"رسبونسبل ستيتكرافت": هل باتت اتفاقيات كامب ديفيد في خطر؟
منذ 7 أكتوبر 2023، انضمت مصر إلى معظم المجتمع الدولي في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة وبما أنها الدولة العربية الوحيدة المتاخمة لغزة، فإن المخاطر التي تواجهها القاهرة كبيرة وكلما طال أمد الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر، ستصبح التهديدات التي يتعرض لها الاقتصاد المصري والأمن القومي والاستقرار السياسي أكثر خطورة، وفقًا لأحدث تقرير لمجلة رسبونسبل ستيتكرافت التي يصدرها معهد كوينسي الأمريكي.
وتقع مدينة رفح على طول الحدود بين غزة ومصر، وهي مدينة تبلغ مساحتها 25 ميلًا مربعًا وكانت حتى وقت قريب موطنًا لـ 300 ألف فلسطيني والآن يعيش ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني في رفح بسبب التدمير الغاشم الذي قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة غزة وخان يونس وأجزاء أخرى من القطاع.
فبعد تأكيده على وجود أربع كتائب تابعة لحماس في رفح الآن، أعلن رئيس وزراء سلطات الاحتلال بنيامين نتنياهو أن نشر قواته في هذه المدينة الفلسطينية ضروري للدولة اليهودية حتى تتمكن بلاده من هزيمة حماس وسط هذه الحرب وحتى كتابة هذه السطور، يستعد جيش الاحتلال لشن حملة على رفح.
ويخشى المسؤولون في القاهرة من أن تؤدي العمليات العسكرية الانتقامية للاحتلال في رفح إلى دخول عدد كبير من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية وقد حذّر جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في 10 فبراير الجاري، من إن "الهجوم الإسرائيلي على رفح سيؤدي إلى كارثة إنسانية لا توصف وتوترات خطيرة مع مصر".
وقد يؤدي مثل هذا السيناريو إلى تأجيج قدر هائل من الاحتكاك بين القاهرة وتل أبيب، كما أن له انعكاسات أخرى ليست أقل خطورة، في منطقة تحاول جاهدة تجنب ما قد يكون "النكبة الثانية"، وهو ما تعتبره القاهرة خطًا أحمر لا ينبغي لتل أبيب تجاوزه.
ويعتقد جوزيبي دينتيس، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الإيطالي للدراسات الدولية أنه "ليس من قبيل الصدفة أن القاهرة عززت حدودها مع غزة، وحذرت إسرائيل من أن أي عمل أحادي ينطوي على نزوح قسري لسكان القطاع إلى الأراضي المصرية يمكن أن يعرض للخطر ليس فقط العلاقات الثنائية، بل أيضا الشروط المسبقة للسلام والأمن" وأضاف دينتيس: "الاستقرار مضمون في اتفاقيات كامب ديفيد".
ماذا قد يحدث لاتفاقيات كامب ديفيد؟
وفي 11 فبراير، قال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي لوكالة أسوشيتد برس إن القاهرة قد تعلق اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979 إذا قامت القوات الإسرائيلية بتوغل في رفح وبعد يوم واحد، نفى وزير الخارجية سامح شكري مثل هذه التقارير حول خطط الحكومة لتجميد معاهدة السلام مع إسرائيل، لكنه أكد أن استمرار التزام مصر باتفاق 1979 سيعتمد على التزام تل أبيب بالمثل.
وكانت تصريحات نتنياهو في أواخر العام الماضي مزعجة للمسؤولين المصريين بشأن سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على ممر فيلادلفيا (منطقة عازلة منزوعة السلاح طولها تسعة أميال بين غزة ومصر تم إنشاؤها وفقًا لمعاهدة السلام المصرية وإسرائيل) لأن مثل هذه الخطوة من جانب إسرائيل سيكون ذلك بمثابة مخالفة لاتفاقيات كامب ديفيد.
ويشكك أحمد عبوده، زميل تشاتام هاوس وزميل المجلس الأطلسي، في أن تذهب مصر إلى حد تعليق اتفاقيات كامب ديفيد وأضاف: "في النهاية، من غير المرجح أن تتخذ مصر الخطوة الأولى لتمزيق المعاهدة من جانب واحد".
ولكن ما تفعله هو تبني "مواقف استراتيجية خطابية" حيث تستخدم القاهرة "التصعيد الخطابي" وتوجه الرسائل إلى ثلاثة جماهير، حسبما قال عبوده؛ الأول رسالة للجمهور المصري والرسالة هي أن القاهرة تدافع عن المصالح الأمنية الأساسية لمصر وكذلك القضية الفلسطينية. والثاني هو جمهور البيت الأبيض وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرسالة هي أن ينتقل إلى واشنطن غضب الحكومة المصرية من إدارة بايدن لعدم وقفها الإجراءات الإسرائيلية التي تهدد بتهجير الفلسطينيين والثالث هو حكومة نتنياهو، والجنرالات في قوات الاحتلال الإسرائيلية، ومجتمع الاستخبارات الإسرائيلي.
كما استبعد جوردون جراي، سفير الولايات المتحدة السابق في تونس، الاقتراحات الأخيرة بأن القاهرة ستعلق معاهدة السلام مع إسرائيل لأسباب رئيسية من أبرزها أن مصر لا تسعى مصر إلى مواجهة عسكرية – حتى لو كانت غير مقصودة – ضد إسرائيل فقد أعلنت القاهرة على مدار عقود أن السلام خيار استراتيجي.
وعلى الرغم من اعتقاد العديد من الخبراء أن مصر لن تجمد اتفاقات كامب ديفيد، إلا أنه ينبغي النظر في هذا السيناريو المحتمل، فهناك أسئلة مهمة يجب طرحها حول ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من حيث التداعيات على مستوى المنطقة، فضلًا عن علاقات القاهرة مع العواصم الغربية ولكن من الصعب التنبؤ بالكيفية التي ستتطور بها الأحداث إذا اتخذت مصر هذه الخطوة لأنه سيكون هناك الكثير من المتغيرات غير المعروفة، ولكن المؤكد هو أن وضع هذا السيناريو سيترتب عليه اضطراب العلاقات المصرية الإسرائيلية على نحو لم يسبق له مثيل منذ إدارة جيمي كارتر، التي أقنعت - بمساعدة إيران والمغرب ورومانيا - الرئيس الأسبق آنذاك أنور السادات وإسرائيل على إبرام معاهدة السلام.
ولكن إذا تم تعليق معاهدة السلام، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة ستوجه اللوم لمصر دون تحميل إسرائيل بأي شكل من الأشكال المسؤولية عن إنتاج هذه الأزمة، وهذا هو النهج الأمريكي دائمًا، ولكن المؤكد أيضًا أن تأثير حرب غزة أصبح أقوى من أي وقت مضى على الموقف الدبلوماسي الإسرائيلي في العالم العربي.
ومع انخفاض احتمال انضمام المزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات إبراهام في المستقبل المنظور إلى الصفر، فإن السؤال الملح ليس ما هي الحكومة العربية التي قد تكون التالية في التطبيع مع تل أبيب.
تحول التركيز إلى أسئلة حول كيفية قيام الدول العربية الموجودة بالفعل في معسكر التطبيع، مثل مصر، بإدارة علاقاتها الرسمية مع إسرائيل بين الأنواء في وقت يُنظر فيه على نطاق واسع إلى سلوك الاحتلال الإسرائيلي في غزة على أنه إبادة جماعية في جميع أنحاء العالم العربي الإسلامي.