الشركات الأوروبية تراهن بشكل كبير على مستقبل الاقتصاد المصري
طرحت مجلة جلوبال فاينانس هذا السؤال المهم: "هل يمكن لموجة جديدة من الاستثمار الأجنبي المباشر أن تساعد مصر على تنويع وتحديث اقتصادها؟"، وذلك في سياق تحليل يحمل عنوان "الشركات الأوروبية تراهن بشكل كبير على مستقبل الاقتصاد المصري".
وفي مؤتمر استثماري ثنائي انعقد في القاهرة في الأول من يوليو الجاري، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الشركات الأوروبية ستوقع صفقات بأكثر من 43 مليار دولار مع شركات مصرية "تتراوح من الهيدروجين إلى إدارة المياه، ومن البناء إلى المواد الكيميائية، ومن الشحن إلى الطيران والسيارات".
يقول ديفيد لوبين، زميل تشاتام هاوس في لندن ومراقب اقتصادي عالمي متمرس: "إن من يقولون إن مصر تستمتع بلحظة واعدة واحدة، عليهم مراجعة رأيهم لأنه بخس، فثمة لحظات كثيرة واعدة تنتظر الاقتصاد المصري".
قبل فترة وجيزة، وقع صندوق الاستثمار السيادي في مصر، أربع اتفاقيات بقيمة 40 مليار دولار مع مطورين أوروبيين لإنتاج الأمونيا الخضراء، وهو شكل متجدد من الأسمدة يجمع بين الهيدروجين المستخرج من الماء والنيتروجين المستخرج من الهواء ومن المحتمل أن تجعل الصفقة مصر لاعبًا كبيرًا في سوق الطاقة المتجددة.
وجاءت الإعلان عن هذه الصفقة في أعقاب اتفاقية الشراكة التي وقعها صندوق الاستثمار السيادي في مايو الماضي مع شركة تصنيع السيارات الصينية، فاو، لإنتاج سيارة السيدان الكهربائية منخفضة التكلفة، طراز Bestune E05، محليًا للسوق المصرية.
وقبل شهر، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيقدم 1.1 مليار دولار كمساعدات مالية قصيرة الأجل لدعم الاقتصاد المصري، وهي جزء من حزمة مساعدات بقيمة 5.4 مليار دولار حتى عام 2027 والتي لا تزال بحاجة إلى موافقة أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وقبل ذلك بشهر، وقعت حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صفقة قرض موسعة بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وجاء ذلك في أعقاب أكبر صفقة على الإطلاق: استثمار ضخم بقيمة 35 مليار دولار من قبل صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي، لتطوير امتداد ساحل البحر الأحمر المصري للسياحة والتطوير العقاري ومشاريع أخرى.
ويشير لوبين إلى أن بعضًا من هذا الالتزام قد تم الوفاء به بالفعل، ويعمل الآن على تعزيز دفاتر البنك المركزي المصري وبعض البنوك التجارية في الدولة الواقعة على نهر النيل.
يقول لوبين إن استثمار صندوق أبو ظبي يمثل تصويتًا كبيرًا بالثقة في جهود حكومة وقيادة الرئيس السيسي لإصلاح وانفتاح الاقتصاد المصري، وكان على الأرجح حافزًا للصفقات التي تلت ذلك.
ويقول: "النجاح يبني على النجاح، وإذا تمكنت مصر من جذب ما يقل قليلًا عن 10% من ناتجها المحلي الإجمالي من دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك يقلل من مخاطر التخلف عن سداد الديون، ويعزز موقف البنك المركزي، ويمنح الثقة للمستثمرين الآخرين."
لكن ما يبرز في صفقات الأول من يوليو هو نطاق الصناعات التي تمثلها ويُنظر إلى مصر منذ فترة طويلة على أنها اقتصاد ضيق يتركز في ثلاثة قطاعات فقط: الطاقة والزراعة والسياحة،ـ ولدى حكومات الخليج والاتحاد الأوروبي الكثير من الأسباب التي تدفعها إلى المساعدة في تحقيق الاستقرار في مصر، التي يبلغ عدد سكانها 111 مليون نسمة وموقعها الاستراتيجي، في ظل اشتعال الحرب بين إسرائيل وحماس من جهة، والبحر الأبيض المتوسط، النقطة المحورية لأزمة المهاجرين في أوروبا، من جهة أخرى ولكن ما الفائدة من ذلك بالنسبة لشركات إدارة المياه والسيارات والمواد الكيميائية الأوروبية، بين شركات أخرى؟.
يقول روبرت موجيلنيكي، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة: "في الوقت الحالي، هذه مجرد تعهدات استثمارية".
وأضاف: "الدليل هو أي من هذه التعهدات سيتحقق، وهذا يعتمد على ما إذا كانت مصر ستحقق تقدمًا ملموسًا على الجبهة الاقتصادية".
وتتحمل مصر أعباء ديون تعادل أكثر من 95% من ناتجها المحلي الإجمالي، ويعيش أكثر من واحد من كل أربعة مصريين في فقر، كما يتسم النمو الاقتصادي بالبطء العنيد. لكن لوبين يشير إلى أن مصر، بسوقها الهائل وموقعها الاستراتيجي، تمثل استثمارًا غير مكلف نسبيًا اليوم مقارنة بأوروبا.
ويقول: "من المفيد أن يكون الجنيه المصري رخيصًا بشكل استثنائي" ويساعد ذلك في تحفيز المستثمرين الأجانب المباشرين خارج الصناعات الثلاث التي كانت تقليديا بمثابة ركيزة للاقتصاد وفي الوقت نفسه، تشير حزمة المساعدات طويلة الأجل من الاتحاد الأوروبي للشركات الأوروبية إلى أن حكوماتها ملتزمة بإنجاح التحديث الاقتصادي في مصر، حسبما يشير موجيلنيكي.
ومن الممكن أن تتحسن ظروف الاستثمار الأجنبي أيضًا إذا واصلت الحكومة التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي.
ويقول لوبين إن هذه تقوم على ثلاث ركائز: التحول إلى سعر صرف مرن وتحديد هدف تضخم موثوق به، وتشديد السياسة المالية، وخلق فرص متكافئة، جزئيا عن طريق الحد من الوجود الضخم للجيش في الاقتصاد.