السودان على شفا مجاعة.. كيف يمكن منع غاسلي الأموال من تمويل أسوأ حرب أهلية في أفريقيا؟
تصدت مجلة فورين أفيرز لسؤال مهم حول الأوضاع في السودان، وهو: كيف يمكن لأمريكا أن تمنع غاسلي الأموال من تمويل أسوأ حرب أهلية في أفريقيا؟
وذكرت المجلة في مقال بقلم المحلل السياسي جون برندرجاست أن هناك كارثة إنسانية وحقوقية تتكشف في السودان ومع وجود ما يقرب من 11 مليون شخص نازح بالفعل - ثلاثة ملايين منهم من الأطفال - أصبحت البلاد الآن موطنًا لأكبر عدد من الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الصراع في جميع أنحاء العالم، ويقف سكان السودان على شفا مجاعة كبرى، ناهيك عن نظام طبي منهار يجعل العدد الحقيقي لضحايا الحرب غير معروف على وجه التحديد.
ويتم تدمير العاصمة السودانية الخرطوم قطعة تلو الأخرى، وقد يكون من المغري التفكير في هذه المأساة باعتبارها حلقة أخرى في صراع دام عدة عقود كما ساعد الطرفان المتقاتلان في تأجيج الصراع على نحو يشي بأنه لن ينتهي في أي وقت قريب.
وفي عام 2023، بعد أن انقلبت قوات الدعم السريع على الجيش الرسمي وبدأت في السيطرة على مساحات كبيرة من السودان، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع المملكة العربية السعودية لمحاولة تأمين وقف إطلاق النار ولكن هذه الجهود باءت بالفشل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحرب الأهلية السودانية ليست مجرد تكرار للتوترات القديمة.
وقد انضم لاعبون جدد إلى المعركة التي تدور رحاها في السودان، وهم ممثلون لأطراف دولية تؤدي مساهماتهم في أعمال العنف إلى تعقيد الصراع وتدمير فرص حله وترى العديد من الدول فرصا مغرية بشكل خاص لاستغلال الموارد الطبيعية للسودان، وقد أصبح تصدير الذهب بطريقة غير مشروعة مصدرًا رئيسيًا لتمويل الحرب: إذ تقوم أطراف إقليمية لها باع طويل في الاتجار غير المشروع بالذهب المهرب بشراء الذهب القادم من المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني وهناك دول إقليمية تحولت بالفعل إلى وجهة ثابتة للذهب المستخرج من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ويُزعم أن هذه الدول الإقليمية تمد قوات الدعم السريع بالأسلحة.
كما تسهل شركات أمنية شبه عسكرية عمليات شراء واسعة النطاق للذهب المهرب الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، وتزود قوات الدعم السريع بالمساعدات العسكرية مثل صواريخ أرض جو.
وبتشجيع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من الكونجرس الأمريكي، عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير مبعوث خاص جديد إلى المنطقة، وهو الدبلوماسي المخضرم توم بيرييلو، العضو السابق في الكونجرس، والذي كان مبدعًا ولا يعرف الكلل في دوره كمبعوث خاص إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، وستكون علاقاته القوية في الكابيتول هيل حاسمة لتأمين اهتمام رفيع المستوى من واشنطن، ولكن الفارق الأكبر الذي يمكن للولايات المتحدة، بل ويجب عليها، أن تحدثه هو زيادة ضغوطها المالية بشكل كبير على الوكلاء الذين يتسببون في تفاقم الحرب السودانية، وخاصة على الجهات الإقليمية التي تستفيد من تجارة الذهب المهرب.
ووفقًا للمجلة سوف يتعين على أولئك الذين يرغبون في إحلال السلام في السودان أن يتفاوضوا من أجل التوصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار وإنشاء ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية ويجب أن تعطي مفاوضات وقف إطلاق النار هذه الأولوية أيضًا للتوصل إلى ترتيب سياسي انتقالي شامل، وهو أمر أساسي لإنهاء العنف وإرساء الأساس لحكم مستقبلي فعال. وسيكون من الأهمية بمكان أيضًا إشراك الجماعات المدنية في المفاوضات التي تعكس رغبة الشعب السوداني العارمة في السلام.
ولكن لتحقيق أي من هذه الأهداف، لا بد من مواجهة النظام الكليبتوقراطي العنيف الذي يمول الحرب الآن.
لمنقبون عن الذهب
ينتج السودان كمية كبيرة من الذهب وفقًا لمجلس الذهب العالمي، واحتلت البلاد في عام 2022 المركز السادس عشر بين أكبر منتج للذهب في العالم ورابع أكبر منتج للذهب، بعد غانا ومالي وجنوب إفريقيا وسيطر زعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي – على العديد من مناجم الذهب في السودان بعد أن أصبح مقربًا من عمر البشير، رئيس الدولة لمدة 30 عامًا.
وبحلول أواخر عام 2010، جعلت تجارة حميدتي في الذهب منه أحد أغنى الرجال في البلاد وبعد الاستحواذ على أحد أكثر المناجم ربحية في السودان في عام 2017، استخدم حميدتي تلك الثروة لترسيخ مكانته الرائدة في النظام السياسي الكليبتوقراطي في البلاد.