الحرارة الشديدة في مصر.. إنذار "مشؤم" للاقتصادات العالمية
في يوم شديد الحرارة، أشارت عالمة الأرصاد الجوية بالقاهرة أميرة ناصر إلى سجل مكتوب لطقس مصر في القرن التاسع عشر وقال مراسل وكالة بلومبرج إن درجة الحرارة في الخارج في ذلك اليوم بلغت 41 درجة مئوية (105 درجة فهرنهايت)، أو 46 درجة مئوية في الشمس، وهي درجة حرارة كافية لتعطيل بطاريات الهاتف التي لا تتحمل هذا الطقس، وفي الداخل، تحتوي سجلات متحف الأرصاد الجوية على صفحة من أبريل 1874، عندما كانت درجة الحرارة في القاهرة 24 درجة مئوية وتقول العالمية المصرية: "نحن في شهر أبريل فقط، ونحن نتعامل مع موجات الحر بالفعل ولم يُسمع بهذا منذ عقود مضت."
وفي حين شهد الكوكب الآن 12 شهرًا متتاليًا من الحرارة غير المسبوقة، فإن الانحباس الحراري العالمي يمثل مشكلة خطيرة بشكل خاص بالنسبة لمصر، ومعظم ساحتها أراض صحراوية ترتفع حرارتها بواحد من أسرع المعدلات في العالم ويشعر الخبراء في هيئة الأرصاد الجوية المصرية بالقلق من أن يكون هذا الصيف أكثر وحشية من العام الماضي، حيث سيقلب المشهد بالنسبة للسلع والزراعة رأسًا على عقب وقد تتضرر الحياة اليومية بشكل لافت.
واصبحت مصر مضطرة بالفعل إلى استيراد أعلى كميات من الغاز الطبيعي المسال منذ عام 2018 لمواكبة استهلاك مكيفات الهواء من الطاقة كما يعني الطقس الحار انخفاض إنتاج محصول القمح بسبب الحرارة ونقص المياه زيادة الاعتماد على واردات الحبوب الحيوية لإطعام سكان مصر.
وفي الوقت نفسه، يؤدي انقطاع التيار الكهربائي الدائم إلى التأثير بشكل حاد على الإنتاجية وتغلق أجهزة الكمبيوتر المحمولة أثناء اجتماعات زووم، بسبب انقطاع الكهرباء لتخفيف الأحمال، ويخشى كثيرون تعطل المصاعد، وتقدم مصر، باعتبارها رائدة في مجال تأثيرات تغير المناخ، لمحة عما ينتظر الاقتصادات في جميع أنحاء العالم خلال الصيف المقبل وكذلك الاقتصادات المستقبلية.
وأشارت بلومبرج إلى أن دبي قد عانت بالفعل من آثار الطقس القاسي بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في غمر المنازل والطرق لعدة أيام وتعاني بنجالور، عاصمة التكنولوجيا في الهند، من نقص المياه ومع وصول الطقس الحار إلى أوروبا والأمريكتين، ستشعر الدول الأخرى بآلامها.
وبالعودة إلى أمل ناصر – التي تدرس للحصول على درجة الدكتوراة، فإنها تدرس موجات الحر وسط مخاوف من تداعيات محتملة أخرى في مصر وقالت لبلومبرج: "أحد المخاوف التي نتعامل معها هو أن نبدأ في الحصول على فئة غير مسبوقة من الوفيات وهي الموت بسبب الطقس الحار ولم تصل درجات الحرارة مطلقًا إلى 50 درجة مئوية ولم نصل إلى هذه الدرجة بعد، ولكن علينا أن نكون مستعدين وأن يكون لدينا خطط طوارئ مثلما فعلنا بشأن الفيضانات".
وتتفاقم معاناة مصر بشكل خاص بسبب تركيبتها الجغرافية كدولة معظم إقليمها صحراء وذات موارد مائية محدودة.
وهذا ما يجعل ارتفاع درجة حرارة الطقس أعلى بمرتين من بقية أنحاء الكوكب، مما يوضح تأثير الحرارة الشديدة ويسلط الضوء على أهمية التنبؤ الدقيق بالأحداث المناخية المتطرفة بالنسبة لصانعي السياسات والأعمال ويتوقع خبراء الاقتصاد والمتخصصون في المناخ بالفعل ارتفاع درجات الحرارة بشدة هذا الصيف في أجزاء كثيرة من العالم.
وعلى وجه الخصوص، لا تزال أجزاء كبيرة من شمال المحيط الأطلسي أعلى بكثير من درجات الحرارة المعتادة، وهو ما من المرجح أن يؤدي إلى استمرار الطقس الحار في أوروبا. وهذا يعني ارتفاع الطلب على الطاقة لأغراض التبريد، وارتفاع خطر حرائق الغابات في اليونان وإسبانيا والريفيرا الفرنسية، ويمكن أن تؤدي العواصف المطيرة الصيفية الشديدة إلى خطر حدوث فيضانات مفاجئة وتعطيل الزراعة ثم هناك الخسائر البشرية.
وقال كارلو بونتيمبو، مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ في المركز الأوروبي للأبحاث المتوسطة: "لقد شهدنا على مدى السنوات العشرين الماضية ارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة في أوروبا بنسبة 30%، وقد أثر هذا على الغالبية العظمى من الأراضي الأوروبية".
ويواجه كل من المغرب والمكسيك موجات جفاف، في حين تواجه كاليفورنيا وجنوب غرب الولايات المتحدة موجات حارة. وفي تايلاند، توفي عدد أكبر من الأشخاص بسبب الحرارة هذا العام مقارنة بعام 2023 بأكمله، وفي الولايات المتحدة، يتوقع الخبراء موسمًا نشطًا للغاية للأعاصير المدارية.
وفي مصر، سيؤدي صيف آخر من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع إلى زيادة الضغوط على ميزانية الدولة وعلى السكان الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار الوقود المحلية. ولم تحصل البلاد إلا مؤخرًا على خطة الإنقاذ في شكل استثمارات وحزم مساعدات.
وقال وزير المالية محمد معيط إن دعم الدولة للوقود بلغ 220 مليار جنيه مصري (4.6 مليار دولار) في السنة المالية الحالية وإن إنهاء انقطاع التيار الكهربائي سيتطلب 300 مليون دولار إضافية شهريا لاستيراد ما يكفي من الطاقة.
ويخشى مسؤولو المناخ أن تتضرر بعض محاصيل هذا العام بشدة في مصر. لقد تم تدمير محصول البرتقال تقريبًا في العام الماضي ولم يتمكن المزارعون من تصدير الكثير. وتشير التقديرات أيضًا إلى انخفاض محصول المانجو بنسبة تتراوح بين 14.6% إلى 50.5% العام الماضي، بينما انخفض أيضًا محصول الذرة في جنوب مصر بنسبة 30-40%، وفقًا لهيئة الأرصاد الجوية.
أما عن مناطق العطلات؛ فقد سجلت أسوان، المدينة ذات الآثار والمعابد الفرعونية المهيبة، وواحدة من الوجهات السياحية الأكثر شعبية في البلاد والتي كانت مصدر إلهام لرواية أجاثا كريستي الشهيرة "الموت على النيل"، أعلى درجة حرارة لها على الإطلاق حيث بلغت 49.6 درجة مئوية في الظل في 6 يونيو الجاري.
وتتمتع البلاد بأحد أقدم التقاليد في العالم لمراقبة درجة الحرارة. وفي عام 1829، بدأت بقياس درجة الحرارة خمس مرات يوميًا بالتزامن مع أوقات الصلوات الخمس في غرفة واحدة بمدرسة المهندسين التابعة لها ويعرض متحف قسم الأرصاد الجوية أدوات قياس الطقس التي استخدمها المصريون القدماء وفي هذه الأيام.
أصبح خبراء الأرصاد الجوية على اتصال دائم مع وزارات الطيران والزراعة والملاحة والطاقة من أجل توفير تنبؤات أساسية لكل شيء من التخطيط الحضري إلى الواردات، سعيًا إلى التخفيف من تأثير الطقس القاسي الذي ألحق الضرر في عام 2010 بمحصول القمح المهم في مصر، وتسبب في عشرات الوفيات المرتبطة بالحرارة بعد خمس سنوات، وفي عام 2018 غمرت المياه المنازل وقطعت الكهرباء والطرق في مصر واحدة من أرقى ضواحي القاهرة.
والآن، ينظم العديد من المصريين حياتهم اليومية بالكامل وفقًا لتوقعات الأرصاد وفي القاهرة، لا تملك سلوى عبد العظيم، 49 عامًا، مكيف هواء، لذلك، كانت تتابع باستمرار صفحة الأرصاد على فيسبوك للتخطيط لموجات الحر، وتخزين المياه في صفائح لاستخدامها في الشرب وتبريد الرأس والجزء الخلفي من الرقبة عند انقطاع التيار الكهربائي.
وتحاول عائلتها إنجاز كل شيء قبل انقطاع الكهرباء، والانتهاء من دراستهم وأعمالهم المنزلية وشحن مصباح الطوارئ وعليها أن تطبخ في وقت مبكر جدًا من الصباح قبل الخروج إلى العمل وقالت لبلومبرج: "الشيء الوحيد الذي أتطلع إليه الآن هو الوقت الفاصل بين موجات الحر".
ويؤدي تغير المناخ إلى جعل العديد من المدن ساخنة بشكل خطير على مستوى العالم بسبب "تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية" والذي يحدث بسبب احتجاز المباني والإنشاءات الكثيفة للحرارة. إنها مشكلة خاصة بالنسبة لمدن مثل منطقة القاهرة الكبرى، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 20 مليون نسمة.