عاجل| هل انتهكت إسرائيل معاهدة السلام مع مصر باحتلال معبر رفح الفلسطيني؟
دخلت الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة منعطفًا جديدًا، بعدما انهارت مباحثات الهدنة التي ترعاها مصر بين الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد والجبهة الشعبية) من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، وهي المباحثات التي وصفت بأنها الأمل الأخير لوقف النزيف الفلسطيني بآلة القتل الإسرائيلية.
الأمور ازدادت تعقيدًا بعدما سيطرت إسرائيل على معبر رفح من جانبه الفلسطيني، الأمر الذي اعتبرته صحف إسرائيلية تحسين لوضعية المفاوض الإسرائيلي، وخسارة كبيرة للفصائل الفلسطينية المقاومة؛ إذ وضع بذلك جيش الاحتلال يده على المنفذ الرئيسي والوحيد لإدخال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.
ولطالما سعى جيش الاحتلال إلى إعادة سيطرته على معبر رفح، لكن تتجلى إشكاليات قانونية تواجه الاحتلال بينها، معاهدة السلام مع مصر التي تقضي إحدى بنودها على أن تكون المنطقة (د) منطقة منزوعة السلاح ومحدودة القوات بين الجانبين، ويعتبر محور فيلادلفيا وامتداده في معبر رفح ضمن هذه المنطقة، لذلك استمرار تواجد جيش الاحتلال بكل هذه القوات والمعدات الثقيلة أمر مخالف لمعاهدة السلام مع مصر.
مصدر مطلع تحدث مع فضائية القاهرة الإخبارية، وقال إن محور فيلادلفيا كانت الآليات العسكرية الإسرائيلية تتحرك فيه في إطار تأمين الحدود بين قطاع غزة ومصر قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع العام ٢٠٠٥، وأن معظم الآليات كانت وقتها عبارة عن ناقلات جند M113 وسيارات جيب، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000، تحرك على على هذا المحور دبابات ميركافا، يشير المصدر إلى أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة العام 2005، امتنع الجيش الإسرائيلي عن التواجد بالمحور؛ لعدم الاستمرار في إثارة الجانب الفلسطيني، وقد تم الاتفاق على زيادة أعداد العناصر الأمنية المصرية بالمنطقة الحدودية لتأمينها.
يضيف المصدر أنه عقب توقيع اتفاق أوسلو، سمي المحور بهذا الاسم، حتى قبل دخول الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى غزة.
إظهار الغضب مطلوب
الكاتب الصحفي الكبير، عبدالله السناوي، قال لـ"الرئيس نيوز" إن "التواجد الإسرائيلي في معبر رفح مخالف تماما لاتفاقية السلام مع إسرائيل؛ فهذه المنطقة لها ترتيبات أمنية خاصة، ولا تخترق إلا بتوافق، وما يحدث حاليا من الجانب الإسرائيلي خرق واضح وفاضح للترتيبات الأمنية المدرجة في اتفاق كامب ديفيد".
أضاف الكاتب الصحفي، أن الأمر يستدعي موقفا أكثر حزما ووضوحا من قبل مصر؛ لأن الأمر ينطوي على استخفاف ومصر بلد ليست بالصغيرة، موضحا أن أي تعديل في الترتيبات الأمنية يقتضي توافق من البلدين، وعليه فإن ما حدث ينطوي على أمين.
تابع أن "الأمر الأول إما أن تكون مصر قد تم إخطارها بالعملية الإسرائيلية، والإعلام إسرائيلي حريص على الادعاء بأن مصر كانت على علم بما حدث منذ اليوم الأول لعملية رفح، أما الأمر الثاني وهو الأكثر رجوحا أن إسرائيل فاجأت القاهرة بتصرفها وهو الأمر الذي يعني خرق واضح وصريح لاتفاق السلام".
أكمل السناوي: "من وجهة نظري، أن إسرائيل لم تخطر القاهرة بتصرفها الغاشم في رفح، وعليه لابد أن يكون هناك رد فعل مصري يساويه. وعدم الرد يعطي رسائل عكسية. تسيء للدور المصري المبذول تجاه القضية الفلسطينية. وعلى القاهرة إظهار بكل الطرق أنها غاضبة مما حدث بكل الطرق المتبعة دوليا في مثل هذه المواقف".
أتم: "الرد لا يعني أن يكون هناك حربا مع إسرائيل، لكن خطوات دبلوماسية ملموسة، تكون أكبر من تصريح كل الخيارات مفتوحة التي نسمعها من حين إلى آخر. فالأمر أصبح مهدد للأمن القومي المصري، ومهدد للدولة المصرية، فضلا عن الاستهتار بجهود الوساطة الكبيرة التي تخوضها مصر منذ اليوم الأول للعدوان، فهناك إفشال متعمد لدور الوساطة المصري، وتوج هذا الإفشال بالدخول إلى رفح واحتلال معبر رفح".
تنسيق أمني
أستاذ الاستراتيجيات في أكاديمية ناصر العسكرية، اللواء الدكتور سامح أبو هشيمة، قال لـ"الرئيس نيوز": "إن التواجد الإسرائيلي بالأسلحة الثقيلة عند معبر رفح من ناحيته الفلسطينية هو من حيث الشكل انتهاك واضح وصريح لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي تم توقيعها العام 1979 والملحقين الأمنيين العام 2005؛ وذلك لأن معبر رفح والمنطقة التي يقع فيها هي ضمن المنطقة (د) التي من المفترض أن تكون منزوعة السلاح الثقيل بين مصر وإسرائيل، لذلك يعتبر التواجد الإسرائيلي في تلك المنطقة خرق واضح لمعاهدة السلام، لكن هناك بند في اتفاق السلام ينص على التنسيق والترتيب الأمني بين الدولتين أوقات الطوارئ".
أوضح اللواء أستاذ الاستراتيجيات، أن مصر أجرت ترتيبات أمنية مع إسرائيل حينما كانت تحارب الجماعات الإرهابية في سيناء العام 2015، إذ سمحت إسرائيل للقاهرة بإدخال معدات عسكرية ثقيلة، وزيادة عدد القوات المصرية في المنطقة (د) الحدودية، رغم أنها تعتبر منطقة منزوعة السلاح، ومحدودة القوات، وفق معاهدة السلام".
أشار اللواء أبو هشيمة إلى أن تقارير صحفية تزعم أن إسرائيل أخطرت مصر بحضور أمريكي بنيتها الدخول إلى مدينة رفح الفلسطينية، وأن دخولها سيكون محدود الوقت والقوات، ولكن الخبير العسكري شدد في الوقت ذاته على أن إخطار إسرائيل لمصر بعمليتها في رفح الفلسطينية إن حدث فهو لا يعني أن القاهرة ستوافق على وجود دائم للقوات الإسرائيلية في مدينة رفح والمعبر الحدودي، لأنه باستمرار هذا التواجد الإسرائيلي وعدم الانسحاب من تلك المنطقة سيكون هناك خرق واضح وصريح لاتفاق السلام مع الكيان.
تابع أن مجريات الحرب الإسرائيلية على القطاع تتصاعد وتزيد المشهد تعقيدًا وسيؤدي ذلك حتمًا إلى اتساع رقعة الصراع، وهو ما تحذر منه مصر منذ اليوم الأول للعملية الإسرائيلية في غزة، مشيرًا إلى أن القاهرة تتحلى بأقصى درجات ضبط النفس، لكن طالما بدأت الأمور في تهديد الأمن القومي ظني أن اللهجة المصرية ستبدأ في التصاعد، واتخاذ نبرة حادة، وقد أشارت تقارير إلى أن مصر هددت بتجميد دورها كوسيط في الحرب إذا استمرت إسرائيل في احتلالها لمعبر رفح.
تجاوز الخطوط الحمراء
أما الباحث في الشؤون العربية، عصام سلامة، قال إن الاحتلال الإسرائيلي تجاوز بدخوله إلى مدينة رفح الفلسطينية كل الخطوط الحمراء للأمن القومي المصري.
وأضاف: "إعادة احتلاله لمعبر رفح من جانبه الفلسطيني هو بمثابة خرق لاتفاق السلام، وهو أمر مهدد للأمن القومي المصري، ولا يمكن السكوت عليه".
أوضح سلامة أن خرق إسرائيل لمعاهدة السلام واتفاقيتي فيلادلفيا والمعبر، يتجاوز الاعتداء على الأشقاء في فلسطين ليهدد الأمن والمصالح والسيادة المصري، مشيرًا إلى أن تقارير صحفية تتحدث حاليًا عن إخطار مصري لأمريكا بوصفها الدولة الراعية لاتفاق السلام مع إسرائيل؛ للتعبير عن رفض القاهرة وغضبها التواجد الإسرائيلي في رفح، وأنها لن تقبل بأي شكل من الأشكال استمرار التواجد الإسرائيلي على المعبر.