الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

طبيب فرنسي: ما رأيته في غزة أثناء غزو إسرائيل لرفح ليس إنسانيًا

الرئيس نيوز

عندما سئل الطبيب الفرنسي "زهير لهانة" عن ظروف المستشفيات التي عمل فيها في قطاع غزة، اكتست ملامحه بمشاعر الأسى والألم من ذكريات المرضى والجرحى والمحتضرين في رفح، وكان يعمل إبان الاجتياح الإسرائيلي لمناطق قطاع غزة في المستشفى الأوروبي بخان يونس، وصرّح لموقع شبكة الجزيرة الإخباري الناطق بالإنجليزية  بأنه سبق وأن عمل في مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك سوريا وليبيا واليمن وأوغندا وإثيوبيا - لكنه لم ير قط شيئًا مثل الآثار المدمرة للحرب الإسرائيلية الانتقامية على غزة.

وقال جراح الحوض وطبيب التوليد المغربي الفرنسي، إنه في تلك المواقف التي تهدد الحياة، كان هناك طريق إلى بر الأمان للمدنيين، بغض النظر عن عدد قليل من القنابل، فإن تواطؤ الولايات المتحدة في الإبادة الجماعية يظل مصدر ألم لن يزول.

ولكن في يوم الثلاثاء الماضي، سيطرت القوات الإسرائيلية على معبر رفح الحدودي في غزة مع مصر وأغلقته، وهو المهرب الوحيد للفلسطينيين من الحرب وأهم نقطة دخول للمساعدات الإنسانية، وقال الطبيب الفرنسي: "هذا ظلم آخر، إن ما يحدث في رفح ليس إنسانيًا” وهو يأسف لاضطراره إلى ترك زملائه الفلسطينيين وراءه.

وأضاف: “أنا غاضب، ومضطرب، ومستاء لأنني تركتهم وغادرت، إنهم اصدقائي.. لقد كنت معهم، هؤلاء الأطباء، هؤلاء الجرحى كنا نأكل معًا، ونعمل معًا، والآن تركتهم في ورطة وعليهم أن ينقلوا عائلاتهم، ويبحثوا عن خيمة، ويبحثوا عن الماء، وعن الطعام”.

وأمضى الطبيب زهير لهانة أشهرًا في العمل التطوعي في مستشفيات غزة كجزء من البعثات التي نظمتها جمعية الأطباء الفلسطينيين في أوروبا ومؤسسة رحمة الدولية ومقرها الولايات المتحدة.

في الصباح الذي صدرت فيه أوامر للفلسطينيين النازحين في شرق رفح بالإخلاء، وقبل دخول الدبابات الإسرائيلية، تلقى زهير وزملاؤه الأجانب رسائل نصية من جيش الاحتلال الإسرائيلي ويقول: “جيش الاحتلال الإسرائيلي يعرف كل شيء.. وهم يعرفون كل من هو في غزة وكيفية الوصول إليهم وقالوا يجب أن نغادر" وحثت الرسائل الأطباء الأجانب على مغادرة غزة لأن الجيش الإسرائيلي سيبدأ قريبا عملية في شرق رفح.

وبعد ساعات قليلة، تقرر جمع الأطباء الأجانب بالقوة وتم نقلهم إلى بر الأمان وكانت محطتهم التالية في القاهرة.

وقال: "كان هناك أربعة أطباء في المستشفى الأوروبي وأربعة في المستشفى الكويتي واثنان آخران وانتظرنا حتى أعطوا أسمائنا للسلطات المصرية، وأخيرًا تلقينا رسالة بالمغادرة" وأثناء مغادرتهم، سقطت من السماء منشورات من جيش الاحتلال مطبوعة بأمر الإخلاء، بالإضافة إلى صواريخ من الطائرات الحربية الإسرائيلية.

وأشار زهير إلى أن الناس كانوا في حالة من الذعر أثناء توجههم شمالًا من رفح باتجاه خان يونس أو غربًا باتجاه البحر، وعندما سُئل عن ظروف المستشفيات التي كان يعمل فيها، واجه زهير صعوبة في وصف ما رآه وبدأ بالكلام، ثم توقف معتذرًا، متألمًا من عدد المرضى والجرحى والمحتضرين الذين يتم إحضارهم للمستشفيات يوميًا وقال ببطء: "من الصعب بالنسبة لي أن أتذكر هذا" ورغم أن المستشفى الأوروبي نجا من غارة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه ظل يتلقى الإحالات من مستشفيات أخرى مكتظة.

كما كان أيضًا مكانًا لإيواء النازحين الذين يحاولون العثور على مكان حيثما استطاعوا، بما في ذلك أبواب غرف المرضى، وفي ممرات المبنى، وعلى الدرج وفي حديقة المستشفى.
وقبل المستشفى الأوروبي، تطوع زهير وفريقه في مستشفى كمال عدوان في مدينة بيت لاهيا شمال غزة. وهو من بين الأطباء الأجانب القلائل الذين سافروا إلى المنطقة وقال إنهم عملوا هناك لمدة أسبوع، وهي أطول فترة سمحت لهم السلطات الإسرائيلية بالبقاء فيها.

وقال الطبيب إن الوضع هناك كان أكثر خطورة، وقد تفاقم بسبب ما يقول برنامج الغذاء العالمي إنها "مجاعة شاملة" في شمال غزة.

وفي ديسمبر، تعرض المستشفى لغارة إسرائيلية عندما حاصره الجيش وقصفه لعدة أيام. كما كانت الأسر النازحة تلجأ إلى هناك وتم جمعها إلى جانب الطاقم الطبي والعاملين وكانت مستشفيات غزة، التي لم تعد غالبيتها تعمل، أيضًا موقعًا لمقابر جماعية تم اكتشافها بعد الغارات الإسرائيلية. وتم العثور على مقابر في الأسابيع الأخيرة في مستشفيي ناصر والشفاء بالإضافة إلى 392 جثة.
العمل من أجل السلام وليس الحرب

ومع انهيار نظام الرعاية الصحية في غزة، فإن زهير عازم على العودة والتطوع هناك مرة أخرى، لكنه غير متأكد متى سيكون ذلك ممكنًا وقال إنه سيعود في الوقت الحالي إلى فرنسا للاطمئنان على وظيفته وقضاء بعض الوقت مع عائلته، التي ربما واجهت وقتًا أصعب مما واجهه لأن كل ما فعلوه هو القلق عليه أثناء وجوده في غزة وأضاف أنه على يقين من أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ستحتل رفح بأكملها قريبًا، الأمر الذي سيكون قاتلًا لمئات الآلاف من الفلسطينيين هناك.

وأضاف: "هذا العالم أعمى"، معربا عن استيائه من احتمال استمرار التوغل في رفح على الرغم من تحذيرات المجتمع الدولي، الذي لم يتمكن من منع إسرائيل من ارتكاب فظائع جماعية، على حد قوله واعتبر "حقوق الإنسان مجرد مزحة. وأضاف: "الأمم المتحدة مزحة كبيرة".
وهو يعتقد أن الحرب هي صراع أمريكي بقدر ما هي صراع إسرائيلي، حيث وافقت الولايات المتحدة على تقديم مساعدات إضافية بقيمة 17 مليار دولار لأكبر حليف لها في الشرق الأوسط الشهر الماضي.

وتحدث زهير عن طلاب الجامعات المحتجين في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، والذين يعارضون الهجوم الإسرائيلي المستمر، فهؤلاء يعرفون قيمة حقوق الإنسان ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فإنهم بدأوا يدركون أن هذه القيم لا تنطبق عليهم - ويشعرون على نحو متزايد بخيبة أمل إزاء مسؤوليهم المنتخبين وحالة العالم.

وسئل عما إذا كان يشعر بالقلق من الاعتقال أو التعرض للتعذيب أو القتل بسبب عمله في غزة، فأجاب بأن وقت وفاته سيأتي في يوم أو آخر، وإذا حدث ذلك أثناء مساعدة المستضعفين في غزة، فسيكون هذا هو الوقت المناسب لرحيله.

وأكد: “لست أغلى من الشعب الفلسطيني... أنا طبيب إنساني وأنا أعمل لأساعد الناس ونحن الأطباء نأتي من أجل السلام... نحن لا نأتي من أجل الحرب”.