إخاء شعراوي يكتب: "الحشاشين" أعاد مصر لخريطة الدراما التاريخية رغم التحفظات
حالة جدل أثارها مسلسل "الحشاشين" فور عرض أولى حلقاته خلال موسم دراما رمضان 2024، إذ بدأ الكثيرين في توجيه انتقادات للعمل وتصيدوا أخطاء تاريخية في السيناريو، وأخرون أشادوا به دون مراعاه للقواعد المهنية التي تعلمناها، والتي يأتي في مقدمتها انتظار عرض العمل كاملا، وعدم التحيز لوجهة نظر بعينها.
هنا أكتب وجهة نظر شخصية من موقع "المشاهد" لا "الناقد"، خاصة بعد أن تابعت المسلسل كاملا لعدة أسباب، أولها تشوقي لمشاهدة عمل درامي تاريخي مصري، يتواكب مع التطور في عالم صناعة الدراما حولنا، وتحديدا بعد النجاح الذي حققه مسلسل "ممالك النار" وهو من إنتاج غير مصري، برغم أن الغالبية من صناعه وأبطاله مصريين، وقد نجح مسلسل "الحشاشين" في التواجد بقوة على خرية الدراما التاريخية، ويمكن الجزم بأنه أعاد مصر على خريطة الإنتاجات الدرامية التاريخية الضخمة، واستعادت به الدراما المصرية بريقها في هذا المجال.
وثاني الأسباب لاهتمامي بمشاهدة المسلسل يرجع لرغبتي الشخصية في معرفة تفاصيل أكثر دقة عن "جماعة الحشاشين" وتاريخهم الدموي، وللأسف لم ينجح المسلسل في هذا الأمر، لأنه لم يرصد تاريخيا التفاصيل الدقيقة لتكوين الجماعة وأعمالها الإجرامية باسم الدين، بل اهتم العمل بالقشور فقط حول التاريخ الدموي لجماعة الحشاشين.
انتقادات غير موضوعية لأداء أبطاله
يميز مسلسل "الحشاشين" اختيار أبطاله، فالجميع نجح في أداء دوره بصورة مميزة، وحقيقة لم أجد خلال مشاهدتي للعمل أن هناك ممثل كان أقل من الدور الذي يؤديه، ولم أشعر بوجود أخطا في اختيار "كاست الممثلين"، فالانتقادات الموجهة لصناع العمل بحجة اختيار كريم عبد العزيز لأداء شخصية "حسن الصباح" والتي تشير لشعبية كريم عبدالعزيز وحب الجمهور له، مما قد ينعكس على شخصية "حسن الصباح" ويحبها الجمهور، فهذا النقد غير موضوعي بالمرة، خاصة أن "حسن الصباح" قد تمكن من نشر أفكاره وسط مئات الآلاف، وهو ما يؤكد أنه كان رجل جاذب ومحبوب وسط أتباعه، لم يكن شخصية مكروهة أو منفره لمن حوله، حتى في تعاملاته الإنسانية كان يستغلها الصباح دائما لصالح الترويج لفكرته وأهدافه، ولذلك فإن اختيار النجم كريم عبدالعزيز لأداء الشخصية لم يكن خطأ.
حتى الانتقادات التي وجهت لبعض أبطال العمل مثل الفنان نيقولا معوض والذي جسد شخصية "عمر الخيام" هي انتقادات مبالغ فيها، فالرجل قدم شخصية شاعر وعالم "رومانسي المشاعر"، ولم يكن مطالبا منه أن يقدم أداء مختلف عما قدمه.
عمل نخبوي غير شعبي
ما لمسته على مستوى الشارع أن القاعدة الشعبية الأكبر لم تهتم بالمسلسل، فالصخب الذي صاحب عرض الحشاشين" والجدل حوله كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" فقط ولم يقترب من الشارع المصري، وهو ما يثبت أن الاهتمام بمسلسل "الحشاشين" من جانب النخبة بقدر أكبر من الجمهور العادي.
بالطبع حقق مسلسل "الحشاشين" نجاح كبير على مستوى جودة الإنتاج والإخراج واختيار أماكن التصوير وفريق العمل، فالمخرج بيتر ميمي قدم بصمة مميزة جدا على الإخراج وخاصة في المعارك، وتلاقت هذه البصمة مع الديكورات وأماكن التصوير الجاذبة، كما توافقت مع ملابس الشخصيات طوال الأحداث.
كما نجح العمل في وضع بصمة للدراما المصرية في أخبار الفن حول العالم، إذ اهتمت قنوات وصحف عالمية بالمسلسل وألقت الضوء عليه طوال شهر رمضان، وفتحت نقاشا حوله، لذلك فإن العمل قد أدى أحد أهم أغراضه في وضع الدراما المصرية على خريطة العالم.
السيناريو والحوار أضعف عناصر العمل
يبقى الحديث حول السيناريو والحوار الذي كتبه المبدع عبدالرحيم كمال، وبعيدا عن الجدل الدائر حول تقديم العمل باللهجة العامية أو العربية الفصحى، فإن الحوار كان أضعف ما في العمل وأقلها إبداعا، إذ خرج الحوار باستسهال شديد، وهنا لا أتحدث عن الحوار المكتوب بالعامية الدارجة، فالأمر طبيعي وقد يخدم العمل خاصة مع ترجمته بعدة لغات، ولكن الحديث هنا الحوار الذي خرج بصورة أقرب لـ"العامية السوقية" (عامية الشارع)، بما لا يتناسب مع العمل ولا اسم الكاتب بحجم عبدالرحيم كمال، صاحب الكتابات الإبداعية والمميزة التي حققت نجاح كبير في عالم الدراما خلال السنوات الأخيرة.
أضيف إلى ذلك المشاهد التي جمعت الثلاثي حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام، والتي استلهمها عبدالرحيم من فكرة مشاهد قدمها سابقا في مسلسل "القاهرة - كابول" جمعت أبطال العمل والأصدقاء بعد سنوات فراق، فاستسهل عبدالرحيم وقرر تكرار نفس الفكرة.
أما عن السيناريو مليء بالسلبيات، خاصة أنه يمر من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان في سرعة مبالغ فيها ودون وجود مبررات منطقية لهذا الانتقال، إذ تجاهل المؤلف الكثير من الأحداث التي كان من الممكن أن تخلق ربط موضوعي لهذا الانتقال السريع بين الأزمنة والأمكنة.
هذا بالإضافة إلى الاستسهال وعدم خلق مبررات أو مقدمات لحالات التنقل من مكان لمكان بين أبطال العمل، كتواجد الثلاثي "حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام" في مكان واحد برغم تفرقهما بين البلاد، من أجل وضع مشهد حواري يجمعهم، دون مراعاة لاختلاف أماكنهم.
لم يهتم عبد الرحيم كمال بدقة الأحداث في السيناريو، ولم يقدم حوارا جاذبا للنخبة التي اهتمت بمتابعة المسلسل، بل كان السيناريو والحوار هم الأضعف في عناصر مسلسل "الحشاشين" الذي توفرت له كافة عناصر النجاح من إمكانيات مادية ولوجستية وفنية ضخمة.
أخيرا.. ووفق نقاشات كثيرة مع الجمهور، فقد تمنى الكثيرين مشاهدة مسلسل تاريخي مصري يقدم حقبة من تاريخ مصر أو شخصية مصرية بارزة، وتتوفر له نفس الإمكانيات التي توفرت لمسلسل "الحشاشين".