جنوب السودان واتفاق عنتيبي.. مسلسل استهداف حصة مصر المائية عرض مستمر
عاد ملف المياه الشائك في مصر إلى الواجهة مجددًا، لكن هذه المرة عبر دولة جنوب السودان التي قررت اتخاذ خطوات تبدو من الوهلة الأولى أنها مُعدة سلفًا للنيل من حصة مصر التاريخية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب من المياه)، والتي باتت مُهددة بشكل فعلي بسبب إصرار أديس أبابا هي الأخرى على بناء سد النهضة على ضفاف مياه النيل الأزرق، وترفض إبرام أي اتفاقيات قانونية ملزمة بشأن ملء وتشغيل السد مع دولتي المصب مصر والسودان.
مؤامرة جديدة
البداية كانت بإعلان جوبا في أغسطس من العام الماضي 2023، تشكيل جنوب السودان لجنة لمراجعة اتفاقية مياه النيل لعام 1927، وقال مايكل مكوى لويث، وزير الإعلام في تصريح للصحفيين وقتها إن المجلس قرر تشكيل لجنة فنية لمناقشة قضية مياه النيل، وأنه يتعين على اللجنة الخروج بموقف واضح، بشأن قضية المياه كموقف يمثل حكومة جنوب السودان.
ولفت إلى أن الاتفاق منح مصر حق استخدام 85 % من إجمالي المياه، وأن دول حوض النيل وقتها لم تنل الاستقلال، أما الآن فقد أصبحنا مستقلين ولدينا الحق في أن نقرر بأنفسنا، وأن نستخدم مياهنا بالطريقة التي نريدها".
ما إن انتهت اللجنة المشكلة من جنوب السودان من أعملها وقررت الانسحاب من اتفاقية المياه الموقعة العام 1927، صدقت حكومة جنوب السودان نهاية الأسبوع المنصرم، على الانضمام إلى ما يعرف بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل المعروفة باسم عنتيبي التي ترفضها مصر والسودان جملة وتفصيلًا؛ لكونها تلغي اتفاقيتي 1927 و1959 اللتان تحددان حصة مصر السنوية من مياه النيل.
مزاعم اكتمال النصاب
وبينما لم تعلق القاهرة حتى الآن على خطوات جنوب السودان، زعمت تقارير أن بانضمام جوبا إلى ما يسمى اتفاق عنتيبي فيكتمل النصاب القانوني لتأسيس مفوضية حوض نهر النيل، وبالتالي البدء في إجراءات تأسيس المفوضية بعد 60 يوما من إيداع الجمهورية وثائق التصديق لدى الاتحاد الأفريقي، وكان الجزء الثالث من الاتفاقية يشترط تصديق برلمانات 6 دول على الأقل، لتأسيس المفوضية التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا.
وحسب هذه التقارير يعتبر تأسيس المفوضية خطوة كبيرة في مسار تنفيذ ما يعرف باسم اتفاق عنتيبي الذي ظل متعثر طوال 14 عاما، وتوقع 5 دول على ما يعرف باسم اتفاق عنتيبي الإطاري، وهي إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي.
ووفق اتفاق عنتيبي المزعوم، فتتمثل أهمية المفوضية بأنها ستكون الجهة المسؤولة قانونيا عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، والتواصل مع كافة الجهات المسؤولة، كما سيتمثل دورها في تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام وعادل، بعيدا عن نظام الحصص المائية السائد سابقا.
وهم المفوضية
وزير الري الأسبق، الدكتور محمد نصر الدين علام، قال في تصريحات صحفية إن موافقة برلمان جنوب السودان، على اتفاقية عنتيبي، لا يدخلها حيز التنفيذ؛ نظرا لعدم توفر الأغلبية المطلوبة، موضحًا أن اتفاقية عنتيبي، لن تدخل حيز التنفيذ؛ لأن جنوب السودان لم تكن ضمن الدولة التسعة، التي شاركت في مبادرة حوض النيل (كينيا – رواندا – بوروندي – تنزانيا – الكونغو – أوغندا – إثيوبيا – السودان - مصر)، ووقتها كما زعموا، أن توقيع الأغلبية (الثلثين أي ٦ دول) يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، وهو ما لم يحدث، موضحًا أن انضمام جنوب السودان يجعل العدد الكلي ١٠ دول، والثلثان ٧ دول وليس 6.
أكد الوزير السابق، أن مصر إلى جانب السودان رفضتا هذه الاتفاقية، ودعم موقف الدولتين الكونغو وبروندي، ولم تتحقق الأغلبية من الدول الـ 9 وقتها، وأن انضمام جنوب السودان يجعل من دول حوض النيل 10 دول وليس 9، وفي ظل بقاء الدول الأربعة السابق ذكرها على موقفها الرافض للتوقيع، (مصر والسودان والكونغو وبروندي)، لم تتحقق الأغلبية الكافية وليس لها قيمة وهي والعدم سواء.
دعم مصري
يشير علام إلى أن جنوب السودان حاز بدعم مصري هائل في التعليم ومياه الشرب والكهرباء ومحاربة الحشائش في المجارى المائية وانشاء الموانئ وغيرها من صور الدعم الفنى والمالى المستمرين، وأن جنوب السودان ليس بها عجز مائيا أو أى احتياج لمياه الرى أو لأغراض أخرى، بل تعانى بشدة من مناطق مستنقعات تزيد مساحاتها على مساحة بلدان كاملة. وتساءل علام: لماذا اذن الانسحاب من الاتفاقات التاريخية ومحاولة اللحاق بمؤامرة اتفاقية عنتيبي الفاشلة؟
وخلص إلى أن التآمر ضد مصر مستمر، وسيزيد خاصة مع ما نعايشه من صراع وعدم استقرار في السودان الشقيق، متوقعا إنشاء المزيد من السدود والمشاريع التى تهدف الى النيل من حصة مصر ومن مكانتها وسيادتها، في ظل عدم توفر الوعى الكافي للمخاطر التى تحاك لنا وبنا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
سياسة الامر الواقع
الباحثة في الشؤون الخارجية، أميرة الشريف تقول لـ"الرئيس نيوز": "هناك قوى إقليمية ودولية تريد وضع مصر تحت ضغوط فرض سياسة الأمر الواقع، وقد نجحت إثيوبيا في خلق هذه الحالة خلال بنائها نحو 95 % من الأعمال الإنشائية لسد النهضة الذي سيضر بحصتي مصر والسودان من مياه النيل"، ولفتت إلى أن الأمر لابد من التعامل معه ليس ببيان يرفض أو يتحفظ على ما قامت به جنوب السودان، بل باتباع سياسات محسوبة بدقة من قبل الخارجية وأجهزة مصر السيادية لإحباط المخططات الخبيثة تجاه مصر في ملف المياه".
وحذرت الشريف من تعاطي الاتحاد الأفريقي مع الأمر، وقبول تأسيس مفوضية للأعضاء في الاتفاق التأمري، فتقول: "بهذا القبول ستقوم تلك الدول بفرض سياسة الأمر الواقع، ومن ثم الدخول في مشاريع يسمونها تنموية ولكن في حقيقتها هي تخريبية؛ إذ تسمح ببناء سدود في مجاري نهر النيل تخصم من حصة مصر السنوية".
ولفتت الشريف إلى أن البصمات الإثيوبية واضحة جدًا فيما يجري، فإعلان جنوب السودان الانضمام إلى ما يسمى اتفاق عنتيبي جاء بعد زيارة مفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم، ولقائه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، كما تريد أديس أبابا تعزيز موقعها في جنوب السودان عبر مشاريع تنموية، بينها اتفاق للربط البري بين الدولتين بقيمة استثمارية تتجاوز النصف مليار دولار.
وأكدت الشريف أنه على القاهرة إعادة طرح قضية المياه على الساحة الدولية مجددًا، والاستفادة من الحكم التاريخي لمحكمة العدل الدولية، الصادر العام 1989، بأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود، لا يجوز تعديلها.
كانت بريطانيا وقعت نيابة عن مصر اتفاقية في عام 1929، ووقعت مصر بعدها اتفاقية عام 1959 مع دول الحوض، والتي تضمنت بند الأمن المائي، الذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب.
اقرأ أيضًا