غزة على شفا كارثة بيئية وصحية وسط تواصل استهداف هجمات الاحتلال للبنية التحتية
ذكّر تقرير لمراسل موقع ميدل إيست مونيتور، ومقره لندن، بالأزمة البيئية والصحية الأليمة التي تتكشف في قطاع غزة نتيجة لاستمرار هجمات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف مرافق البنية التحتية في غزة، مما أدى إلى اختلاط المياه النظيفة بمياه الصرف الصحي وأدت الهجمات كذلك إلى تكون الكثير من البرك في الشوارع، مما يشكل مخاطر صحية جسيمة على السكان.
ووفقًا لصحيفة تورنتو ستار الكندية، أعلنت بلدية غزة، اليوم الأحد، "قيام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير نحو 40 بئرًا للمياه وتسعة خزانات للمياه بأحجام مختلفة، بشكل كلي وجزئي و42 ألف متر طولي من شبكات المياه بأقطار مختلفة منذ بدء العدوان وحرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين بالقطاع منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي".
وقالت البلدية الفلسطينية، عبر فيسبوك: "إن الآبار، التي دمرها الاحتلال، شملت آبارا محلية وآبارا مركزية؛ منها آبار الصفا في شمال شرق المدينة والتي تغذي المدينة بنحو 20 في المائة من احتياجاتها اليومية، بالإضافة إلى آبار في مختلف مناطق المدينة".
كما دمر الاحتلال دمر نحو 42 ألف متر طولي من شبكات المياه بأقطار مختلفة في مناطق المدينة وكذلك 480 محبسًا بأحجام مختلفة في المناطق التي توغل فيها، ودمر البنية التحتية ومختلف المنشآت المدنية فيها”.
وتعاني بلدية غزة، من عجز شبه تام في عدد الآليات المتاحة لها، بعدما دمّر الاحتلال نحو 90 آلية من مختلف الأحجام وتشمل آليات لجمع وترحيل النفايات وآليات للمعالجة الصرف الصحي، وآليات ثقيلة للنقل وورشة صيانة، وجرافات، وسيارات خاصة بالأعمال الإدارية ولجنة الطوارئ، وآليات خزان نقل مياه الشرب.
وتعمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان تدمير واستهداف المنشآت المدنية والخدماتية في المدينة، حيث استهدف عشرات آلاف من منازل المواطنين، وآبار المياه، ومحطات الصرف الصحي، والطرق، والمنشآت والمحلات التجارية، والمرافق العامة، وتجريف نحو 55 ألف شجرة في الشوارع والمزارع.
وناشدت بلدية غزة المؤسسات والمنظمات الدولية للتدخل العاجل لتوفير الآليات والوقود للاستمرار في تقديم الخدمات الإنسانية للمواطنين والإسراع في التعاون مع البلدية لإعادة إعمار المرافق الخدماتية التي دمرها الاحتلال.
وقالت مجلة فوربس الأمريكية إنه صحيح جدًا القول بأن الحرب مدمرة وقاتلة ولكن خسائر الحرب لن تنتهي عندما يلقي المتقاتلون أسلحتهم، فقد انخرطت حماس وإسرائيل لعدة أشهر في صراع مسلح كلف عشرات الآلاف من الأرواح، ودمر النظم البيئية، ودق ناقوس الخطر بشأن التهديدات البيئية المتزايدة على حياة الناس وصحتهم.
ويقول ديفيد ر. بويد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة: "إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة لها عواقب وخيمة على المناخ والبيئة، بما في ذلك تلوث الهواء والماء والتربة، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث السام واسع النطاق والدائم، وتفاقم أزمة المناخ هي بعض من الدمار الهائل الذي تسببه الحرب."
وتعد ساحة المعركة واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وقطاع غزة عبارة عن أرض ضيقة تقع بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط، وتعادل مساحتها مدينة لاس فيجاس تقريبًا، لكن عدد سكانها يبلغ 2.2 مليون نسمة.
وتواجه غزة مشاكل بيئية منذ سنوات، حيث لا يتمكن السكان من الحصول على الطاقة أو الصرف الصحي أو المياه النظيفة أو الهواء. ويقول الخبراء إن الصراع يجعل الوضع أسوأ.
ومع استمرار سقوط القنابل على القطاع، مما أدى إلى إتلاف المدارس والمستشفيات والبنية التحتية، أصبحت البيئة - والأثر الدائم لتدميرها على السكان - ضحية أخرى من ضحايا الحرب التي لم يتم الحديث عنها كثيرًا.
وفي تحديثه الأخير، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن استمرار القصف الإسرائيلي العنيف وكذلك الصواريخ التي تطلقها حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة، وعندما تنفجر المتفجرات وتحترق المباني، تنطلق غازات سامة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين في الغلاف الجوي.
بالإضافة إلى ذلك، يقول بويد: "هناك مستويات عالية بشكل خطير من الجسيمات في الهواء" ويضيف بويد أن الجسيمات الدقيقة تتكون من غبار صغير ودخان وسائل "تسبب وتفاقم مجموعة من أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية".
علاوة على ذلك، أفادت هيومن رايتس ووتش وواشنطن بوست عن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في غزة وجنوب لبنان وقد نفت إسرائيل هذا الادعاء، والجدير بالذكر أن الفوسفور الأبيض قابل للاشتعال ويشتعل عند تعرضه للأكسجين وينفجر منتجًا لهبًا أصفر ودخانًا أبيض تستخدمه الجيوش لإخفاء تحركات القوات أثناء المعركة وبمجرد تعرض الإنسان للفسفور الأبيض، يمكن أن يدخل في غيبوبة أو يموت، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وإذا لم يكن هذا سيئًا بما فيه الكفاية، فإن المادة الكيميائية أيضًا ضارة جدًا بالبيئة إذ تشير الدراسات إلى أن الفوسفور الأبيض يمكن أن يلوث الأنهار والأسماك التي تعيش فيها.
بل إن هناك بروتوكولًا دوليًا يحظر استخدام الأسلحة الحارقة، مثل الفسفور الأبيض، ضد الأهداف العسكرية الواقعة في المناطق المدنية إلا أن إسرائيل لم توقع على هذا البروتوكول وليست ملزمة به.
نقص المياه في غزة - تفاقم أزمة المياه
يعاني سكان غزة من أزمة مياه حادة منذ سنوات. ونظرًا للكثافة السكانية الكبيرة والنظام غير الآمن، فإن المياه هي الشغل الشاغل لخبراء البيئة، خاصة في أوقات الحرب.
يقول بيتر جليك، زميل معهد باسيفيك، وهو مركز أبحاث عالمي للمياه في كاليفورنيا: "لقد كان للصراع بالفعل آثار خطيرة مباشرة وغير مباشرة على وضع المياه في غزة".
وتعتمد إمدادات المياه في قطاع غزة بشكل كبير على الإمدادات الخارجية. ويحصل الفلسطينيون على مياههم عبر خطوط الأنابيب القادمة من إسرائيل ومحطات تحلية المياه وآبار المياه الجوفية.
ومنذ بدء الهجمات في أكتوبر، تضررت موارد المياه المحدودة بالفعل أو انقطعت في غزة إما عمدًا أو لأنها لا تستطيع العمل بدون طاقة، حسبما تشير تقارير المنظمات الدولية، وثمة مشكلة رئيسية أخرى هي إدارة مياه الصرف الصحي وفقا لمنظمة أوكسفام، فإن محطات معالجة مياه الصرف الصحي في غزة ومعظم محطات ضخ مياه الصرف الصحي أصبحت الآن معطلة عن العمل.
وعندما يكون هناك نقص في معالجة مياه الصرف الصحي ويتم تصريفها في البحر، يقول الخبراء إن العواقب البيئية طويلة المدى يمكن أن تكون مدمرة، ويوضح جليك: "تشمل التأثيرات غير المباشرة تزايد خطر الإصابة بالأمراض والأمراض المرتبطة بالمياه وتلوث المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية الخطرة".
ويضيف جليك: "لهذا السبب، تحظر القوانين الإنسانية الدولية وقوانين الحرب الهجمات على شبكات المياه المدنية وتتطلب حماية السكان المدنيين" ولم تستجب الهيئات البيئية الإسرائيلية والفلسطينية لطلب التعليق.
حالة الطوارئ المناخية
يقع قطاع غزة في منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة معرضة بشدة لتغير المناخ الذي ترتفع درجة حرارته بمعدل أسرع مرتين من أجزاء أخرى من العالم.
كان هذا الصيف هو الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث وصلت درجات الحرارة في بعض مناطق الشرق الأوسط إلى 60 درجة مئوية (140 درجة فهرنهايت).
على خلفية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 الذي عقد الشهر الماضي في دبي، يشعر الكثيرون بالقلق من أن العنف المستمر سيعيق خطط الفلسطينيين لمكافحة تغير المناخ وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى الصعيد العالمي، تساهم العمليات العسكرية بحوالي 5.5% من إجمالي انبعاثات الكربون.
يقول كريم الجندي، زميل تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث بريطاني في مجال الاستدامة: "هذه الحرب لها انبعاثاتها الكربونية الخاصة التي لا يستهان بها".
ويضيف الجندي: "إن الأضرار التي تلحق بالكربون المتجسد في المباني والبنية التحتية لها أيضًا بصمة كربونية، حيث سيلزم بناء بدائل، الأمر الذي من شأنه أن يطلق المزيد من الانبعاثات".
وأيضًا، وفقًا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تعرض نظام الطاقة الشمسية الموجود على الأسطح في غزة، والذي يوفر بعض الطاقة للمنطقة، للأضرار بسبب القصف ويقول الخبراء إنه بالنسبة لبيئة غزة الهشة بالفعل، فإن الصراع يزيد من تفاقم المشكلة.
يقول بويد: "إن الحرب تجعل من المستحيل تمامًا على الناس التمتع بحقوقهم الإنسانية، وتؤدي إلى تفاقم كل جانب من جوانب الأزمة البيئية الكوكبية" ويضيف: "لذلك فإن السلام يعد خطوة حاسمة نحو تحقيق مستقبل عادل ومستدام".