الصحة العالمية: نجحنا فى توصيل الأنسولين لمليون و500 ألف مستفيد فى غزة
قالت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، خلال مؤتمر صحفى اليوم عن حالة الطوارىء الصحية باقليم شرق المتوسط، إنه فى غزة، لا يزال جميعُ السكانِ يواجهون عنفا وخسائرَ فادحة لا يمكن تصورها، ولم يَعُدْ أمامَهم أي مكانٍ يَفِرونَ إليه، وفي الوقتِ نفسِه لا تزال المساعداتُ المُنقِذة للأرواحِ غيرَ كافيةٍ على الإطلاقِ.
وتابعت، لقد قامت المنظزمة بدور كبير فى توصيل المساعدات إلى غزة ومنها الأنسولين، حيث استطعنا توصيل الانسولين إلى مليونٍ و500 ألفِ مستفيدٍ في غزَّةَ من خلالِ جِسرٍ جوي مؤقتٍ بينَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ ومصرَ، أمَّا في السودانِ، فنَشهد أكبرَ أزمةِ نزوحٍ في العالَمِ، إذ يَفر ملايين الأشخاصِ بحثًا عنِ الأمانِ داخلَ البلدِ وخارجَه، كما أن الزلازلَ الذي ضرب أفغانستان والمغربَ وسوريَّا مؤخرا، والفيضاناتِ التي وقَعت في ليبيا وباكستانَ، والتزايدَ الكبيرَ المستمرَّ في عددِ حالاتِ الإصابةِ بالكوليرا وحُمَّى الضنكِ في شتى أنحاءِ الإقليمِ - كلَّ ذلك أدَّى إلى تفاقُمِ عبءِ الِاحتياجاتِ الصحيةِ والإنسانيةِ في جميعِ أنحاءِ الإقليمِ.
وأوضحت، تتزايد حالات الطوارئِ الصحيةِ في شتى أنحاءِ الإقليمِ بوتيرةٍ سريعةٍ، فيتأثر 13 بلدا من بدانِنا تأثرا مباشرا أو غيرَ مباشرٍ بالنزاعاتِ، وقدِ استجَبْنَا في العامِ الماضِي لـ 73 فاشيةً للأمراضِ، أيْ لأكثرَ مِن ضِعفِ العددِ الذي شَهِدَه عام 2021، وعلى مَدارِ العامينِ الماضيينِ وقعَت في إقليمِنا 6 كوارثَ طبيعيةٍ مِن بينِ الكوارثِ الطبيعيةِ العشرِ الأكثرِ فتكًا في العالَمِ.
ويزدادُ هذا التحدي تعقيدًا بسببِ الحقائقِ المُقلِقةِ المتمثَّلةِ في تعرضِ مَرافقِ الرعايةِ الصحيةِ لهَجَماتٍ متزايدةٍ، وانعدامِ الأمنِ، والقيودِ الشديدةِ التي تَعُوق قدرتَنا على الوصولِ بالتدخلاتِ المنقِذةِ للأرواحِ إلى بعضِ الأشخاصِ الأشد ضَعْفًا في الإقليمِ، ولذلك، فإن أي مكاسبَ هشة حقَّقْنَاها في دعمِ النُّظُمِ الصحيةِ والنهوضِ ببَرْنامجِ العملِ الصحيِّ، والحفاظِ على الأمنِ الصحي الإقليمي، معرضة لخطرِ الِانتكاسِ، فكثيرا ما نخطو خطْوتَينِ إلى الأمامِ وخطوةً إلى الوراءِ في مساعدةِ شعوبِ الإقليمِ.
كما أن خفْضَ تمويلِ الأونروا، وهيَ أهمُّ وأكبرُ مقدمٍ للمساعدةِ الإنسانيةِ في أزمةِ قِطاعِ غزةَ، يسفِر عن مزيدٍ منَ العواقبِ الكارثيةِ على سكانِ القطاعِ، ولا تستطيعُ أي وَكالةٍ من الوَكالاتِ، ومنها منظمةُ الصحةِ العالميةِ، أن تسد الفَجَواتِ الحرجةِ التي قد تنشأُ إذا لم تتمكنِ الأونروا مِنَ العملِ بكاملِ طاقِتها، وهذا القرار له أيضا تبعات خطيرة، لأن خِدماتِ الأونروا تشمل السكانَ الفلسطينيينَ في لبنانَ والأردنِ وسوريَّا، وإعلان برنامجِ الأغذيةِ العالميِّ مؤخرا عن وقفِ عملياتِ توصيلِ الأغذيةِ إلى شمالِ غزةَ بسببِ انعدامِ ضماناتِ السلامةِ يعني أيضًا أن الوضعَ هناكَ سيزداد تدهورا، وهوَ ما سيترك مئاتِ الآلافِ منَ السكانِ في وضعٍ محفوفٍ بالمخاطرِ، والأطفال والحوامل هم الأشد تعرضًا لخطرِ سوءِ التغذيةِ الحاد، والمرضِ والعواقبِ الصحيةِ الطويلةِ الأجلَ، بلِ الوفاةِ.
وعلى مدارِ الأسابيعِ الثلاثةِ التي انقضت منذ أن توليت منصبَ المديرِ الإقليمي، استعرضت بدقة التحدياتِ التي تواجه إقليمنا، لا سيما تصاعد وتيرةِ الطوارئِ الصحيةِ ونطاقَها، إلى جانبِ التحدياتِ العديدةِ التي تواجه تقديمَ المساعداتِ، ومنها انعدام الأمنِ، وتدهور النظمِ الصحيةِ، والنقص الحاد في التمويلِ، ولمواجهةِ تلك التحدياتِ.
وضعت خمسَ أولويات شاملة لعملِ المنظمةِ في حالاتِ الطوارئِ خلالَ مدةِ وِلايتي:
أولا: نستهدف معالجةَ أوجهِ التفاوتِ في الحصولِ على الرعايةِ الصحيةِ، بما يضمنُ وصولَ الخِدْماتِ الأساسيةِ إلى كلِّ رُكنٍ من أركانِ إقليمِنا، ولا سيَّما السكانُ الذين يَصعُبُ الوصولُ إليهم في المناطقِ المتضرِّرةِ منَ الطوارئِ، وسنُركِّزُ تركيزًا خاصًّا على الأوضاعِ الهشَّةِ والمتضرِّرةِ منَ الصراعاتِ.
ثانيًا: يُمكِنُنا إنقاذُ الأرواحِ وحمايةُ الصحةِ العامةِ عن طريقِ تعزيزِ قُدُراتِ البُلدانِ على الوقايةِ من شتَّى الطوارئِ الصحيةِ، والتأهبِ لها واكتشافِها والاستجابةِ لها بفعاليةٍ، ابتداءً منَ الكوارثِ المتعلقةِ بالمناخِ وصولًا إلى الجوائحِ والنزاعاتِ.
ثالثًا: لابدَّ مِنَ الِاستثمارِ في نُظُمٍ قويةٍ للصحةِ العامةِ من أجلِ الوقايةِ من الأمراضِ، والعافيةِ بوجه عام، ومن خلالِ التدخلاتِ المُوجَّهةِ والشَّرَاكاتِ الِاستراتيجيةِ، نلتزمُ بتعزيزِ مبادراتِ الصحةِ العامةِ في جميعِ أنحاءِ الإقليمِ، لضمانِ قُدرةِ النُّظمِ الصحيةِ على الصمودِ في وجهِ أيِّ أزمة.
رابعًا: ندركُ أنَّ العملَ الجماعي والتعاونَ ضروريانِ للتصدي للتحدياتِ الصحيةِ المعقدةِ. ومن خلالِ إقامةِ شَرَاكاتٍ جديدةٍ والِاستفادةِ منَ الشَّرَاكاتِ الحاليةِ، نستطيعُ حشد المواردِ بفعاليةٍ، وتعزيزَ النظمِ الصحيةِ.
وأخيرا: لا بد من تعزيزِ قدراتِ كلٍّ منَ المكتبِ الإقليميّ والمكاتبِ القطريةِ للمنظمةِ، فمن خلالِ التعاون والتأثيرِالأقوى على برامجِ العملِ الصحيةِ العالميةِ، يُمكِننا أن نلبيَ احتياجاتِ المجتمعاتِ المحليةِ التي نَدعَمها تلبيةً أفضلَ.
ومن خلالِ منحِ الأولويةِ لعافيةِ المحتاجِين وسلامَتِهِم وكرامَتِهِم، والتركيزِ على الجانبِ الإنسانيِّ لحالاتِ الطوارئِ الإنسانيةِ، يمكِنُنا إحرازُ تقدمٍ ملموسٍ نحوَ السلامِ والِاستقرارِ وتحسينِ الحصائلِ الصحيةِ.
وقالت الدكتورة حنان بلخى، إنه في خِضَمِّ بعضِ أشدّ الأَزماتِ الإنسانيةِ، مِثلِ الزلازلِ في أفغانستانَ وسوريا، وتصاعدِ الصراعِ في غزةَ والسودانِ، اضطلعت منظمة الصحةِ العالميةِ بدورٍ مِحوريٍّ من خلالِ التوصيلِ السريعِ للإمداداتِ الطبيةِ المنقِذةِ للأرواحِ من مركَزِنا للإمداداتِ اللوجستيةِ في دبي، لمنعِ انهيارِ النظمِ الصحيةِ حتى يتسنى إنقاذ الأرواحِ، وأنا ملتزمة بمواصلةِ تحسينِ سلاسلِ إمداداتِنا الطبيةِ لجميعِ بلدانِ الإقليمِ، من أجلِ تيسيرِعملياتِ التوصيلِ على نحوٍ أسرعَ وأكفَأَ، بما يساعد على الحفاظِ على استمرارِ النُّظمِ الصحيةِ في أداءِ وظيفَتِها.
وأوضحت، إنه قد أبرمَ مركزنا للإمداداتِ اللوجستيةِ في دبي والمدينةِ العالميةِ للخِدماتِ الإنسانيةِ - هذا الأسبوعَ- اتفاقًا لإيصالِ الإمداداتِ الصحيةِ والأدويةِ، ومنها الأنسولين، إلى مليونٍ وخَمسِمائةِ ألفِ مستفيدٍ في غزةَ من خلالِ جِسرٍ جوي مؤقتٍ بينَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ ومصرَ، مع التخطيطِ لرِّحْلاتٍ جويةٍ متعددةٍ، ووصلت أمسِ أول طائرةٍ إلى مصرَ بنجاحٍ، ونظرًا إلى أنَّ النظامَ الصحيَّ في غزةَ يكافِحُ لِيستمرَّ في أداءِ وظائِفِه، يجب تيسير عملياتِ توصيلِ هذه الإمداداتِ إلى شتى أنحاءِ قطاعِ غزةَ على وجهِ السرعةِ، وقد أرسلتِ المنظمةُ حتى الآنَ 111 شاحنةً تحمل إمداداتٍ صحيةً إلى غزةَ، منها شاحناتٌ مقدمة من شركاءَ آخرينَ في مجالِ الصحةِ.
وأرسلتِ المنظمةُ أيضًا في الآوِنةِ الأخيرةِ إمداداتٍ طبيةً وصحيةً أساسيةً من مستودَعِها في مدينةِ فرشانا بجمهورية تشادَ إلى 8 شركاءَ صحيين في غربِ دارفورَ من خلالِ عملياتِها العابرةِ للحدودِ بينَ تشادَ والسودانِ، وستُساعِدُ هذه الإمداداتُ على تلبيةِ الِاحتياجاتِ الصحيةِ لِمَا يَقرُبُ من 340 ألفَ شخصٍ لمدةٍ تصلُ إلى 3 أشهر.
وإضافةً إلى ذلك، لا بدَّ مِن منْحِ الأولويةِ للِاستثمارِ في القُوَى العاملةِ الصحيةِ، فهم ركن أساسي من أركانِ أي نظام صحي، وينطوي ذلك على تعزيزِ قدراتِهِم من خلالِ التدريبِ، وضمانِ حصولِهم على المواردِ التي يحتاجون إليها، والأهم من ذلك، ضمان حمايتِهم وسلامتِهم في مناطقِ النزاعاتِ، عندما توجد حاجة ماسة إلى عملِهِم المنقِذِ للأرواحِ، وفي أثناءِ تلبيَتِنا للِاحتياجاتِ العاجلةِ، يجب علينا أيضا أن ننظرَ في جهودِ إعادةِ الإعمارِ وإعادةِ التأهيلِ في البُلدانِ التي تعاني مِنَ الأَزَماتِ الإنسانيةِ.
وقالت، إن الطريقُ أمامَنا طويلٌ وشاقٌّ، لا سيَّما في أماكنَ مثلِ الأرضِ الفلسطينيةِ المحتلةِ وأفغانستانَ وسوريَّا والسودانِ والصومالِ واليمنِ، فتلك الأماكن تشهَد تدهورًا بالغًا في الهياكلِ الصحيةِ، ولا يزالُ لازمًا تقييمُ احتياجاتِ الصحةِ النفسية تقييمًا كاملًا، خصوصًا لدى الأطفالِ.
وفي إقليمِنا اليومَ كثير جدا من المحرومين من حقِّهِمُ الأساسي في الرعايةِ الصحيةِ المنقِذةِ للأرواحِ؛ ويعيش كثير جدا منَ الناسِ في الفقرِ، ولا يستطيعون تحمُّلَ تكاليفِ الرعايةِ الطبيةِ الأساسيةِ لأطفالِهِم، فهُمْ يكافحون أيضًا من أجلِ إعالةِ أُسرِهِم؛ ويموتُ كثير جدًّا منَ الناسِ بلا مبرر، أو يعانون من مضاعفاتٍ صحيةٍ طويلةِ الأمدِ بلا داع، لعدمِ توفرِ المواردِ اللازمة لإنقاذِهِم.
وحلول هذه المشكلاتِ ذاتُ طابَعٍ سياسيٍّ في المَقامِ الأولِ، وبصفتِنا وكالةً مَعنِية بالصحةِ العامةِ والتنميةِ والعملِ الإنساني، لن نتوقف أبدا عن بَذْلِ جهودِ الدعوةِ إلى تعزيزِ حقوقِ الفئاتِ الأشدّ ضعفًا.
ولكي نؤديَ عملَنا بفعاليةٍ، لا سيما في أوضاعِ الطوارئِ، يجب على جميعِ أطرافِ النزاعِ أن تمنَحَ الأولويةَ للصحةِ بوَصفها حقا أساسيّا، ويجبُ احترامُ قُدسيةِ الصحةِ، ويعني ذلك ضمانَ حصولِ الناسِ على الخِدْماتِ الصحيةِ الفعَّالةِ أينما كانوا، وعلى التدخلاتِ اللازمةِ في الوقتِ المناسبِ للحفاظِ على عافيَتِهم وإعلاءُ هذا الحق أمر ضروري لتعزيزِ الصحةِ والعافيةِ والكرامةِ والقدرةِ على الصمودِ، حتى في أصعبِ الظروفِ.