مشاكل قانونية بالجملة تفاقم صدمة الفلسطينيين الفارين من غزة
في بعض الأحيان، تجد الفلسطينية "أفنان الهاشم" نفسها تشعر بالغيرة من شقيقتها فداء البالغة من العمر 36 عامًا، والتي استشهت في غارة جوية انتقامية إسرائيلية في فبراير، مع زوجها وأطفالها الأربعة الصغار – وكان عمر أحدهم ستة أشهر فقط، فجميع مشاكل شقيقتها قد انتهت، وفي ذلك الوقت قصف جيش الاحتلال مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان في شمال مدينة غزة، والذي أصبح الآن في حالة خراب بسبب القصف غير المسبوق الذي دام تسعة أشهر للقطاع الفلسطيني المحاصر وأصابت إحدى الغارات منزل شقيقتها في المخيم.
وتروي أفنان، الزوجة الفلسطينية الشابة البالغة من العمر 30 عامًا، وهي تجلس على سرير في غرفة صغيرة تستأجرها الآن على سطح مبنى سكني في العاصمة المصرية القاهرة: “لقد انتشلوا جثة شقيقتها من تحت الأنقاض، لكنها كانت ممزقة إلى أشلاء ولم يتمكنوا من العثور على جثث الأطفال؛ لقد تم دفنهم جميعًا على عمق كبير تحت الحطام وما زالوا هناك الآن"، وأشارت أفنان الهاشم إلى أنها قد فقدت 40 فردًا من عائلتها في الهجوم، وتتمنى لو كان الأمير بيدها لتلحق بذات المصير.
وقبل 7 أكتوبر، كانت أفنان تعيش في القاهرة مع زوجها الذي كان يدرس طب الأسنان ولكن هاشم كانت حاملًا في شهرها الثامن وعادت إلى مدينة غزة للتحضير لولادة طفلها وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه المدمر على غزة.
ووفقًا لتقرير "تروث أوت دوت أورج"، قتلت إسرائيل حتى الآن أكثر من 40 ألف فلسطينيا، وفقا لوزارة الصحة في غزة، فيما يقول العديد من مراقبي حقوق الإنسان إنها حالة إبادة جماعية نموذجية وفقًا لدراسة حديثة تناولت الوفيات الناجمة عن الجوع والمرض، فضلًا عن الأشخاص المفقودين تحت الأنقاض، فإن الآثار التراكمية للحرب الإسرائيلية على غزة تعني أن عدد القتلى الحقيقي قد يصل إلى أكثر من 186 ألف شخص.
وتابعت أفنان هاشم وشفتاها ترتجفان: "شعرت أن أختي هي المحظوظة، فعلى الأقل ماتت مع عائلتها بأكملها، وليس عليها أن ترى كل هذا الموت والدمار فقد بات الموت في غزة أسهل من العيش”.
وفي مارس، فرت هاشم وعائلتها من عمليات القتل العشوائي التي ترتكبها إسرائيل في غزة وغادروا إلى مصر ليجتمع شملهم مع زوجها، وكانت مغادرتهم عبر معبر رفح – المخرج الوحيد من غزة الذي لا تحده إسرائيل والطريق الوحيد للخروج من القطاع للمدنيين الفارين من الحرب، وهي رحلة بالغة الصعوبة وخاصة إذا لم يكن لدى الفلسطينيين جوازات سفر جاهزة، أو اتصالات دولية مع دولة أجنبية تتقدم بالنيابة عنهم بطلب المغادرة، أو موافقة على العلاج الطبي في مصر.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ما يصل إلى 100 ألف فلسطيني فروا إلى مصر منذ بدء الحرب ولكن في شهر مايو، عندما بدأت إسرائيل غزوها البري لرفح، استولى جيش الاحتلال على الجانب الفلسطيني من المعبر، والذي يستخدم أيضًا لإيصال المساعدات الإنسانية، واحتجت القاهرة على هذه الخطوة، وقد تم إغلاقه منذ ذلك الحين.
تقضي أفنان الهاشم أيامها الآن في تصفح هاتفها، وعيناها محتقنتان بالدم من التحديق الدائم في الصور ومقاطع الفيديو العنيفة من غزة، وتستيقظ ابنتها واتين البالغة من العمر تسعة أشهر من قيلولتها على أنين طفيف، وقد أطلقت على طفلتها الرضيعة لقب "ابنة الحرب" ولديها أيضًا ابن اسمه آدم يبلغ من العمر 4 سنوات.
على الرغم من عدم تعرضها للتعذيب من قبل الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة الإسرائيلية التي تحلق فوق رؤوس الفلسطينيين في غزة، إلا أن الهاشم وبقية أفراد عائلتها - بما في ذلك شقيقيها ووالديها، الذين وصلوا إلى مصر في أوقات منفصلة - يسافرون معًا في كل مكان في القاهرة، خوفًا من ترك بعضهم البعض..
ويقول الفلسطينيون الذين يعيشون حاليًا في القاهرة إنهم حصلوا على تصريح لمدة 45 يومًا عند وصولهم إلى مصر وتغاضت الحكومة المصرية عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين تجاوزوا مدة تصاريحهم خلال الحرب ولكن الفلسطينيين غير المسجلين لا يمكنهم فتح حسابات مصرفية، أو الالتحاق بالمدارس، أو فتح مشروع تجاري، أو الحصول على تأمين صحي.
ولجأ الكثيرون إلى المؤسسات الخيرية من أجل سبل العيش، وتقول أفنان الهاشم وهي تبكي: “أشعر بالضياع الشديد وتعتمد عائلتي الآن بشكل كامل على مساعدة الآخرين، حيث تصطف للحصول على المساعدات النقدية من السفارة الفلسطينية في القاهرة ومختلف المنظمات غير الربحية لتوفير الضروريات الأساسية، مثل الإيجار والطعام".
كما دفعت السفارة الفلسطينية الحكومة المصرية إلى إصدار تصاريح إقامة مؤقتة للفلسطينيين من غزة لحين انتهاء الحرب من أجل تسهيل الأوضاع عليهم، وتضيف أفنان الهاشم: "لا أعتقد أنني سأتعافى من هذه الظروف أبدًا؛ فليس لدينا أي فكرة عما هو التالي بالنسبة لنا. لقد فقدت المعنى الذي كان لدي في الحياة. بعد تجربة كل هذا، لا يهم حقًا إذا كنت على قيد الحياة أو ميتًا، فقد بدأ كلاهما يبدوان متماثلين بالنسبة لي".
صدمة بالوكالة
وإلى جانب الصعوبات القانونية للفرار من الإبادة الجماعية يأتي الألم النفسي، فمن الواضح أن الصدمة لا تزال قائمة، على حد تعبير جيس غنام، عالمة النفس الأمريكية الفلسطينية التي أجرت أبحاثًا حول الصدمات بين الفلسطينيين في غزة على مدار الخمسة والعشرين عامًا الماضية، مضيفة: "لكن حتى لو كنت في مصر والولايات المتحدة - أينما انتهى بك الأمر - فإنك لا تزال تتعرض باستمرار لقصف من الصدمات الثانوية - الصدمات بالوكالة - لأن الحرب يتم بثها مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي"، كما يقول تروث أوت، و"لذلك فإن الفلسطينيين يتعرضون للصدمة مرة أخرى بشكل منتظم، إن لم يكن يوميًا".
وتعتقد غنام إن العنف الشديد الذي أطلقه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة "لم يسبق له مثيل في العصر الحديث من حيث اتساع وعمق التعرض المؤلم الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة منذ تسعة أشهر حتى الآن".