هل تشمل مأساة غزة سرقة الغاز قبالة سواحلها؟
سلطت صحيفة ذا جارديان البريطانية الضوء على تصريحات صهر دونالد ترامب الذي قال إنه على إسرائيل تجريف منطقة من صحراء النقب ونقل الفلسطينيين إليها.
وصرح جاريد كوشنر بأن الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، مشيدا بالإمكانات "القيمة للغاية" لأراضي الواجهة البحرية" في غزة.
وأدلى تاجر العقارات السابق، المتزوج من إيفانكا ابنة دونالد ترامب، بهذه التعليقات في مقابلة بجامعة هارفارد، الشهر الماضي، وتم نشر المقابلة على قناة يوتيوب الخاصة بمبادرة الشرق الأوسط، وهو برنامج تابع لكلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، في وقت سابق من شهر مارس الجاري.
وكان كوشنر أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية في عهد ترامب، وكان مكلفًا بإعداد خطة سلام للشرق الأوسط وقال منتقدو الخطة، التي تضمنت إبرام إسرائيل اتفاقيات تطبيع مع دول الخليج، إنها تجاوزت الأسئلة حول مستقبل الفلسطينيين، وغضت الطرف عن حقوقهم في أرضهم.
وأعطت تصريحات كوشنر في جامعة هارفارد لمحة عن نوع سياسة الشرق الأوسط التي يمكن اتباعها في حالة عودة ترامب إلى البيت الأبيض في أعقاب انتخابات نوفمبر المقبل، بما في ذلك البحث عن اتفاق تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
وقال كوشنر لمحاوره، رئيس هيئة التدريس في مبادرة الشرق الأوسط، البروفيسور طارق مسعود، إن “ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا تم التركيز على بناء سبل العيش”.
كما أعرب كوشنر عن أسفه "لكل الأموال" التي ذهبت إلى شبكة الأنفاق والذخائر في المنطقة بدلا من التعليم والابتكار.
وقال كوشنر: “إنه وضع مؤسف إلى حد ما هناك، ولكن من وجهة نظري، كان على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لنقل الناس ثم إعادة استغلال الأراضي".
وقال كوشنر أيضًا إنه يعتقد أنه يجب على إسرائيل نقل المدنيين من غزة إلى صحراء النقب في جنوب إسرائيل، متابعا أنه لو كان مسؤولًا عن إسرائيل فإن أولويته الأولى ستكون إخراج المدنيين من مدينة رفح الجنوبية، وأنه "بالدبلوماسية" قد يكون من الممكن إدخالهم إلى مصر.
وتابع: “ولكن بالإضافة إلى ذلك، كنت سأقوم فقط بتجريف شيء ما في النقب، وسأحاول نقل الناس إلى هناك”.
وأضاف "أعتقد أن هذا خيار أفضل، لذا يمكنك الدخول وإنهاء المهمة"، وكرر هذه النقطة بعد ذلك بقليل، قائلا: “أعتقد أن فتح النقب الآن، وإنشاء منطقة آمنة هناك، ونقل المدنيين إلى الخارج، ومن ثم الدخول وإنهاء المهمة سيكون الخطوة الصحيحة”.
وتُعد تعليقات كوشنر بمثابة صورة مصغرة لكيفية تعامل إدارة ترامب المستقبلية مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي عالم عاقل، لن تكون آراء كوشنرأكثر من مجرد هراء لأحد أسوأ المستثمرين العقاريين اليوم، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.
ولكن تعليقات كوشنر هي بمثابة عرض حي لكيفية تعامل إدارة ترامب المستقبلية مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وخلال فترة وجوده في البيت الأبيض في عهد ترامب، عمل كوشنر كرجل مهم في دبلوماسية الشرق الأوسط، من بين أمور أخرى وقال إنه لن ينضم إلى البيت الأبيض إذا فاز ترامب مرة أخرى، لكن نظرته لا تزال توفر نافذة على تفكير الدائرة الداخلية لترامب ونظرًا لعلاقاته العائلية بالرئيس السابق، فلا يزال بإمكانه تقديم المشورة غير الرسمية لترامب بشأن هذه المسألة دون العودة إلى البيت الأبيض في منصب رسمي.
أثارت أنباء تداولتها عدة جهات مؤخرا عن سعي إسرائيل إلى إبرام صفقات مع شركات عالمية للتنقيب عن الغاز في حقل "غزة مارين"، تساؤلات حول قانونية هذه الخطوة ومصير هذه الثروة الطاقية الهامة الواقعة قبالة سواحل القطاع الفلسطيني.
تداولت عدة جهات سواء عربية أو أجنبية وكذا منظمات وهيئات إعلامية فلسطينية عديدة مؤخرا، أنباء عن سعي إسرائيل إلى إبرام صفقات مع شركات كبرى للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة، فيما تواصل حربها على حركة حماس في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة في بيان إن "وزارة الطاقة الإسرائيلية منحت تراخيص لستة منشآت إسرائيلية وشركات عالمية للتنقيب الاستكشافي عن الغاز الطبيعي في المناطق التي تعتبر بموجب القانون الدولي مناطق بحرية فلسطينية".
استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية لفلسطين
من جانبه، أعلن مركز عدالة لحقوق الإنسان ومقره حيفا في بيان، أنه راسل في الخامس من فبراير وزير الطاقة الإسرائيلي والمستشارة القضائية للحكومة، للمطالبة بـ"إلغاء تراخيص التنقيب عن الغاز الممنوحة في المنطقة جيم"، و"إلغاء المناقصات الجارية في المناطق التي تقع ضمن الحدود البحرية لفلسطين"، وكذا "الوقف الفوري لأي نشاط ينطوي على استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية لفلسطين".
وأشارت هذه الجمعية المسجلة في إسرائيل، إلى أن المناطق المعنية بهذه الشكوى (جيم G) "لا تنتمي إلى إسرائيل"، وأن الأخيرة لا تمتلك أي حقوق سيادية عليها بما فيها الحقوق الاقتصادية الحصرية. مضيفة في بيانها بأن "التنقيب عن الغاز واستغلاله في المناطق البحرية الفلسطينية ينتهك بشكل صارخ الحق الأساسي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والذي يشمل إدارة موارده الطبيعية".
إخطارات من مكتب محاماة وضغوط على الحكومة الإيطالية
كذلك، لفتت الهيئتان (مركز الميزان وجمعية عدالة) إلى أن مكتب المحاماة الأمريكي فولي هوغ Foley Hoag LLP ومقره بوسطن، والذي يمثل في هذه القضية الخلافية كل من مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قد أرسل بتاريخ 6 فبراير 2024 "إخطارات إلى شركات، من بينها إيني ودانا بتروليوم، طالبهم فيها بالكف عن القيام بأية أنشطة في المنطقة جيم (G) التي تقع ضمن المناطق البحرية دولة فلسطين، والتأكيد على أن مثل هذه الأنشطة من شأنها أن تشكل انتهاكا سافرا للقانون الدولي". ونشر مركز الميزان وثيقة الإخطار الموجهة للشركات المعنية يمكن الاطلاع على نسخة إلكترونية منها.
ولم تكن هذه الشكوى الوحيدة التي تلاحق هذه الشركات، ففي إيطاليا، أشارت الصحافة المحلية إلى ضغوطات تمارس على الحكومة وعلى شركة إيني تحديدا، لحثها على عدم إبرام أي صفقات تخص الغاز في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك حقل "غزة مارين".
ويعتبر حقل "غزة مارين" من أقدم الحقول المكتشفة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. فقد اكتشفته شركة بريتيش بتروليوم عام 1999. هو أيضا من أقرب الحقول إلى الشاطئ حيث يبعد قرابة الثلاثين كيلومترا فقط عن شاطئ غزة، وهو بذلك يقع ضمن المياه التجارية الفلسطينية. وهو على عمق 600 متر فقط تحت سطح المياه ويحتوي على قيمة تقديرية 1.5 ترليون قدم مكعب من الغاز.
كان الاتفاق الذي نتج عن عملية السلام في إطار اتفاقية أوسلو (13 سبتمبر 1993) بين الفلسطينيين وإسرائيل، يقضي بأن تكون ثروات المياه التجارية الفلسطينية من حق السلطة الفلسطينية. وكان من المفترض أن يدر هذا الحقل ما بين 700 إلى 800 مليون دولار سنويا على السلطة الفلسطينية، عدا عن الثروات الأخرى في المياه التجارية الفلسطينية (حسب المركز الفلسطيني للإعلام: حقل ماري بي، حقل نوا، حقل المنطقة الوسطى)، والتي من المعتقد أن بها مكامن غاز أخرى قد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليار دولار سنويا.
وامتدت العرقلة الإسرائيلية حتى 2023 حين تم عقد عدة اجتماعات برعاية أمريكية بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي ومصر، تمت في شرم الشيخ ومدينة العقبة الأردنية ونتج عنها اتفاق يقضي بأن تقوم شركات مصرية بالتعاون مع صندوق السيادة الفلسطيني بالاستثمار لإنتاج الغاز في هذا الحقل. كان من المفترض أن يبدأ الحفر في شهر أكتوبر 2023، على أن يبدأ إنتاج الغاز في ظرف عام. نلحظ أن كلفة استخراج الغاز أقل من باقي الحقول الأخرى التي تقع على بعد قد يصل إلى 100 أو 150 كيلومتر وبعمق أكثر من 3000 متر، مثل حقل ليفياثان أكبر حقول شرق المتوسط التابع لإسرائيل، عكس حقل غزة الواقع قرب الشاطئ وغير بعيد من سطح المياه.
هل هناك مفاوضات إسرائيلية مع شركات غربية للتنقيب عن الغاز في حقل غزة؟
منذ السابع من أكتوبر، أجلت إسرائيل موافقتها فيما يخص حقل الغاز "غزة مارين". وبدلا من ذلك منحت قرابة 12 ترخيصا لسبع شركات أجنبية منها إيني الإيطالية وبريتيش بتروليوم البريطانية للاستكشاف في مناطق مختلفة من المياه التجارية الإسرائيلية لكن من ضمنها أيضا 74 بالمئة من المياه التجارية لقطاع غزة. كما تنص تلك الاتفاقية على تمديد التراخيص لتلك الشركات مع بدء الحفر.
هل تمت دعوة الفلسطينيين أو مصر للمشاركة في هذه المفاوضات؟
لا، لم تتم دعوة الفلسطينيين أو مصر للمشاركة في المفاوضات الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول، والتي تختلف أصلا عن اتفاق إسرائيل مع السلطة الفلسطينية ومصر في عام 2023. فالدعوة الأخيرة للاستكشافات ومنح التراخيص هي منفصلة وتخص الحكومة الإسرائيلية والشركات المذكورة فقط.
ما مصير حقل "غزة مارين" في ظل استمرار الحرب؟
من المعلوم جيدا أن إسرائيل تسعى إلى السيطرة الأمنية على قطاع غزة جغرافيا. كما أن وزير خارجيتها عرض على الاتحاد الأوروبي قبل شهر خارطة توضح ميناء لبيع الغاز المسال على ساحل غزة، وكان هناك استهجان في حينها من الاتحاد الأوروبي بسبب أن هذا الوقت غير مناسب لعرض مثل هذه المشاريع في ظل استمرار الحرب.
ويعتقد أن إسرائيل الآن من أهدافها الاستراتيجية في السيطرة على جغرافية غزة هي أيضا السيطرة على ثروات المياه التجارية لغزة أو موقعها الجغرافي ومنها أيضا الغاز أو لتمرير مشاريع أخرى مثل قناة بن غوريون والممر الاقتصادي الذي أعلنته الولايات المتحدة قبل أشهر.
ما هي الثروات الأخرى التي تزخر بها الأراضي الفلسطينية؟
إلى جانب كميات الغاز الهائلة، تزخر المياه التجارية لقطاع غزة بثروات طبيعية مثل النفط. وإضافة إلى حقل مارين، هناك أيضا حقول أخرى مثل ماري بي ونوا. لذلك، يعتقد أن هناك نفط مصاحب لهذه المكامن من الغاز عدا عن المكثفات الأخرى. تمتاز غزة بموقع جغرافي استراتيجي يسهل تنفيذ مشاريع هامة لإسرائيل مثل الممر الاقتصادي الذي سيكون حلقة وصل ما بين الهند، التي ينظر لها كصين جديدة، والقارة الأوروبية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وهو أيضا هام لتمرير الطاقة من الجزيرة العربية سواء الغاز أو النفط، وسيحوي هذا المشروع خطوط سكك حديد وطرقا للشحن وأنابيب النفط والغاز عدا عن كوابل الألياف الضوئية للاتصالات. لقد كانت إسرائيل تخشى من صعوبة تنفيذه إذا ما كان يمر قرب جغرافية غزة مع بقاء تهديد حركة المقاومة الإسلامية حماس على مثل هذا الممر الاستراتيجي، وفقًا لتقرير فرانس 24.