السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

عماد الدين حسين يكتب إلى الإعلاميين المصريين: حافظوا على خط الرجعة!!!

الرئيس نيوز

هل من دروس يمكن أن نتعلمها من العلاقات الطيبة التى صارت بين الحكومة المصرية وحركة حماس الإخوانية فى قطاع غزة؟ الدروس كثيرة لكن أهمها لنا كإعلاميين أنه صار لزاما علينا ألا نخلط بين السياسة والصحافة، وأن نلتزم بقواعد مهنتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. طوال السنوات الأربع الماضية امتلأت غالبية وسائل الاعلام المصرية بموضوعات ومقالات تهاجم حماس، وتتهمها بكل انواع التهم، وبعضها وصل للقضاء المصرى. وقبل أيام وجدنا نفس الوسائل تتناسى كل ذلك وتتحدث عن حماس بصورة مختلفة تماما!!. هل معنى كلامى أن حماس بريئة؟. ليس هذا ما أقصده، فحماس حركة إخوانية فرحت بوصول الإخوان للسلطة فى مصر وحزنت لخلعهم. وقد تكون ساعدت أو سهلت أو هيأت بعض العوامل لنصرة الإرهابيين فى سيناء أو على الأقل غضت البصر عنهم. لكن كل هذه التهم ــ سواء كانت صحيحة أم لا ــ يفترض أن تقولها الحكومة أو أجهزة الأمن وليس الصحفيين، الذى يفترض ان يقتصر دورهم على الاخبار والاعلام والتحليل. من حق الإعلامى أن يكتب أو يقول ما يشاء من آراء، طالما أنه يتحمل مسئوليتها، وتعبر عن رأيه. لكن عليه ألا يتورط ليصبح مسئولا حكوميا يتبنى وجهة نظر الحكومة ظالمة أو مظلومة. كتبت قبل ذلك ــ وأكرر اليوم ــ المثال الذى حدث عام ١٩٨٣ حينما قال الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، لبعض رؤساء تحرير الصحف المصرية: «أنصحكم لا تتورطوا فى سب الرؤساء والملوك العرب، لأنهم سيتصالحون إن آجلا أو عاجلا بسبب المصالح، وبالتالى عليكم أن تحافظوا على خط رجعة مع المصادر التى تتحدثون عنها». نصيحة عرفات ــ رحمه الله ــ كانت ذهبية، وبالطبع يتذكر بعضنا أن بعض صحفيين مصريين شنوا حملة شعواء على عرفات، حينما اختلف مع الرئيس الراحل أنور السادات عقب زيارة السادات للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧، لكن حسنى مبارك استقبله حينما طرده السوريون من لبنان وجاء لبورسعيد عبر البحر فيما سمى بالخروج الثانى من لبنان بعد خروج عام 1982 عقب الاجتياح الصهيونى. الوضع المثالى أن يعمل الإعلامى إعلاميا والسياسى سياسيا، لكن ما نشهده فى وطننا العربى ــ الذى كان كبيرا وصار مفتتا ــ أن الحابل اختلط بالنابل، وصارت الحدود متداخلة بين عمل الإعلامى والسياسى. بالطبع هناك أسباب كثيرة لهذه «اللخبطة» أهمها أن السياسة شبه ماتت فى المنطقة العربية، وعندما اختفى السياسيون وقادة الأحزاب والمجتمع المدنى فلم يعد هناك إلا الإعلاميون، الذين تحول بعضهم إلى زعماء سياسيين بالوكالة، وصار تأثيرهم أخطر كثيرا من كل السياسيين. لو أن كل إعلامى فكر للحظة واحدة أن السياسة متغيرة وغدارة، ما تورط فى أن يتخلى عن مهنته ويتحول إلى سياسى غير محترف على الاطلاق!! ما وقع فيه بعض الإعلاميين المصريين لم يكن قاصرا على الفريق المؤيد للحكومة، ولكن كان سافرا أيضا لدى الإعلاميين المنتمين لجماعة الإخوان أو المتعاطفين معهم. هؤلاء كانوا يدافعون دفاعا مستميتا عن حركة حماس باعتبارها «رمزا للمقاومة الشجاعة ضد مخططات الحصار من العدو والصديق»!! وعندما قامت مصر اخيرا بانجاز المصالحة بين فتح وحماس وزار وفد رسمى مصرى رفيع قطاع غزة، واجتمع مع قادة حماس الذين امتدحوا مصر ورئيسها، اصيب هذا التيار بالخرس أولا، ثم انتقدوا حماس ثانيا، لأن بعض سكان غزة رفعوا صورة عبدالفتاح السيسى. هؤلاء للأسف لم يكونوا ايضا إعلاميين بالمرة، بل كانوا نشطاء سياسيين فقط، ولا تشغلهم مصلحة الشعب الفلسطينى بقدر ما كانوا يهاجمون فقط سياسات الحكومة، حتى لو حققت انجازا فعليا بالمصالحة بين السلطة وحماس. لو أن قطر مثلا أو تركيا هى التى أنجزت المصالحة، فربما كان رأى هؤلاء مختلفا تماما!! وبالتالى علينا كإعلاميين وصحفيين أن نجتهد فى أن نكون مهنيين. ليس عيبا أن ننحاز ويكون لنا موقف، بل هذا هو الأساس، لكن شرط أن يكون موضوعيا ومبنيا على أسس ومعايير مبدئية ثابتة. وبالتالى يصبح لدينا خط رجعة ولا نتحول إلى أراجوزات فى نظر القراء والمشاهدين. هدانا الله جميعا إلى الطريق القويم!!
نقلا عن جريدة الشروق