عاجل| معبر رفح.. تسييس متعمد لشريان الحياة الوحيد لغزة بهدف ابتزاز القاهرة
على الرغم من أن القاهرة سارعت منذ اللحظات الأولى من اندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة إلى فتح معبر رفح البري الحدودي مع قطاع غزة بصفته شريان الحياة الوحيد لأهالي القطاع، إلا أن جدلا لا يكاد يهدأ حتى يتجدد بشأن حالة المعبر؛ في ظل تقارير مشبوهة دأبت على نشر معلومات مغلوطة بأن السلطات المصرية تغلق المعبر وترفض عبور شاحنات المساعدات من خلاله.
وبدأت القوات الجوية المصرية في إسقاط مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، ضمن تحالف دولي يضم المملكة الأردنية الهاشمية والإمارات وفرنسا وآخرين. وعلى الرغم من أن القاهرة تدرك أن خطوة الإسقاط الجوي غير كافية أو بديلة لإدخال المساعدات عبر المعابر البرية إلا أنها محاولة لتجاوز المعوقات التي تضعها إسرائيل على دخول المساعدات بريا.
كما أن الميناء أو الرصيف البحري الذي تنتوي أمريكا إقامته في غزة؛ بحجة إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، تثير العديد من علامات الاستفهام، بينها ما الهدف من الخطوة في ظل وجود نحو 7 معابر برية للقطاع يمكن الضغط على إسرائيل لتشغيلها؟ وقد أظهرت العديد من المؤسسات الرسمية الفلسطينية تخوفها من الخطوة، واعتبارها تكريس لفصل القطاع عن الضفة وممر لتهجير الفلسطينيين إلى أوروبا.
تسيس المعبر
الباحثة في الشؤون العربية أميرة الشريف تقول لـ"الرئيس نيوز": "معبر رفح يتم تسيسه منذ نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبات وسيلة تستخدمها الأطراف المختلفة لابتزاز الأنظمة المصرية، أو في أقل الظروف المزايدة عليها من خلاله، وأن نفي إغلاق معبر رفح جاء من أعلى المنابر المصرية على لسان الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة والتي كان في إحداها قوله:
"عندنا مثال حي لناس مش عارفين ندخلها أكل. أكل الأساسيات، شوية قمح شوية دقيق شوية زيت؛ علشان يعملوا لقمة عيش ياكلوها ….. أنا هروح من ربنا فين لو أنا السبب، لا والله معبر رفح مفتوح على مدار ٢٤ ساعة في السبع أيام في ال٣٠ يوما، إنما الإجراءات إللي بتم من الجانب الآخر من إسرائيل، علشان نعرف ندخل الحاجة دون أن يتعرض ليها أحد، هي إللي بتأدي لكدا، ودا شكل من أشكال الضغط … علشان موضوع إطلاق الرهائن، يعني هم بيستخدموا دا كوسيلة من وسائل الضغط على سكان القطاع".
تابعت الشريف: “الرئاسة المصرية نفت كذلك تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدين بشأن معبر رفح، وأكد بيان الرئاسة المصرية أن مصر فتحت منذ بداية الحرب في غزة معبر رفح من جانبها دون قيود أو شروط، وأن القاهرة ضغطت بشدة على جميع الأطراف المعنية لإنفاذ دخول هذه المساعدات إلى قطاع غزة.
وأن استمرار قصف الجانب الفلسطيني من المعبر من قِبل إسرائيل -الذي تكرر 4 مرات- حال دون إدخال المساعدات، وبمجرد انتهاء قصف الجانب الآخر من المعبر قامت مصر بإعادة تأهيله على الفور، لإدخال المساعدات".
أوضحت الشريف أيضا أن الاحتلال الإسرائيلي أراد الإفلات من الضغط الكبير عليه في محكمة العدل الدولية بالادعاء كذبا بأن مصر هي التي تغلق معبر رفح، ولا تقدم المساعدات للقطاع، وقد قامت القاهرة على لسان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، الدكتور ضياء رشوان، بتفنيد تلك الادعاءات.
أضافت الباحثة أن هناك حالة إصرار على تلبيس الأمور، وخلط الأوراق؛ من باب تصفية الحسابات، مع النظام المصري، على الرغم من أنه لم تقدم دولة حول العالم ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية، قديما وحديثا؛ فالقاهرة قدمت نحو ١٠٠ ألف شهيد من أجل القضية الفلسطينية، وهي التي أصرت على بناء معبر رفح بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع العام ٢٠٠٥، وأكدت وقتها على ضرورة عدم السماح بجعل كل معابر القطاع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
قالت الشريف إن القاهرة احتضنت العديد من مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي كان أخرها الحرب الإسرائيلية على غزة بعد المواجهة مع فصيل "الجهاد الإسلامي" العام 2022، كما أنها هي التي احتصنت جميع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة خلال السنوات العشر المنصرمة، فضلا عن جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتحديدا حركتي فتح وحماس.
اختتمت الشريف حديثها بالقول: "المفاوض المصري دأب على العمل في صمت، وعدم استغلال معاناة الأشقاء للترويج لجهوده مثل كثير من اللاعبين الجدد في الإقليم، أو حتى مثلما يفعل أقرب حلفاء الفصائل الفلسطينية إيران". وذكرت بأن مصر وقفت موقفا مشرفا عندما أحبطت وأفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وكذلك جهودها الحالية للحيلولة دون اجتياح إسرائيل لمدينة رفح الفلسطينية.
إحصائيات بالمساعدات
ووفق مصادر مصرية مطلعة تحدثت مع الرئيس نيوز فإن جميع المواد الإغاثية التي دخلت قطاع غزة عبر معبر رفح حتى الربع الأول من أبريل الجاري، تمثل المساهمة المصرية فيها ما نحوه ٨٥٪ من إجمالي تلك المساعدات، وأن الدولة سمحت للهيئات الإغاثية ومنظمات المجتمع المدني بالعمل على جمع تبرعات لدعم الأشقاء في غزة.
أوضح المصدر أن مطار العريش استقبل منذ اندلاع الحرب في غزة ٥٨٢ رحلة جوية محملة بالمساعدات الإنسانية.
يقول المصدر إن القاهرة أدخلت إلى القطاع منذ الحرب على غزة ١٠.٨٦٨ ألف طن أدوية ومستلزمات طبية، و١٠.٢٣٥ ألف طن وقود، و١٢٩.٣٢٩ ألف طن مواد غذائية ضرورية، إلى جانب الوجبات الجافة، و 26.364 ألف طن مياه، و43.073 ألف طن خيام وبطاطين وملابس، إلى جانب 123 سيارة إسعاف.
كما وافقت مصر على دخول 3706 مصابين للعلاج في المشافي المصرية، و6071 فرد مرافق لهؤلاء المصابين، وسمحت بعبور 64.609 فرد مزدوج الجنسية، وتسهيل عبور 6231 مصري عالق في قطاع غزة.
وخلال وقت سابق قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار الدكتور أحمد فهمي، إن مصر قدمت أكبر قدر من المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، وأن معبر رفح مفتوح 24 ساعة ولم ولن يُغلق، وأن الدولة المصرية نبهت لملف التهجير القسري بشكل حاسم، وأصبح هناك موقف دولي لرفض التهجير القسري، وهذا لم يتم من فراغ وجاء من موقف الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أكد أن الأوضاع في المنطقة صعبة للغاية وأن مصر تواصل جهودها من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة واستمرار إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.
شهادات دولية
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، رخا أحمد حسن قال في تصريحات صحفية إن مصر يُمكن أن تستند لشهادات دولية من جميع المسؤولين الذين زاروا معبر رفح لتأكيد أنها لم تغلق معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية، هذا إلى جانب مذكرة قانونية بالصور والأدلة تقدم لمحكمة العدل الدولية.
أشار إلى أن تل أبيب هي من تعرقل دخول المساعدات لغزة، في حين تريد فتح المعبر أمام مرور الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وهو أمر ترفضه مصر حتى لا يتم تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم وتصفية القضية.
كما أن القاهرة رحبت في وقت سابق، بإنشاء آلية برعاية الأمم المتحدة لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية المأساوية في القطاع، وتعيين منسق أممي رفيع المستوى لتسهيل دخول وتنسيق ومراقبة والتحقق من المساعدات داخل القطاع.
اعتبرت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية اعتماد قرار مجلس الأمن خطوة هامة وإيجابية على مسار التخفيف من حدة المعاناة الإنسانية التي تطال المدنيين الفلسطينيين ومنظومة الخدمات الأساسية في القطاع، إلا أنها خطوة غير كافية لكون القرار لم يتضمن المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار باعتباره الضمانة لتوفير البيئة المواتية لتنفيذ مجمل بنود القرار، والسبيل الوحيد لوقف نزيف الدماء في غزة.
أوضحت مصر أن القرار الذي اعتمده مجلس الأمن يأتي تنفيذًا لقرار القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي طالبت بكسر الحصار على قطاع غزة، حيث طالب بفتح الممرات المختلفة للنفاذ الإنساني إلى القطاع، وإنشاء آلية لمراقبة شحنات المساعدات تحت رعاية الأمم المتحدة لتخطي العراقيل التي وضعتها إسرائيل على دخول المساعدات.