"تيمة" الدراما الشعبية بين الماضي والحاضر: "الواقع والمبالغة" (1)
الفرق بين دراما تعيش ودراما تنتهي بانتهاء عرضها
بدأت موجة انتشار الدراما الشعبية مؤخرا في التزايد، وأصبح أغلب النجوم يميلوا لتقديم هذه النوعية من الدراما، في محاولة منهم لضمان تحقيق نجاح أسوة بسابقيهم، وعلى الرغم من أن تيمة الدراما الشعبية لها تاريخ كبير في مصر، وقد بدأت منذ السبعينات في القرن الماضي، إلا أن الدراما الشعبية الحالية اختلفت كثيرا عن الدراما الشعبية التي عهدها الجمهور في السابق، وفق تأكيدات النقاد والمتخصصين، كما أن البطل الشعبي في الدراما اختلف كثيرا بين الماضي والحاضر.
"الرئيس نيوز" طرح بعض التساؤلات حول الفرق بين الدراما الشعبية في الماضي والحاضر، وأسباب التغيرات التي حدثت، وماهية البطل الشعبي التي تحولت بتحولات المجتمع، وأجاب عنها بعض النقاد الفنيين.
جمال عبد القادر: نجوم زمان يعرفون الفرق بين السينما والدراما
تحدث الناقد الفني جمال عبد القادر حول أسباب تغير الدراما الشعبية بين الماضي والحاضر، مؤكدا إن المجتمع نفسه اختلف وحدثت به تغيرات عديدة، وقال: "المجتمع الشعبي الذي تواجد في مسلسلات (ليالي الحلمية والشهد والدموع وليالينا وغيرها) يختلف كثيرا عن مجتمع (عبدة موتة والألماني)، وأردف قائلا: "الطبقة التي ظهرت على السطح بعد 2011 من العشوائيات (الطبقة المنسية) طفت على السطح بصورة أكبر، وأصبحت مغريه لبعض الكتاب وصناع السينما في البداية، وعندما حققت نجاح سينمائي، قام المنتجين بغرض تجاري بنقلها إلى الدراما، في محاولة لتحقيق نفس النجاح الذي تحقق في السينما"، وأضاف: "بعدها انتقل محمد رمضان إلى الدراما بنفس آلياته في السينما، وهذا خطأ كبير لأن ما يقدم في السينما لا يصح تقديمه في الدراما".
أردف عبد القادر قائلا: "أصبح الأمر مغري للكل، واتجه الكثيرين لنفس الاتجاه مثل عمرو سعد ومصطفى شعبان، ومن بعدهم أحمد العوضي وغيره، في محاولة لمغازلة الجمهوروتحقيق نجاح سهل".
وقارن بين تفكير نجوم زمان مثل عادل إمام وبين نجوم العصر الحالي، قائلا: "عندما قدم عادل إمام في السينما أفلام المولد وسلام يا صاحبي، اتجه للدراما بمسلسل أحلام الفتى الطائر، ولم يضع فيه افيهات حراقة ولا مشاهد ساخنة، وهذا يؤكد مفهومه كنجم وفنان بالفرق بين السينما والدراما، وأيضا ستجد نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وصلاح السعدني لديهم نفس التفكير، بخلاف نجوم العصر الحالي".
وأردف: "حتى النجوم الذين جائوا بعد ذلك مثل ممدوح عبدالعليم وأحمد عبدالعزيز، كان لديهم هذا المفهوم، وقدموا دراما شعبية تليق بالمجتمع وقريبة من الواقع".
ووصف الدراما الشعبية التي تقدم حاليا بأن بها (استسهال واستهبال)، مؤكدا أنه لا يمكن توصيفها بدراما شعبية، ولا يمكن أن تجد هذه النماذج في الأحياء الشعبية العريقة، مشيرا أن ما يظهر حاليا هو الجزء الذي خرج من العشوائيات، ولا يصح تعميمه لأن هذه ليست أخلاق ولا قيم البطل الشعبي في الأحياء الشعبية، ولا يمكن أن نقول أن المجتمع المصري بأكمله يشبه هذه العشوائيات.
استسهال واستهبال
كشف جمال عبد القادر، إن الدراما أصبحت تنقل واقع 4% فقط من الشعب، 2% عشوائيات و2% كومباوندات، مشيرا أن هذا ويكرس لأمور خطأ ويتجاهل الشريحة الأكبر في المجتمع.
وأشار إن هذه النوعية من الدراما لا تعيش، وتنتهي فور انتهاء عرضها، ولا تترك أي بصمة، بخلاف الدراما الشعبية القديمة، والتي تركت بصمة في المجتمع وعاشت بمرور الزمن، وعلى سبيل المثال (أرابيسك وليالي الحلمية والشهد والدموع الرايه البيضاء وغيرها) من الأعمال التي لا زالت تعرض حتى اليوم وتحقق نجاح جديد مع كل عرض.
أردف أن كتاب الدراما الشعبية حاليا، أصبحوا يميلوا لأخذ جمل مكتوبة على الميبكروباص والتكتوك، من أجل تحقيق نجاح عبر السوشيال ميديا فقط، ويهتموا بالسجع الغير مرتبط أصلا بالحوار ولا يتناسب مع المحتوى الدرامي، ويعتبرون أن هذا نجاح لمجرد تداول هذه الجمل في الشارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن الجمهور ينسى هذه الأعمال بمجرد انتهاء عرضها.
وأعطى مثالا بمسلسل "جعفر العمدة"، مؤكدا أن المسلسل حقق "فرقعة" ولكنه كمحتوى درامي فهو عمل ضعيف فنيا، خاصة أن صناع العمل قدموا نموذج سيئ لشخص "مرابي" لا يصح أن نقدمه كبطل شعبي، لأن من سيتابعه ويفرح به أشخاص غير أسوياء ولديهم مشاكل نفسيه، فالمسلسل يحتوي على رسائل سلبية منها "أخذ الحق بالدراع، ومشاهد أكشن وتراجيدي وبكائيات وافيهات حراقة ومزيكا صاخبة، ولكنه لا يوجد به محتوى درامي حقيقي"، وأردف: "لو بقدم بطل سلبي بقدمه كنموذج سلبي مثلما حدث في مسلسل أهل القمة مثلا، قدمت نموذج زعتر النوري من أجل رسالة تقول أن الانفتاح سداح مداح، وكان شعبي ولكن نموذج سلبي يعطي رسالة للمجتمع، وفي رسالة لكن جعفر العمدة حولت البطل المرابي لبطل وجعلت الناس تحب النموذج السلبي".
وأضاف: "لا يوجد فنان في الوقت الحالي قدم دراما شعبية جيدة لأن الفكرة ليست موجودة من الأساس، والمحتوى الذي يقدمه محمد سامي في الاسطورة والبرنس وجعفر العمدة، مجرد قصة قائمة على صعبانيات وبكائيات وخيانات وقتل وظلم وخطف، وهي تيمه مكرره وتحتوي كمية سلاح ليست موجودة في الواقع اصلا".
وتابع عبد القادر: "لا يوجد لدينا بطل شعبي في الدراما لأنه ليس لدينا دراما شعبية من الأساس، وما يظهر فقط على السطح حاليا أناس من قاع العشوائيات، ونقوم بتحويلهم إلى أبطال بمقومات غير منطقية".
دعاء حلمي: نجوم الدراما الحاليين لديهم مفهوم خاطئ عن البطل الشعبي
بدورها أوضحت الناقدة دعاء حلمي أن بعض النجوم يحاولون اللعب دائما على تيمة البطل الشعبي، ليتلف الجمهور حول مسلسلاتهم، لكنهم يفهمون فكرة البطل الشعبي بصورة خاطئة فليس هو الشخص الذي يرفع صوته بالشارع ويخلع ملابسه ليظهر عضلاته للجميع ويقوم بضرب 15 شخصا مع تحدثه بلغة التوكتوك.
وأكدت أن ذلك لا يمثل البطل الشعبي وهو بعيد تماما عن فكرة الرجولة، فالذكورة ليست بحقن البوتوكس والبروتين لأن الرجولة تعني الشهامة والجدعنة، لذلك هؤلاء ليسوا أبطال شعبيين، مثلما يظهرون في تلك المسلسلات التي تعتمد على تيمة شعبية.
ولفتت إلى أنه يمكن أن تحقق هذه المسلسلات نجاحا وقتيا مثل مسلسل "ملوك الجدعنة" و"جعفر العمدة" وغيرها من المسلسلات، لكنها فيما بعد تكون مسيئة لصورة الفن المصري، وأردفت قائلة: "هؤلاء النجوم يحرصون على استخدام تيمة الفتوة التي كان يقدمها الراحل فريد شوقي، مع اختلاف أن فريد شوقي كان يقدم نموذج البطل الشعبي بالفعل".
أحمد سعد الدين: لا يمكن مقارنة "أرابيسك" و"ليالي الحلمية" و"المال والبنون" بالدراما الشعبية الحالية
فيما أوضح الناقد الفني أحمد سعد الدين أن نجوما مثل مصطفى شعبان ومحمد رمضان وأحمد العوضي، يستهدفون الطبقة الشعبية في مسلسلاتهم، وذلك ليس عيبا أبدا ففي النهاية يقدمون فنا ويجذب الجمهور.
نوه إلى أن الفارق بين الدراما الشعبية زمان والأن كبير جدا، مؤكدا أنه لا يمكن أن نقارن بين أعمال مثل "أرابيسك" و"ليالي الحلمية" و"المال والبنون"، بأعمال مثل "جعفر العمدة" و"توبة" و"حق عرب"، مشيرا أن اختلاف العصر والزمن وطبيعة المجتمع ساهمت في تغير شكل الدراما الشعبية.
أكد الناقد الفني أحمد سعد الدين أنّ ما يسمونه البطل الشعبي في المسلسلات الشعبية التي تعرض في السنوات الأخيرة أبعد ما يكون عن البطولة الشعبية، لافتًا إلى أن البطل الشعبي لا بدَّ أن يساند المظلوم.
وأردف سعد الدين: "للأسف لدينا أزمة في موضوع البطل الشعبي، دائما يتم تصديره على أنه خارج على القانون، مع أن أسلوب البطل الشعبي ليس كما يقدمونه تمامًا، البطل الشعبي يأخذ الحقوق للضعفاء والمظلومين".
وأشار أن الأزمة الكبيرة هي اعتياد الجمهور على هذه الصورة وتعلقه بها، لدرجة أن في مسلسل الأسطورة حينما قام البطل الذي جسد شخصيته محمد رمضان بقتل خصمه في الشارع، صفق المشاهدون في المقاهي، وفرحوا بانتقام محمد رمضان، وهنا تكمن الخطورة على المجتمع، وأوضح أن إعجاب الجمهور بهذا النموذج جعل المنتجين وصناع الدراما يتجهون لتقديمها بكثرة، رغم أنه عيب في الدراما.