الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

"تيمة" الدراما الشعبية بين الماضي والحاضر: نجاح سريع لا يدوم (2)

الرئيس نيوز

يواصل "الرئيس نيوز" فتح ملف الدراما الشعبية بين الماضي والحاضر، إذ شهدت السنوات الأخيرة كثافة في تقديمها، إلا أنها تختلف كثيرا عن التي عرفها المجتمع في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، كما تغيرت مواصفات البطل الشعبي بين الماضي والحاضر، فبدلا من مواصفات الشهامة والجدعنة والقيم والأخلاق التي يتمتع بها في الأحياء الشعبية، تحولت مواصفاته إلى البلطجة والظلم.

تحدث بعض النقاد عن الفرق حول الدراما الشعبية بين الماضي والحاضر، وكشفوا تفاصيل التغييرات التي جرت، وأسباب هذه التحولات.

خيرية البشلاوي: "تيمة" درامية مضمونة النجاح 

الناقدة خيرية البشلاوى تحدثت حول ظاهرة الدراما الشعبية، مؤكدة أن "تيمة" الدراما الشعبية في تزايد كبير كل عام، وقالت: "عندما ينجح نجم فى تيمة بعينها طبيعى أن يكررها، مع اختلاف الأحداث بالطبع، وهذا ما حدث مع اللون الشعبى الذى زاد فى تقديمه، وسيظل فى زيادة لأنها نوعية مضمونة النجاح، حتى أن الجمهور يتذكر إفيهات الأبطال أكثر من الأحداث، وذلك لأن المشاهد المصرى بطبعه يميل إلى تلك الأجواء الشعبية، وهى الغالبة على الأحياء فى كل بقاع مصر، وليس فى القاهرة وحدها".

أضافت البشلاوي: "هذا اللون الدرامي نابع من قلب الشعب، ولكن على صناع اللون الشعبى أن يدركوا معناه فى البداية حتى يمكنهم التعبير عن رغبة الجمهور، فالدراما الشعبية تأتى من الشعب، ويجب أن يهتم المؤلف بوجود مفردات الشارع وحكايات من تلك البيئة، ومن قلب الحارة، دون مبالغة فى مناطق الإثارة، كأن يقدم البطل مشهد يضرب فيه أعداؤه وعددهم العشرات، بينما هو أعزل، وهى مبالغة لا نراها فى أى حى شعبي".

أردفت: "للأسف الوضع في الدراما الشعبية حاليا أصبح سئ، لأنها بها الكثير من المبالغة والبعد عن الواقع، والأصل أن نقدم دراما شعبية تشبه الواقع، وتلقي الضوء على مشاكل الناس وتستعرض حياتهم الحقيقية، ولا مانع من وجود أكشن ولكن يجب أن يكون بدون مبالغة".

وصفت ما يقدم في الأعمال الشعبية بـ"الخطيئة الكبرى"، مشيرة إلى أن تصدير البطل الشعبي على أنه بلطجي ويريد أخذ حقه بيده دون الرجوع للقانون، هو أمر خاطى، كما إنه ليس له علاقة بالواقع.

وأضافت: "البطولة الحقيقية ليست في البلطجة، وليس في أخذ الحق بالقوة، ففي الموسم الجاري نرى الأخ الذي يحرق منزل شقيقه، وأم الزوجة التي تجهضها، والبنت التي تتهم والدتها في شرفها، مثل مسلسلات "حق عرب، العتاولة، محارب، بيت الرفاعي، وغيرها"، حيث دائما تجد جملة: أنا هاخد حقي بذراعي".

طارق الشناوي: المشاهد ينسى الأحداث سريعا ونجاحها "لحظي" 

فيما قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن المصيبة الكبرى في هذه الأعمال هي تمجيد الخارج على القانون، وإظهاره على أنه بطل، لذلك تجد معظم هذه الأعمال تدور أحداثها إما عن تجارة المخدرات أو الآثار أو السرقة وعالم الجريمة، وهذه النماذج تهدم المجتمع، وتقدم صورة سيئة عن الحارة المصرية، ويساهم ذلك في تقليد الشباب لهم، ما يتسبب في وجود بلطجية كثيرين في الشارع.

وأضاف الشناوي: "قديمًا كان يقدم البطل الشعبي الذي يقف بوجه الظالم ويساعد المظلوم، وفي حال تقديم الفتوة على أنه ظالم كان يوجد بالعمل ذاته شخص يحب الحق وينتصر في العمل على الفتوة الظالم ويصبح هو الفتوة، مما يؤسس فكرة أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن الظلم وإن طال فلا بد لصاحب الحق أن بنتصر".

وتابع أن نجاح مسلسلات الدراما الشعبية في مصر يرجع إلى بحث الناس عن شخص يحقق أحلامهم، ويستطيع أن يُحصّل حقوقهم، مشيرا إلى أن البطل الشعبي يكسب الرهان، لكن الناس ينسونه سريعًا، لعدم تركه أثرا حقيقيا، لذلك نجد كل عام عددًا كبيرا من هؤلاء الأبطال في المسلسلات، ولكن ينتهي العمل بإنتهاء عرضه.

وطالب الشناوي تقديم قصص أكثر جودة فنية ليتجاوز تأثيرها حدود أيام عرضها، وتبقى في الذاكرة مدة أطول، وهذا سيحدث فقط بتعزيز الموضوعات الإنسانية، وإثارة نقاشات، وخلق حراك مجتمعي.

وقال الشناوي إن الفنان أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثبت إنه ممكن تراهن عليه في الدراما الشعبية، ولكن يجب أن يكون لديه مساحة للحرية، وأن يتوقف عند تجسيد شخصة البطل الشعبي ويتجه إلى سياق جديد، ونفس المثال الفنان محمد رمضان، عليه أن يغير التيمة التي يعمل بها في الدراما، ويقدم أفكار جديدة حتى لو كانت شعبية، ولكن يجب أن تحمل موضوعات أكثر عمقا وأقرب إلى الواقع.

نادر عدلي: الاقتراب من الواقع أفضل من المبالغة وشخصية البطل الشعبي ليست "سوبر هيرو"

فيما أكد الناقد نادر عدلي، أن الدراما الشعبية لون جاذب للجمهور، خاصة أن  الأحياء الشعبية هى الأرضية الحقيقة للمجتمع المصرى بكل ما فيها من حكايات ونماذج سلبية وإيجابية، وتبرز مفردات الخير والشر، نتيجة تقارب أبناء الحارة الواحدة، فتبدو التفاصيل أكثر بروزا وقوة عن مجتمع  المدينة الأكثر حداثة، حيث لا توجد سوى التفاصيل التى تخص كل أسرة باستقلاليتها، والبيئة الشعبية هى الأقرب لبيئة الريف والصعيد، حيث يتقارب الناس، فأصحاب الحرف والمهن والصنايعية أكثر تعبيرا عن شريحة كبيرة من المجتمع، الذى يرى فى هؤلاء الأبطال صورة منه أو أقرب إليه، ولذلك تنجح هذه الأعمال لأنها ببساطة اقتربت من الناس.

وقال إن ليس كل ما يقدم فى الإطار الشعبى يضمن النجاح، فهذا يتوقف على المعالجة الدرامية لقضايا حقيقة، بحيث لا تغلب مشاهد الأكشن المبالغ فيه، صحيح لابد من وجود الإثارة لتتحقق المتعة، ولكن لا يجب أيضا أن يتحول البطل الشعبى إلى "سوبر هيرو" يحقق كل شىء بقوة جسدية، فتتوه رسالة العمل الحقيقية.

وأضاف: "لابد من التوازن فى التقديم، والتوزان فى الصراع، بحيث لا تبدو الحارة الشعبية كالمدينة الفاضلة، وأيضا لا تصبح غابة مليئة بالوحوش ويضطر البطل لمجاراتهم".

ويختتم عدلي قائلا: "الكتابة وتناول الموضوعات الشعبية لابد وأن تأتى من مؤلفين لديهم وعى بقيمة تقديم هذا اللون المحبوب دون سحب المشاهد إلى مناطق العنف أو الابتذال، والجمهور هو الذي يحكم فى النهاية إذا كانت تلك الأعمال قدمت قضاياه وحكاياته أم بالغت فى تناول أحداث لا تمت للواقع الشعبى بصلة".