وسط استمرار الحرب بالقرب من أعتابها.. مصر تواجه اختبار التوازن الصعب
الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس لها تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة على مصر، الدولة المتاخمة لقطاع غزة مباشرة.
وفقًا لتحليل نشره موقع يوروبيان أوبزيرفر، تكافح القاهرة للحفاظ على اقتصادها واقفا على قدميه بينما تواجه أيضا الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب في غزة، مثل الاضطرابات في السياحة والتجارة.
كما أن القاهرة تتحسب لخطو إسرائيلية تصعيدية خطيرة تتمثل في احتمال تنفيذ تهديد الاحتلال الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح الفلسطينية الحدودية، لذا دعا وزير الخارجية سامح شكري مؤخرًا الولايات المتحدة وحلفائها إلى زيادة الضغط على إسرائيل لردع مثل هذا الهجوم.
وبالنسبة للقاهرة، فإن الموازنة بين دعمها للقضية الفلسطينية ومصالحها الوطنية تظل مهمة صعبة، في ضوء سياسة مصر الخارجية تجاه غزة
سياسة مصر الخارجية تجاه غزة
في القاهرة، سيمكنك رؤية العلم الفلسطيني مرفوعًا في كل مكان، وملصقًا على المحال التجارية والسيارات ويمكنك رؤيته مرفوعًا على أعمدة العلم وفي الشوارع وعلى النوافذ.
وظهور العلم هو بمثابة شهادة موثقة على الرأي العام المصري المؤيد للفلسطينيين بأغلبية ساحقة في البلاد.
الاقتصاد
تعد السياحة مصدرًا مهمًا للدخل في مصر، وتشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. منذ عام 2010، وتضررت صناعة السياحة في مصر من جراء ثورة 2011، ثم جائحة كوفيد-19 واليوم تهدد الحرب في غزة أحد أهم مصادر الدخل في مصر، وبحسب وزير السياحة أحمد عيسى، تراجعت السياحة في الربع الأخير من عام 2023 بسبب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
وزار نحو 3.6 مليون سائح مصر بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2023، أي أقل بـ 600 ألف سائح من المتوقع أن يصل إلى 4.2 مليون سائح في تلك الفترة. لكن الأرقام ارتفعت في الشهرين الأولين من عام 2024، وسط تباطؤ العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ويستهدف المتمردون الحوثيون المدعومين من إيران والمتمركزين في اليمن خطوط الشحن في البحر الأحمر، مما يعطل التجارة العالمية ويتسبب في تحويل مسار السفن عن قناة السويس، وهي مصدر حيوي للعملة الصعبة لمصر. وبحسب ما ورد انخفضت عائدات مصر من قناة السويس بنسبة 40 في المائة في أكتوبر مقارنة بالعام السابق.
بالإضافة إلى ذلك، انخفضت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بأكثر من النصف سنويًا في الربع الرابع من عام 2023.
وتستضيف مصر أحد محطتي تسييل الغاز الطبيعي في المنطقة، حيث تستورد الغاز الطبيعي وتصدر الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج، وتعد الدول الأوروبية من بين أكبر المشترين بسبب تحول الاتحاد الأوروبي بعيدًا عن مصادر الهيدروكربون الروسية بعد غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022.
هجوم رفح
وافقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على هجوم محتمل على مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة والمتاخمة لمصر وقبل هجوم 7 أكتوبر، كانت رفح موطنا لـ 280،000 شخص، ولكن اليوم، يعتقد أن أكثر من مليون فلسطيني لجأوا إلى المدينة الحدودية.
وقد حذرت الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية من أن الهجوم الإسرائيلي المحتمل على المدينة من شأنه أن يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، ويمكن أن يؤدي إلى أزمة لاجئين في مصر.
كما أن أي توغل إسرائيلي محتمل في رفح يمكن أن يهدد أيضًا معاهدة السلام لعام 1979 بين إسرائيل ومصر، وقد هددت القاهرة بالفعل بإلغائها إذا هاجمت القوات الإسرائيلية رفح، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الوجود العسكري على جانبي الحدود المصرية الإسرائيلية.
وحذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو جراندي، من أي تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة. وفي معرض حديثه في مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير الماضي عن نزوح سكان غزة إلى مصر، فقال: "هذا شيء من شأنه أن يدمر إمكانية التوصل إلى حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين".
ومن جانبه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إن إسرائيل ليس لديها أي نية لدفع الفلسطينيين إلى مصر، في حين وعد وزير الخارجية إسرائيل كاتس بالتنسيق مع مصر لضمان أخذ مصالح القاهرة في الاعتبار، وخلال الأيام الأولى للصراع، اقترح الرئيس السيسي أن تقوم إسرائيل بنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى صحراء النقب في جنوب إسرائيل.
مصر كوسيط
تسببت الحرب بالفعل في استشهاد عشرات الآلاف في غزة و1200 قتيل في إسرائيل ونزح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة وتمتد عواقب الحرب إلى ما هو أبعد من حدود غزة، فتؤثر على كل دولة في المنطقة وتجد مصر نفسها مضطرة لمحاربة تداعيات الصراع الدائر بالقرب من أعتابها، ناهيك عن حالة من عدم الاستقرار الإقليمي واسعة النطاق.
واستضافت مصر بالفعل جولات عديدة من المحادثات بين ممثلي إسرائيل وحماس في القاهرة في محاولة لوقف القتال. وفشلت الجولة الأخيرة، التي حضرها أيضًا ممثلون عن الولايات المتحدة وقطر، في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار قبل شهر رمضان المبارك.
ولا أحد يعرف كيف ستكون إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب
ومع ذلك، فإن دور مصر كوسيط سيكون حاسما في السعي إلى حل للصراع، على الرغم من قرار إسرائيل عدم إرسال مندوبين للمحادثات في القاهرة ويعتمد استقرار الشرق الأوسط على إيجاد إسرائيل لأرضية مشتركة ومواصلة الحوار البناء مع الدول العربية المجاورة.