السودانيون فروا من الحرب ليواجهوا ظروفًا اقتصادية صعبة
بينما يتجه معظم تركيز المجتمع الدولي واهتمامه نحو أزمات أخرى، يواجه الأشخاص الفارون من الحرب في السودان ظروفًا اقتصادية بالغة الصعوبة، وعلى الرغم من لجوء النازحين السودانيين إلى دول الجوار، وبصفة خاصة تشاد ومصر، إلا أن مأساتهم لا تزال مستمرة، وفقًا لتقرير مجلة فورين بوليسي.
وقالت المجلة إن السودانيين الذين تمكنوا من الفرار بأرواحهم بأرواح أبنائهم وزوجاتهم يضطرون للسكن في ظروف صعبة وسط ارتفاع إيجارات الشقق والمنازل في تشاد ومصر، ويروي أحدهم قصة مغادرته للسودان بعد أن اعتقلته قوات الدعم السريع هو وصديقه لمجرد إقامتهما بالقرب من مكان قتل فيه ثلاثة من جنود الدعم السريع، ثم قامت قوات الدعم السريع باحتجازهما وتعذيبهما لمدة يومين إلى جانب عشرات المعتقلين الآخرين، حتى أشفق عليهما أحد الجنود وأطلق سراحهما وسلك أحدهما مع أسرته الطريق إلى مصر؛ في حين بقي صديقه، فحالته سيئة للغاية، لكنه لا يملك المال للمغادرة.
وناضل العديد من المدنيين للعثور على الأموال اللازمة للفرار من السودان وسط الانهيار الاقتصادي وانتشار النهب والسطو المسلح. ومع ذلك، فإن القتال العنيف، وانهيار نظام الرعاية الصحية، والمجاعة التي تلوح في الأفق، أجبرت بالفعل أكثر من 7 ملايين شخص على البحث عن ملجأ في مواقع أكثر أمانًا داخل حدود السودان وخارجها.
وحتى نهاية يناير، فر حوالي 450 ألف لاجئ سوداني إلى مصر منذ اندلاع الحرب وعلى الرغم من أنهم آمنون، إلا أنهم يواجهون ظروفًا اقتصادية صعبة، ونقصًا في تمويل المساعدات من المنظمات الدولية، ونقص الفرص لكسب لقمة العيش والاستقرار في القاهرة.
ومع تضاؤل احتمالات العودة إلى ديارهم قريبًا، فإن أعداد اللاجئين السودانيين المتزايدة، والتي يتجاهلها المجتمع الدولي إلى حد كبير، أصبحت عالقة في طي النسيان.
وقبل الحرب، كانت الخرطوم مدينة مضيفة للاجئين الفارين من البلدان المجاورة، بما في ذلك الحرب في منطقة تيجراي في إثيوبيا والتجنيد العسكري في إريتريا والآن، أصبح حتى المدنيون العاديون معرضين لخطر كبير في العاصمة والمدن المجاورة مثل أم درمان.
وقال أحدهم وقد وصل إلى القاهرة للتو: لقد أصبح الوضع خارج نطاق السيطرة وهناك مدنيون يحملون السلاح وإذا وقعت اشتباكات أثناء الليل وقُتل جنود، يعود المزيد من قواتهم في الصباح لاعتقال الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة.
عند وصوله إلى القاهرة، انتقل إلى شقة والده الصغيرة وكان والده يعيش في مصر منذ ثلاث سنوات لتلقي العلاج الطبي ومع تدهور الوضع في السودان، انضم إليهم المزيد من أفراد الأسرة الفارين من الاضطرابات تحت سقف واحد وبحلول نوفمبر، كانت الشقة المكونة من غرفتي نوم تؤوي أكثر من اثني عشر شخصًا.
وعثر آخر على سكن مؤقت في القاهرة، ويقول إنه كان يعمل سائق سيارة أجرة في الخرطوم قبل الحرب وقبل أربعة أشهر من فراره إلى مصر، كان قد خرج لتناول العشاء لطفليه، البالغين من العمر 11 و8 سنوات، وعاد إلى منزله ليجد جنود الجيش السوداني يوجهون بنادقهم نحو رأس ابنته.
وقال إنه تم تقييده وتعصيب عينيه ونقله إلى سجن مؤقت، حيث أخضع الجنود المعتقلين للتعذيب الشديد، والصدمات الكهربائية، والتهديدات بالسلاح، والضرب، وحتى الحرمان من النوم، واحتجزته قوات الجيش لمدة 31 يوما، ويعتقد أنه تم استهدافه لأنه كان عضوا في لجنة المقاومة في الحي الذي يسكن فيه، والتي هي جزء من شبكة لا مركزية من النشطاء المعارضين للديكتاتورية والحكم العسكري في السودان.
بعد وقت قصير من إطلاق سراحه، تم اعتقاله مرة أخرى لمدة تزيد قليلًا عن يوم، وهذه المرة من قبل قوات الدعم السريع. وبعد ذلك، على الرغم من أنه لم يكن لديه سوى جواز سفر منتهي الصلاحية والقليل من النقود، بدأ في اتخاذ الترتيبات اللازمة لأخذ والدته وطفليه إلى خارج السودان.
وقال إنه في الليلة التي سبقت مغادرتهم، دخلت والدته في غيبوبة بسبب مرض السكري وتوفيت بعد أن أصاب صاروخ المبنى الذي يعيشون فيه وأضاف أنه في حرب السودان “المواطنون هم ضحايا الطرفين”.
ولم يتبق لدى العديد من اللاجئين السودانيين سوى بقايا من حياتهم والمهن التي بنوها. غادر صلاح عبد الحي، الفنان والأستاذ المتقاعد البالغ من العمر 65 عامًا، السودان في شهر مايو مع عائلته بعد أن كان محاصرًا في منزله أثناء القتال الذي اجتاح وسط الخرطوم.
وفي شقة متواضعة تقع في أحد شوارع القاهرة النابضة بالحياة، روى عبد الحي كيف تمكن من إنقاذ بعض لوحاته وأعماله الفنية ونقلها خلال الرحلة التي استمرت خمسة أيام.
وقال في أواخر أكتوبر، وهو جالس بجانب ابنته وابنها البالغ من العمر 9 أشهر: “أخرجت بعض أعمالي الفنية من إطاراتها، ولففتها وأحضرتها معي ومعظم أعمالي موجودة في صالات العرض في الخرطوم، لكن قيل لي إنها كلها قد نُهبت أو أُحرقت”
وقال: "أعمالي الفنية تدور حول الثقافة"، وهو يكشف قطع القماش ليكشف عن لوحات نابضة بالحياة. وعلق على تجربته الفنية بالقول: "أحاول أن أرسم عناصر من الهوية السودانية"؛ إذ تصور العديد من أعمال عبد الحي نساء سودانيات محجبات بأقمشة منقوشة في الأزياء التقليدية المميزة كما أنها تتضمن مشاهد مثل المصارعة، والتواصل الاجتماعي في أكشاك الشاي، والحياة البرية في السودان.
وأضاف عبد الحي: “الجانبان اللذان يتقاتلان، ليس لديهما فهم ما هو الفن، وما هي الثقافة، أو ما هي المتاحف ويمكنهم ببساطة تدمير هذه الأشياء بسهولة."