الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

الإبادة الصامتة.. غزة تموت جوعًا

الرئيس نيوز

تخيم المجاعة على جميع أنحاء قطاع غزة الذي دمرت إسرائيل بنيته التحتية وجميع أجزاء النظام الغذائي، من الفواكه والخضراوات والماشية والأسماك التي تتم تربيتها في المزارع، إلى المخابز والمصانع التي تنتج الخبز ومنتجات الألبان.

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر، يتبع الاحتلال سياسة التجويع بحق الفلسطينيين عبر إغلاق المعابر الحدودية ومنع إدخال الشاحنات الغذائية وعرقلة وصولها واستهداف من يقوم بحراسة المساعدات الشحيحة التي تصل للمناطق في الشمال المدمر.

تصنيف عن معدلات الجوع عالميا كشف أن نقص الغذاء في بعض أجزاء قطاع غزة تجاوز بالفعل مستويات المجاعة بكثير وأن الموت الجماعي أصبح الآن وشيكا، ما لم يُبرم اتفاق لوقف فوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المواد الغذائية إلى المناطق المعزولة بسبب القتال.

التصنيف المدعوم من الأمم المتحدة لم يقدم بيانات كافية عن معدلات الوفيات، لكنه يرى أن السكان في المناطق المتضررة سيموتون من الجوع وسوء التغذية بسبب المجاعة الوشيكة وربما يكون أطفال دون الرابعة من العمر قد ماتوا بالفعل بسبب نقص الغذاء.

وفي حالة المجاعة، يتبع نقص الغذاء أولا انتشار سوء التغذية ثم الوفيات الجماعية.

%70 يعانون نقص الغذاء

وجاء في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الذي تدعمه الأمم المتحدة، أن 70% من الناس في أجزاء من شمال غزة يعانون من أشد مستويات نقص الغذاء وهو ما يتجاوز بكثير نسبة 20% التي تمثل مستوى المجاعة.

300 ألف يواجهون خطر الموت

وجاء في التصنيف أن 1.1 مليون من سكان غزة، أي نحو نصف عدد السكان، يواجهون مستوى "كارثيا" من نقص الغذاء، وهي الفئة الأسوأ، مع وجود نحو 300 ألف في المناطق يواجهون الآن خطر الوفاة بسبب المجاعة.

وذكر جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في افتتاح مؤتمر عن المساعدات الإنسانية لغزة في بروكسل:

"لم نعد في غزة على شفا مجاعة، نحن في حالة مجاعة تؤثر على آلاف الأشخاص، هذا غير مقبول، الجوع يُستخدم سلاحا للحرب، إسرائيل تتسبب في حدوث مجاعة".

ورد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس:

"(على بوريل) التوقف عن مهاجمة إسرائيل والاعتراف بحقنا في الدفاع عن نفسنا ضد جرائم حماس".

وأثار احتمال أن تكون هناك مجاعة في غزة من صنع الإنسان انتقادات لإسرائيل من الحلفاء الغربيين منذ أن شنت حربها ضد حماس في أعقاب هجوم الأخيرة على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

ما هو غلاف غزة؟

غلاف غزة، هو مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية تحيط بقطاع غزة، من الشمال والشرق والجنوب الشرقي، على مسافة تقدر بنحو 40 إلى 41 كلم بمحيط القطاع.

ويتألف غلاف غزة من 50 مستوطنة إسرائيلية، ويقدر عدد سكانه بـ 55 ألف مستوطن.

قسمت إسرائيل غلاف غزة إلى ثلاثة مناطق محلية هي؛ أشكول وأشكلون وشاعر هنيغف.

- منطقة "أشكول" شمال القطاع: مساحتها نحو 380 كلم2، تضم 32 مستوطنة، يعيش فيها أكثر من 13 ألف مستوطن.

- منطقة "شاعر هنيغف" شرق غزة: مساحتها قرابة  180 كلم2، تضم أكثر من 11 مستوطنة، ويسكنها أكثر من 7 آلاف مستوطن.

- منطقة "أشكلون" في جنوب شرقي القطاع: مساحتها نحو 175 كلم2، تضم 4 بلدات استيطانية، ويقدر عدد سكانها بنحو 17 ألف مستوطن.

ويعتبر غلاف غزة، منطقة فاصلة جغرافيا بين القطاع والضفة الغربية، وعمدت سلطات الاحتلال إلى تعزيزها وتثبيتها عبر توسيع المستوطنات وتقديم مغريات وتسهيلات للمستوطنين للعيش فيها، ما يصعب مهمة الحديث عن إقامة دولة فلسطينية متصلة.

كما كان الغلاف نقطة التماس بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، وقد شهدت محاور عدة منه اشتباكات عنيفة في الأيام الماضية.

وكانت القوات الإسرائيلية أعنلت منطقة غلاف غزة منطقة أمنية يحظر الدخول إليها لعدم إرباك القوات العاملة هناك.

معايير المجاعة

تستخدم الأمم المتحدة معايير صارمة لإعلان مجاعة في منطقة معينة، وتستند إلى وكالتيها المتخصصتين في هذا المجال وهما برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة اللتين تعتمدان على هيئة تقنية تعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

يحلّل هذا النظام ويصنّف شدة انعدام الأمن الغذائي على نطاق يرتكز على معايير علمية دولية، كالتالي:

  • عدم مقدرة قطاع كبير من سكان منطقة أو دولة على الوصول إلى غذاء ملائم.
  • مواجهة السكان سوء تغذية على نطاق واسع.
  • حدوث وفيات مرتبطة بالجوع

في شمال غزة، ينتظر السكان يوميا وصول المساعدات التي تلقى بكميات محدودة من الجو، وبمجرد اقتراب مظلات الإمدادات من الأرض، يهرع السكان إلى وسط الأنقاض آملين في التمكن من الحصول على كيس فيه بعض المواد الغذائية.

أما المساعدات البرية فتدخل بشكل رئيسي إلى قطاع غزة من مصر عبر معبر رفح، بعد تفتيشها من الجانب الإسرائيلي.

لكن كميّة المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة بهذه الطريقة لا تكفي لتلبية حاجات السكان، ما أدى إلى إطلاق دعوات لفتح طرق أخرى للوصول إلى شماله ومبادرات مختلفة مثل إرسال سفينتَين محملتَين بالمواد الغذائية من قبرص.

المراحل الخمس للكارثة

بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، "المجاعة" هي المرحلة الأخطر في مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد والذي يتكون من خمس مراحل:

  • المرحلة الأولى: الحد الأدنى من الضغوط المرتبطة بالأمن الغذائي أو عدم الإبلاغ عن أي ضغوط.
  • المرحلة الثانية: بعض الأشخاص يواجهون ضغوطا في العثور على الطعام.
  • المرحلة الثالثة: أزمة الغذاء.
  • المرحلة الرابعة: حالة الطوارئ.
  • المرحلة الخامسة: وضع كارثي أو مجاعة.

وبحسب موقع الأمم المتحدة، يصل الوضع إلى المرحلة الخامسة في الحالات التالية:

  • %20 يواجهون الجوع.
  • %30 من الأطفال يواجهون الهزال.
  • وفاة شخصين يوميا من أصل 10 آلاف بسبب الجوع.

وفيما يتعلق بالحالة الثالثة يقول برنامج الأغذية العالمي: "تتسارع الوفيات لكن الأرقام المتاحة محدودة كما هي الحال عادة في مناطق النزاع".

لكن "انتظار تأكيد حدوث مجاعة (...) لاتخاذ إجراءات جذرية هو أمر لا يمكن تبريره"، بحسب تقديرات التصنيف.

واعتبر جان رافايل بواتو من منظمة العمل لمكافحة الجوع غير الحكومية، أن الأرقام التي نشرها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الاثنين هي "التحذير الأخير للعالم".

وأضاف في مقابلة مع وكالة فرانس برس "يجب التحرك الآن، لدينا الحل لإنقاذ الأطفال الذين يعانون سوء التغذية لكن ليس لدينا إمكانية الوصول إلى غزة".

ما هي أسباب المجاعة؟

الكوارث الطبيعية

جفاف وفيضانات وأعاصير وزلازل وآفات حشرية تؤثر على توافر الغذاء والوصول إليه.

الأزمات الاقتصادية

التي تؤدي إلى اضطراب تجارة المواد الغذائية وزيادة أسعارها وتقلبها.

عدم كفاية الاستجابات الإنسانية لكارثة ما.

النزاعات المسلحة

التي تؤدي إلى تهجير السكان ومواجهتهم نقص الغذاء، كما هو الحال في غزة حيث نزح 1.9 مليون نسمة، وفقا للتصنيف.

مجرد الوصول إلى الحالات التي حددها التصنيف للمجاعة، يصبح الأمر عند الجهات المحلية والمنظمات الدولية، مثل السلطات الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة، لإعلان المجاعة.

وتعود آخر المجاعات التي أعلنتها الأمم المتحدة إلى عامي 2017 في جنوب السودان و2011 في الصومال.

وبحسب الأمين العام للمنظمة أنطونيو جوتيريش فإنه يجب على إسرائيل أن تسمح بوصول كامل المساعدات دون قيود إلى أنحاء غزة.

وأضاف "هذه الكارثة هي بالكامل من صنع الإنسان، ويوضح هذا التقرير أنه يمكن وقفها".

من جانبها، أكدت القائم بأعمال مدير الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إيناس حمدان، أنه لم يطرأ تغير ملحوظ على مستوى دخول المساعدات إلى قطاع غزة.

وقالت حمدان، إنّ ما يدخل للقطاع، بما في ذلك مناطق شمال القطاع، كميات قليلة جدًا ولا تكاد تكفي للحاجات الضخمة والمهولة التي يحتاجها أكثر من مليوني نسمة في القطاع، مشيرةً إلى أنّ إجمالي شاحنات المساعدات التي دخلت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة للقطاع لم يتجاوز 450 شاحنة فقط، وهذه نقطة في بحر الاحتياجات.

ولفتت إلى أنه ما لم يتم إدخال كميات منتظمة وكافية من الإمدادات الإغاثية، فإن قطاع غزة قد يدخل حالة من الجوع الشامل في منتصف يوليو المقبل.