اليوم التالي لانتهاء الحرب.. الرؤيتان الأمريكية والإسرائيلية لغزة أين تلتقيان؟ وأين تتعارضان؟
يبدو أن الانقسامات بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن حرب غزة قد تعمقت في أعقاب نشر خطة رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لغزة ما بعد الحرب ولم تتضمن خطته إشارة إلى أحد مطالب واشنطن الرئيسية من إسرائيل: قبول فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وتوقعت صحيفة فايننشال تايمز أن الخطة الإسرائيلية "تتعارض مع أهداف الولايات المتحدة" ومن المحتم أن تؤدي إلى تأجيج التوترات وخلصت مجلة الإيكونوميست إلى أن "إسرائيل تستهزئ بخطة السلام الأمريكية غير المسبوقة".
وفي الواقع، فإن تناقض السرد الإعلامي الأمريكي بين الخطة الأمريكية لـ“اليوم التالي” في غزة، التي قدمها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ودعمتها المملكة العربية السعودية، مع رؤية نتنياهو، التي ركزت بشكل أكثر حدة على “الفجوة الآخذة في الاتساع بين نتنياهو وإدارة بايدن” سوف ينعكس ذلك التناقض على الأراضي المحتلة ومستقبل غزة ما بعد الحرب.
فهل توجد استحالة للتوفيق بين الرؤيتين الإسرائيلية والأمريكية بشأن "اليوم التالي" كما رجح المراقبون؟ طرح هذا السؤال تقرير نشره موقع يورآسيا ريفيو المتخصص في الشؤون الجيوسياسية، وخلص إلى أن الأرجح أن تناقض رؤية نتنياهو مع رؤية إدارة بايدن يمثل التوترات بين الموقف الأمريكي - الذي يتماشى مع وجهة نظر السعودية والحكومات العربية السنية الأخرى - والمخاوف العامة الإسرائيلية بشأن التهديد الأمني الذي قد تشكله الدولة الفلسطينية المستقلة ويستطيع صناع السياسة الأميركيون والإسرائيليون أن يحاولوا السيطرة على هذه الخلافات من خلال وضع الاستقلال الفلسطيني كهدف طويل الأمد.
التطبيع السعودي الإسرائيلي دون دولة فلسطينية
برزت المملكة العربية السعودية كمفتاح لاستراتيجية إدارة بايدن في الشرق الأوسط قبل هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وبشكل أكثر أهمية في أعقابه. وكان هجوم حماس قد أدى إلى تعليق مبادرة دبلوماسية أمريكية أولية كانت تهدف إلى تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل: وهي النتيجة التي من شأنها أن تساعد في تشكيل شراكة استراتيجية عربية إسرائيلية لاحتواء إيران وتضمنت الخطة أيضًا التزامًا أمنيًا أمريكيًا تجاه الرياض وضوءًا أخضر لجهود السعودية لتخصيب اليورانيوم.
وما لم تتضمنه المبادرة هو التعهد بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن السعوديين لم يكونوا ليطالبوا بإعادة حل الدولتين كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. إن الاهتمام السعودي بالانفراج الدبلوماسي مع إسرائيل كوسيلة لموازنة إيران قد حل محل التزامهم بإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ومن المؤكد أن الموقف السعودي يتماشى مع موقف نتنياهو، الذي أكد أن إسرائيل يمكن أن تصنع السلام مع العرب وتندمج في الشرق الأوسط دون قبول المطالب الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية.
ما الفرق الذي يحدثه هجوم حماس؟
بعد 7 أكتوبر 2023، أُجبرت القضية الفلسطينية على تصدر أجندات الشرق الأوسط والأجندات الدولية، مما أظهر التكاليف الباهظة المترتبة على إهمالها، فضلًا عن ذلك فإن الرد العسكري الإسرائيلي المدمر على مقتل ما لا يقل عن 1139 شخصًا، أغلبهم من المدنيين، واختطاف نحو 240 آخرين، أدى إلى كارثة إنسانية كبرى في غزة، بما في ذلك مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني.
وأدت صور هذا الدمار إلى تزايد الدعم للفلسطينيين في العالم العربي. وأجبر الضغط الشعبي من ما يسمى بالشارع العربي المملكة العربية السعودية على إعادة تأكيد التزامها بالقضية الفلسطينية، والنأي بنفسها عن إسرائيل وداعمها الأجنبي الرئيسي، الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، لم يكن السعوديون في وضع يسمح لهم بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وإذا كان ثمة شيء، فهو أن السعوديين كانوا يلعبون على الوحدة العربية والإسلامية في محاولة لاسترضاء الرأي العام.
التطبيع السعودي الإسرائيلي بالإضافة إلى الدولة الفلسطينية
كان الرد الأمريكي على هذه التطورات عبارة عن توازن رفيع المستوى، حيث واصلت واشنطن تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري الكامل لإسرائيل في محاولة لتجنب حريق إقليمي أوسع نطاقا، مع انتقاد سلوك إسرائيل في الحرب في غزة والضغط عليها. السماح بوصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين هناك.
ومع مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة لضغوط دولية لإنهاء الهجوم على غزة، أطلق بلينكن مبادرة دبلوماسية كبيرة يلعب فيها السعوديون دورًا رائدًا. ومن الناحية العملية، استأنفت الولايات المتحدة خطة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن هذه المرة فقط، ستكون القضية الفلسطينية هي الأولوية. نسميه التطبيع بالإضافة إلى حل الدولتين.
وامتنعت إدارة بايدن عن طرح خطة شاملة وتفصيلية للسلام في المنطقة. ومع ذلك، فإن الرؤية التي طرحتها تفترض حشد الدعم الإقليمي لإعادة الإعمار والحكم في غزة بعد انتهاء حرب إسرائيل مع حماس. ومن شأن ذلك أن يصبح نواة لدولة فلسطينية مستقلة، تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها. ومن وجهة النظر الأمريكية، كان تعزيز أمن إسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية هدفين متوافقين.
هل ستستمر المعارضة الإسرائيلية لحل الدولتين
أظهر هجوم حماس أن تجاهل القضية الفلسطينية ليس أمرًا مستدامًا وتحطمت استراتيجية نتنياهو، القائمة على فكرة مفادها أن العالم، قبل في 7 أكتوبر، كان قد تجاهل المشكلة الفلسطينية وهذا خطأً، لكن تجاهل واقع سياسي واحد لا يبرر تجاهل واقع سياسي آخر، وهو في هذه الحالة، المعارضة الإسرائيلية لحل الدولتين.
ويبدو أن بعض المراقبين في واشنطن يشيرون إلى أن معارضة نتنياهو لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية هي العقبة الرئيسية أمام تقدم استراتيجية إدارة بايدن في الشرق الأوسط. وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، "خلص مسؤولو البيت الأبيض بشكل متزايد إلى أن نتنياهو يركز على بقائه السياسي مع استبعاد أي هدف آخر، وهو حريص على وضع نفسه في موقف مضاد في وجه مساعي بايدن من أجل حل الدولتين".