجانبين، في ظل الجهود المشتركة المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وإعادة فتح معبر رفح البري وإعادة بناء القطاع بعد انتهاء الحرب. وهي قضية حساسة بالنسبة للرئيس التركي، الذي يدرك أهمية الدور المصري، في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط القاهرة بأطراف الصراع.

ويأتي الاقتصاد من الجانب الليبي، الذي يسعى إلى الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار ووقف الهجرة غير الشرعية وإنهاء الخلاف حول مناطق التنقيب عن الغاز، مع فتح الباب أمام إمكانية ترسيم الحدود وانضمام ليبيا وتركيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط.

ومن المتوقع أن تحصل مصر على طائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار، وهي صفقة عسكرية مهمة بالنسبة لها، حيث ستعزز ترسانتها العسكرية، فضلًا عن كونها مبادرة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون الثنائي في الصناعات الدفاعية والإنتاج المشترك.

وكانت المصالح المتبادلة واضحة في تصريحات السيسي، الذي أكد خلال المؤتمر الصحفي المشترك أن الأزمات التي تمر بها المنطقة تظهر أهمية التنسيق والتعاون. وتحدث السيسي عن توافق مصري تركي قائم حول ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الأمن إلى ليبيا، وإعطاء الأولوية للحل السياسي في السودان، وحل الصراع في سوريا والحفاظ على وحدة الصومال.

المعارضة

على أساس عدم وجود عداوة دائمة ولا صداقة دائمة في السياسة بل مصالح دائمة، تم دفع الخلافات المصرية التركية جانبًا، أو تراجع بعضها عن أجندة الطرفين، وخاصة فيما يتعلق بملف تنظيم الإخوان، في حين يقيم قادتها على الأراضي التركية وهي قضية شائكة يبدو أن أنقرة نجحت في تحييدها إلى حد ما من خلال فرض قيود على تحركات الجماعة، والحد من خطابها الإعلامي المعادي للنظام المصري، ومطالبة بعض قادة المعارضة المصرية بمغادرة أراضيها.

وينص البيان المشترك الذي أعلن في ختام اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي على أن الطرفين أبديا نيتهما تطوير التعاون في الإعلام والاتصال ومكافحة المعلومات المضللة.

يقول نائب رئيس تحرير موقع العربية نت السابق فرج إسماعيل، في تدوينة على فيسبوك، إنه يعتقد أن القاهرة ستغض الطرف عن وجود بعض قيادات الإخوان في تركيا، طالما أنهم لا يهاجمون نظامها السياسي.

ويظهر الجانبان براجماتية يبدو أنها فرضتها تداعيات الحرب على غزة، وتعقيدات منطقة ملتهبة تتداخل فيها أطراف ومصالح عديدة، وهو ما يدفع كل طرف إلى توسيع نطاق التنسيق والتعاون في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية، والارتقاء بالعلاقات المصرية التركية إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وهو ما سيحقق مكاسب كبيرة للطرفين.

وتظل نتائج القمة التركية المصرية محل ترقب على المدى القريب والبعيد، دون استعجال، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض القضايا تحتاج إلى وقت لحلها بسبب تعقيداتها، وإيجاد السبل الكفيلة بتجنب أي ألغام محتملة على طريق المصالحة.

 وبينما يطرح بعض المراقبين سؤالًا حول من سيستفيد أكثر من هذا التقارب، أردوغان أم السيسي، يبدو أن هذا ليس سؤالًا دقيقًا؛ بل ينبغي أن يكون السؤال حول تركيا أم مصر. فالرئيسان قد يغادران منصبيهما في أي وقت، في حين أن بلديهما يعولان على العديد من نتائج هذا التقارب التي سيكون لها تأثير كبير في المنطقة إذا استمر على مساره الصحيح.