ما الذي تحصل عليه الإمارات مقابل استثمارها الكبير في مصر؟
في أحد أيام الشتاء في وقت سابق من هذا العام، حلقت طائرة فوق إحدى أجمل مناطق الساحل الشمالي في مصر، وقيل إن كبار المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة أبدوا اهتمامًا خاصًا بواحدة من المناطق البرية النادرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وبعد أسابيع، في 23 فبراير، أعلن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووزير الاستثمار الإماراتي أمام كاميرات التلفزيون توقيع صفقة بقيمة 35 مليار دولار تتضمن تحويل نفس الموقع إلى الحدث الكبير التالي في صناعة السياحة العالمية.
ومن المرجح أن هذا الاستثمار، الذي وُصف بأنه أكبر استثمار أجنبي في تاريخ مصر، قد أنقذ الاقتصاد من عثرته، وطرحت صحيفة تايبيه تايمز، التي تصدر في تايوان، أحد الأسئلة المهمة حول الصفقة التي حظيت باهتمام واسع النطاق في شرق العالم وغربه، بسبب ضخامة الاستثمار، وخطورة المنافسة على منتجعات إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، واليونان وغيرها من الدول المهتمة بالسياحة الشاطئية.
تُظهر مداولات الإمارات العربية المتحدة قبل اتخاذ قرار الاستثمار - كما نقلها أكثر من عشرة دبلوماسيين ومسؤولين وغيرهم من المطلعين - كيف تقتنص الإمارات كقوة خليجية ثرية الفرص من أجل جني الأموال أثناء بناء نفوذها وتعزيز قوتها الناعمة، ومن خلال تخصيص مبلغ يعادل 7 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، تُظهر دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمامًا غير مسبوق بمزيج من القوة المالية والأهداف الجيواستراتيجية التي تدفعها للأمام من أجل لعب دور رئيسي في تشكيل الأحداث في المنطقة وخارجها.
ويجب أن يُنظر إلى الاستثمار أيضًا على أنه إشارة نوايا حسنة في وقت تتنافس فيه أبوظبي على النفوذ مع القوى الخليجية الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر، مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة وسط احتدام الحرب بين إسرائيل وحماس، مما يمثل تحديات جديدة في جزء من العالم يعتبر دون منافس مفتاح إنتاج الطاقة وخطوط الإمداد.
وبالنسبة لمصر، القلب النابض للعالم العربي تاريخيًا والدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان التي يبلغ عدد سكانها حوالي 105 ملايين نسمة، كانت الفوائد فورية وفي غضون بضعة أيام من إيداع أبو ظبي الأموال النقدية، خفضت السلطات النقدية متمثلة في البنك المركزي قيمة الجنيه وانتهت محادثات صندوق النقد الدولي التي استمرت أشهر بصفقة قرض بقيمة 8 مليارات دولار. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه أحجم عن المساس بالعملة حتى ذلك الحين لأسباب تتعلق "بالأمن القومي"، أي أنه كان في انتظار الرياح المواتية.
وعلى بعد حوالي 24 ألف كيلومتر في الخليج العربي، أعطى رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الضوء الأخضر لتحقيق هدف قصير المدى يتمثل في دعم مصر وقال أشخاص مطلعون على القرار، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم: "كانت مصر ولا تزال رقمًا صعبًا ولاعبًا مهمًا للغاية في استقرار المنطقة بأسرها".
وقالت ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، وهو مركز أبحاث مقره أبو ظبي: “إن تفاقم التحديات الاقتصادية في مصر ليس في مصلحة الإمارات العربية المتحدة”. وأضافت أن الهدف هو ضمان الاستقرار وتجنب عودة قوى الشر التي تزدهر في أوقات الاضطرابات، بل تشعل الاضطرابات لكي تزدهر".
وهذه الضرورة الأوسع لدعم مصر - وهي أيضًا دولة عبور أساسية للمهاجرين إلى أوروبا - تؤكدها خطط الاتحاد الأوروبي لحزمة مساعدات تبلغ قيمتها حوالي 8 مليارات دولار، بما في ذلك الطاقة ومشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهذا هو المحور الذي دارت حوله مباحثات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في القاهرة منذ أمس الأحد.
إن فكرة تطوير ساحل البحر الأبيض المتوسط لم تأت من الفراغ، وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن السلطات المصرية كانت لديها خطط طويلة الأمد بشأن المناطق الساحلية بأكملها وقد فاجأ توقيت الصفقة وحجمها وسرعة تسليم الأموال الأسواق المالية وحتى إنجاز اتفاق صندوق النقد الدولي الكثيرين.
وقال ثلاثة مصادر آخرون، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إن الصندوق، الذي كان من المتوقع على نطاق واسع أن يكون المورد الرئيسي للتمويل الطارئ لمصر، لم يكن على علم بالمناقشات المصرية – الإماراتية إلا بعد وقت طويل من انطلاقها.
وكان استثمار أبو ظبي هائلًا، حتى بمعايير دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ومن المحتمل أن يكون مبلغ أصغر كافيًا لمعالجة المشكلات الأكثر إلحاحًا في مصر، إذ تعادل حقوق تطوير الموقع الساحلي في رأس الحكمة البالغة 24 مليار دولار، و11 مليار دولار للمشروعات الأخرى، إجمالي احتياطيات مصر من النقد الأجنبي في فبراير الماضي وبالنسبة للصندوق الإماراتي السيادي الذي يقود الصفقة، فإنه سيمثل حوالي 17.5% من إجمالي الأصول الخاضعة لإدارته.
وأشارت الصحيفة إلى سجل مصر الحافل في المشاريع العملاقة، بما في ذلك تطوير أحياء العاصمة الإدارية الجديدة وتضم أطول برج في أفريقيا وأكبر مسجد وكنيسة في البلاد.
وتستثمر الإمارات العربية المتحدة بالفعل بكثافة في مصر، مع تدفق الدعم منذ أن كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن مخاطر طويلة الأمد في اقتصاد الدولة.
وفي سلسلة من الصفقات منذ أوائل عام 2022، أصبحت صندوق الثروة الإماراتي أكبر مساهم في اثنتين من أكبر ثلاث شركات مدرجة في مصر – البنك التجاري الدولي والشركة الشرقية للدخان.
وتقول المصادر المطلعة على تفكير دولة الإمارات العربية المتحدة إن هناك مبررات اقتصادية مقنعة ومع ذلك، نظرًا لأن متوسط سعر الأرض في المنطقة يتراوح بين 100 إلى 120 دولارًا أمريكيًا للمتر المربع، فإن الصفقة لم تكن بسعر بخس على الإطلاق، فالاستثمار بهذا الموقع يستحق تمامًا، ومن المؤكد أن هذه الخطط عظيمة بالنسبة لرأس الحكمة، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة مانهاتن وتقع على الساحل الممتد غرب الإسكندرية باتجاه ليبيا - وهو امتداد من الرمال الذهبية يعد المفضل منذ فترة طويلة للمصريين الأثرياء الذين يقضون الصيف في الفيلات والشقق.
ومن المقرر أن يبدأ العمل بالمشروع في العام المقبل، حيث حددت مصر هدفًا يتمثل في جذب 8 ملايين سائح سنويًا - وهو هدف كبير أيضًا، نظرًا لأن البلاد بأكملها شهدت 14.9 مليون وافد العام الماضي. ويستشهد البعض بمثال الجونة، وهي مدينة جديدة بنيت على الساحل الشرقي للبحر الأحمر في مصر منذ أكثر من ثلاثة عقود وتستضيف مهرجانات سينمائية وموسيقية ويوجد بها العديد من المقيمين الدائمين.
وقال سميح ساويرس، أحد أفراد إحدى أغنى العائلات في مصر التي أنشأت الجونة، إن رأس الحكمة “يمكن أن تكون وجهة على مدار العام بالكامل”، فهي لن تعترف بصيف فقط أو شتاء فقط، ومن المعروف أن ساويرس يدرك تمامًا عما يتحدث فقد قام بتطوير منتجعات في سويسرا والجبل الأسود والإمارات العربية المتحدة. وأضاف: "يمكن تعويض الطقس بالجولف والأنشطة الثقافية والتسوق والمسابقات ونشر المطاعم الشهيرة لتناول الطعام"، مضيفًا أنه "بسبب حجمها، يمكن تحمل جميع الاستثمارات في مجال الترفيه".
وتظهر الصفقة رغبة الإمارات في "المشاركة في حزمة الإنقاذ الاقتصادي التي وضعها المجتمع الدولي لأسباب جيوسياسية، والحفاظ على استقرار مصر والمنطقة"، حسبما قال نائب رئيس الوزراء المصري السابق والرئيس السابق لهيئة الاستثمار المصرية زياد بهاء الدين. وأضاف أنها تظهر أيضا "موقفا جديدا ينظر إلى العائد من مثل هذه التدخلات الاقتصادية ويحاول التوصل إلى صيغة مربحة للجانبين".
وبعد اتفاق رأس الحكمة، أحيت المملكة العربية السعودية المحادثات لتطوير شريحة خاصة بها من شاطئ البحر تسمى رأس جميلة، بالقرب من منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، في صفقة قد تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات.
إنها علامة أخرى على المنافسة الخليجية الناشئة. وفي عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تمضي المملكة العربية السعودية، المغلقة منذ فترة طويلة، قدمًا في مشاريعها العملاقة التي حطمت الأرقام القياسية، وتسعى إلى أن تصبح بديلًا للاستثمار الأجنبي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وكانت لديهم أيضًا خلافات عامة حول مستويات إنتاج النفط.
ثم هناك قطر، التي تستفيد بشكل كبير من الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال والمتخصصة في استخدام القوة الناعمة من خلال قناة الجزيرة التلفزيونية، وكأس العالم لكرة القدم، واستعدادها للتوسط في محادثات بين الغرب ودول المنطقة مع الجماعات المسلحة مثل حماس وحماس. طالبان.
وبعد انتهاء نزاعها الذي دام قرابة عقد من الزمن مع مصر والذي نشأ بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، بدأت الدوحة أيضًا في استكشاف فرص الاستثمار.
وغالبًا ما تكون القوى الخليجية على خلاف بشأن السياسة الخارجية. وكانت الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر قوة في السنوات الأخيرة، حيث اتخذت الخطوة التاريخية بالاعتراف بإسرائيل ودعم القادة العسكريين المنشقين في ليبيا والسودان، فضلًا عن الحركة الانفصالية في جنوب اليمن كما استثمرت بكثافة في مشاريع الدولة والبنية التحتية في القرن الأفريقي، حيث تتطلع إلى تعزيز نفوذها حول البحر الأحمر، وهو ممر تجاري حيوي يتعرض الآن للخطر بسبب هجمات الحوثيين.
وتتصدر أبو ظبي الطريق في مصر، في حين كانت المملكة العربية السعودية ودول أخرى أكثر تحفظًا وعلى الرغم من تعهدها باستثمارات بالمليارات في عام 2022، لم تبرم الرياض حتى الآن سوى صفقة لشراء حصص الشركة المصرية عبر صندوق الثروة الخاص بها وانسحبت من المحادثات بشأن أحد البنوك الكبرى بعد خلاف حول تقييمه.
وقال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إنه في حين أن رأس الحكمة تعد صفقة جيدة بالنسبة للإمارات، حيث تضمن الأصول الصلبة لدعم أموالها، إلا أنها ليست وسيلة لزيادة القوة الناعمة، أو التأثير على مواقف مصر من الملفات الإقليمية، مضيفًا أنه من غير المرجح أن يتم ذلك كما أنه لا يتوقع تغيير مواقف القاهرة بشأن الأزمات في السودان وليبيا المجاورتين، حيث تختلف مع توجهات الإمارات جزئيًا.