شهوة الجنس والسلطة.. فيلم "نابليون" يرصد قصة الصعود السريع لإمبراطور فرنسا وسط جدل عالمي
على مدار شهرين متواصلين حقق الفيلم التاريخي الحربي "نابليون" ما يزيد عن 200 مليون دولار إيرادات حول العالم، ليصبح الفيلم الذي أخرجه العالمي "ريدلي سكوت" مثارا للجدل بين النقاد حول العالم، ومثارا للتنوع في الآراء حول جودة العمل إنتاجيا وإخراجيا، وبين الأخطاء التاريخية التي رصدها نقاد ومتخصصون.
يرصد الفيلم قصة حياة القائد الفرنسي نابليون بونابارت في ساعتين ونصف، ويلقي نظرة على القصة الحقيقية والشخصية لأصوله وتسلقه السريع إلى الإمبراطورية، ويأخذ الفيلم مسارين متوازيين، إذ يوضح الانتصارات العسكرية التي حققها، ويرصد بالتوازي علاقته المتقلبة بزوجته وحب حياته جوزفين.
تضارب آراء النقاد الأجانب حول فيلم "نابليون": وصفوه بـ"الكوميدي"
وتناولت وسائل الإعلام البريطانية فيلم "نابليون" واستقبلته بإشادة، إذ حصل الفيلم على تقييم من خمس نجوم في صحيفة الجارديان عن "مهمة سلاح الفرسان الممتعة للغاية في الفيلم"، وأربع نجوم في صحيفة التايمز عن "الملحمة التاريخية الرائعة" وفي مجلة "إمباير" عن "رؤية سكوت الفنية والمعقولة لنابليون".
غير أن النقاد الفرنسيين كانوا أقل إيجابية، فيما انتقد كاتب سيرة نابليون، باتريس غينيفي، في مجلة "لوبوان"، الفيلم واعتبره إعادة كتابة للتاريخ بطريقة "مناهضة للغاية لفرنسا وداعمة للغاية لبريطانيا".
وقال أحد النقاد والمراجعين السينمائيين لـمجلة GQ إن فيلم Napoleon جعلهم يشعرون بالملل، وأضاف أن هناك شيئًا «أخرق» لكنه «مضحك عن غير قصد» في رؤية الجنود الفرنسيين وهم يهتفون «تحيا فرنسا» بلهجات أمريكية.
إذ انقسمت آراء النقاد والجمهور حول العمل، إذ قال الناقد الفرنسي، لويس تشيلتون: هناك مسافة سخرية ونقد تمتد بين نابليون في شريط ريدلي سكوت وبين بونابرت التاريخإ إذ حقق نابليون التاريخي النصر، بينما أحدثت المعالجة السينمائية لقصة حياته الانقسام.
ووصفت الناقدة السينمائية في "اندبندنت" كلاريس لاغري فيلم "نابليون" بأنه "مملوء بالحماسة والمشهدية والرجولة" في مراجعتها التي أعطته أربع نجوم.
نقاد عرب: الأزمة في الأخطاء التاريخية والعمل جيد إخراجيا
فيما قال الناقد طارق الشناوي معلقا على فيلم "نابليون"، إن التوقع تجاوز بكثير سقف الواقع، متابعا: "في كل الأحوال لم أندم على نحو ساعتين ونصف الساعة، وأنا أشاهد هذه الملحمة التاريخية للمخرج الذي يقترب من التسعين من عمره، ولا يزال يملك كل مفردات لياقته الإبداعية رغم إنني كنت أترقب ما هو أبعد وأبدع".
وأردف الشناوي: "الشخصيات التي صارت بمثابة جزءا من تاريخ وثقافة العالم وقدمت بكل لغات وثقافات العالم في أعمال درامية متعددة تواجه دائما هذا الحاجز النفسي ولم يتمكّن ريدلي سكوت من عبور هذا الحاجز، المتمثل في ارتفاع خيال المشاهد عن الشريط الفني".
وأضاف: "رغم أن ريدلي سكوت كان حريصا أن يقدم لنا الإنسان نابليون بكل ضعفه أمام جوزفين المرأة التي كانت تحكم نابليون ومن خلاله تتحكم في العالم، وكالعادة هناك انتقادات بسبب أخطاء تاريخية منها معركة الأهرام والتي جرت رحاها في مصر، إلا أنه قال إنه يقدم رؤية بصرية وليست تاريخية".
بينما وصف الناقد محمود عبدالشكور الفيلم بـ "المزعج"، متابعًا: "هو خليط مزعج من الخفة والسذاجة والجدية والسخرية والإبهار البصري والتقني مع الطول المفرط في أكثر من ساعتين ونصف، ليس بالمعارك المتقنة وباذخة التكلفة ومتعددة الكاميرات يمكن أن تعيش الأفلام".
أما الناقد محمد رضا، قال: "خلال الأيام السبعة الأولى من بداية عروضه التجارية، بدأ المنقبون عن التاريخ وما هو صح وما هو خطأ بالكتابة عن تفاصيل لا أهمية لها في الواقع"، فمثلا قال أحدهم "حصانه المفضل كان أسود"، في حين قال آخر: "لم يكن موجودًا في باريس عندما أُعدمت الملكة أنطوانيت"، وأضاف أخر: "كان نابليون أكثر حيوية ونشاطًا مما ظهر عليه في الفيلم"، وطبعًا هناك موضوع قصف الأهرامات الذي لم يقع في الحقيقة، وإن وقع فإنه لم يهدم شيئًا منها.
وأردف محمد رضا أن هذا نقد انتقائي، والذين يكتبون لينتقدوا أن فيلم "نابليون" فيه أخطاء في التفاصيل التاريخية، ينكرون على الفيلم ومخرجه ريدلي سكوت، الرؤية السينمائية الشاملة التي عليها أن تتجاوز بعض الحقائق والتفاصيل لتحقق الهدف الذي ترجوه.
وأضاف الكاتب والناقد محمد رضا، أن هناك الكثير مما يُثير الإعجاب في هذا الفيلم مثل، التصاميم التاريخية وإدارة المعارك والتصوير بصفة عامّة، وحتى الطريقة المتحررة من التقليد التي قام بها خواكين فينكس لاعبًا شخصية نابليون.
مخرج الفيلم مدافعا عن رؤيته: هل عاصرتم فترة نابليون؟
من جانبه، تحدث المخرج العالمي ريدلي سكوت عن الفيلم في عدة صحف ومواقع عالمية، وقال إنه فيلم رائع للغاية، لأنني أظهرت نابليون محترم ومكروه ومحبوب، وهو أكثر شهرة من أي رجل أو زعيم أو سياسي في التاريخ.
ويضيف سكوت، أنه إذا طالت مدة عرض الفيلم عن ثلاث ساعات، فإنك ستشعر بـ "ألم في المقعدة" بعد نحو ساعتين، وهو شيء يراعيه باستمرار أثناء تحرير أفلامه، وذكر إنه يخطط لعرض نسخة مطولة من الفيلم على منصة Apple TVعندما يبدأ عرض فيلمه على منصات البث.
ويشير مخرج الفيلم، إلى أنه صور أحد أعظم انتصارات الإمبراطور نابليون، في معركة أوسترليتز عام 1805، التي شهدت استدراج الجيش الروسي إلى بحيرة جليدية، (وهو مشهد صُور في مطار خارج لندن)، قبل توجيه مدافعه نحوهم.
وقال سكوت عن هذا المشهد: "لقطة الزاوية المعاكسة (لقطة معاكسة للقطة السابقة لها بزاوية نحو 180 درجة) لمشهد لأشجار، وأثناء الاستعداد للمشاهد، قدمت الصور التي رسمتها إلى الفريق الفني الخاص بي، وبينما تنطلق قذائف المدفعية نحو الجليد، يغرق الجنود والخيول الملطخة بالدماء في مياه متجمدة، في مسعى يائس من أجل الفرار، إنه مشهد مثير. مشهد مرعب، ومشهد جميل أيضا.
وكشف "سكوت" أنه صُور فيلم "نابليون" في 61 يوما فقط، وقال: "إذا كنت تعرف أي شيء عن الأفلام، فتصويره كان ينبغي أن يستغرق 120 يوما".
و استعان سكوت في تصوير فيلم "نابليون"، بما يصل إلى 11 كاميرا في الوقت نفسه، وكان يتحكم في توجيهها من شاحنة مكيفة، وقال: "كنت جالسا في الداخل وأصرخ (أسرع!)".
ويقول سكوت إن الاستعانة بكل تلك الكاميرات التي تستخدم في التصوير من زوايا مختلفة "يحرر الممثل من الخروج عن المسار والارتجال" لأنك لا تحتاج إلى تكرار لقطات لا نهاية لها (وهو أمر "كارثي").
ويقول سكوت إنه جرى تأليف 10400 كتاب عن نابليون، "بمعدل كتاب كل أسبوع منذ وفاته"، وطرح سؤالا على النقاد الذين يقولون إن الفيلم ليس دقيقا من الناحية التاريخية، وقال: "هل عاصرتم الفترة؟، لم تعاصروها، إذن كيف عرفتم؟".
ويضيف مخرج الفيلم: "لعلها مبالغة أن يوصف "نابليون" بأنه فيلم كوميدي، ففي النهاية، لقد خصصت جزء كبير منه لسلسلة من مشاهد المعارك المروعة والعنيفة، والشخصية نفسها تدعونا إلى الاستمتاع بعيوبها، ومراقبتها وإدانتها والضحك عليها".
ويكمل سكوت: "الفيلم بمثابة تذكير جاد بكلفة غطرسة بونابرت المتمثلة في حياة نحو ثلاثة ملايين فرنسي، ويتمثل أحد أعظم إنجازات العمل في قدرته على الموازنة بين فظاعة إرث نابليون والطرافة المضحكة في شخصيته، ليست المشكلة في الكتابة السيئة، بل في استناد البعض إلى حجج سيئة في نقدهم للفيلم".
أحداث فيلم "نابليون"
تبدأ أحداث الفيلم بثورة فرنسا 1789، بعدما أصيب الفرنسيين بخيبة أمل كبيرة بسبب الكساد الاقتصادي الذي كانت تعيشة فرنسا في هذا التوقيت، مما دفع الفرنسيين إلى ثورة عارمة، قام مناهضوا الملكية على إثرها بسحق الملك لويس السادس عشر وأنصاره، ثم أعدموا "ماري أنطوانيت" أخر ملكة في فرنسا بقطع رأسها، لتبدأ مرحلة جديدة وتنتهي الملكية وتتحول فرنسا إلى جمهورية.
في هذه الأثناء كان نابليون بونابرت ضابط مدفعية يسعى إلى الترقية، وقد استحوذ الأسطول البريطاني أنذاك على ميناء "طولون"، وحاصر الأسطول الفرنسي، وهو ما جعل الملكيين يحاولون العودة للسلطة، فيسعى الجمهوريين إلى الاستعانة بخبرات نابليون العسكرية، ويكلفوه بوضع خطة عسكرية لاستعادة "طولون".
يذهب نابليون إلى المعسكر الفرنسي في ديسمبر 1793، فيجد الجنود والقادة محطمين نفسيا وغير مؤهلين لخوض الحرب، فيقوم بإعادة تأهيلهم ويضع خطة عسكرية تعتمد على عنصر المفاجأة والقوة النارية، تمكن الفرنسيين من السيطرة على المدافع الكبيرة واختراق القوات البريطانية، وينهي الحصار محققا انتصار عظيم، بعدما شارك بنفسه في القتال وسط الجنود والضباط، ليقوم أخيه لوسيان بونابرت، الذي كان ضمن حكومة المديرين أنذاك بترقيته إلى رتبة قائد لواء.
وفي يوليو 1794 تنتهي مملكة الترويع نهائيا، ويتم إطلاق سراح 41 ألف و500 سجين من أنصار الملكية، لتبدأ مرحلة جديدة في فرنسا.
وفي حفل أقيم خصيصا للاحتفال بالنصر الذي حققه نابليون، يلتقي لأول مره "روز" والتي أصبحت فيما بعد الإمبراطورة "جوزفين"، وخلال اللقاء في الحفل يتعلق بها، وتبدأ مرحلة جديدة في علاقته الغريبة بها إذ كانت تكبره بـ6 سنوات، وتشكل علاقة نابليون بزوجته جوزفين الخط الموازي في الفيلم لخط الانتصارات العسكرية.
يحاول الملكيين عمل إنقلاب جديد، وتبدأ الفوضى في شوارع فرنسا، ويستغلون كثرة عددهم الذي وصل إلى 20 ألف، في مواجهة القوات التي لم تتجاوز 4 ألاف فقط، فيلجأ "لوسيان" إلى نابليون مجددا لمواجهة الفوضى والسيطرة على الأمور، فيستغل نابليون الأمر، ويقبل المهمة بشروطه، والتي تتمثل في عدم التدخل نهائيا في قراراته، وأن يصبح القائد الأول للمهمة، ويواجه الانتفاضة الملكية في أكتوبر 1795، ويتمكن من القضاء عليها فعليا بعد قتل عدد كبير من الملكيين.
ثم يتزوج نابليون من ماري جوزيف روز تاتشر "جوزفين"، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته، وتتكشف للمشاهد شخصيته الحقيقية، إذ يظهر ضعفه الجنسي وعدم قدرته على الإنجاب، وهو ما يصيبه بإحباط شديد ويأس، برغم الانتصارات العسكرية التي كان يحققها.
يبدأ نابليون في حملاته العسكرية، ويحقق انتصارات متعددة ويذهب إلى مصر، ويراسل "جوزفين" راويا تفاصيل انتصاراته وتقدمه العسكري، معتبرا نفسه يسير على خطى الاسكندر الأكبر والقيصر، بعدما قام بغزو إيطاليا وكافة الأماكن التي كانت تتبع انجلترا أنذاك في امبراطوريتها الشرقية.
الغريب أن كل هذه الانتصارات لم يعتبرها نابليون انجازات في رسائله إلى جوزفين، لأنها كانت تفرقهما وتبعده عنها لفترات طويلة.
وخلال تواجده في مصر يكتشف نابليون أن زوجته "جوزفين" تخونه مع شاب، فيجهز إلى العودة من مصر، تاركا كليبر يتولى قيادة القوات بدلا منه، ويعود إلى فرنسا ليتأكد من خيانة زوجته التي تعترف له وتعتذر عن فعلتها، فيسامحها.
وعندما تقوم حكومة المديرين بالتحقيق معه بسبب ترك قواته في مصر، يسخر منهم جميعا، خاصة أن الأزمة الاقتصادية كانت تفرض نفسها على فرنسا، كما استولت النمسا وروسيا على إيطاليا، وقامت إنجلترا وروسيا باحتلال هولندا، حتى أن فرنسا نفسها كانت معرضة للغزو، ويبدي نابليون غضبه من التحقيق معه في ظل هذه الظروف، ويتهمهم بالفشل وعدم القدرة على إدارة الجمهورية، ويبلغهم أن سبب عودته اكتشافه خيانة زوجته في غيابه.
بعدها يحدث إنقلاب من داخل النظام الجمهوري، ويتم وضع السلطة في أيدي 3 قناصل فقط، على رأسهم نابليون، بعدما استغل نابليون قواته خلال مجلس المحلفين وفرض سيطرته بالقوة، ليتم تنصيبه قنصل أول لفرنسا ويستقبله الشعب استقبال أسطوري.
تتوالى الأحداث تباعا، ويسيطر طيلة الوقت على نابليون فكرة عدم قدرته على الإنجاب، فيطلق حب عمره "جوزفين" بعد 15 عاما من الزواج، ثم ينهزم نابليون في عدة معارك عسكرية تنتهي بعزله ونفيه إلى جزيرة صغيرة، ولكن يظل محتفظا بحبه إلى "جوزفين" التي كانت تستغل ضعفه جنسيا وولعه بها في فرض نفوذها عليه، إذ يظهر ضعيفا أمامها، وبعد وفاة "جوزفين" بفترة يموت نابليون في عزلته بالمنفى، وتنتهي قصة أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ.
وفاة 3 ملايين بسبب الحروب التي خاضها “نابليون”
ويرصد الفيلم في نهايته المأساوية، أعداد القتلى الذين ماتوا بسبب الحروب الفرنسية التي خاضها نابليون في الفترة من 1793 إلى 1815، إذ وصل عددهم إلى 3 ملايين قتيل على النحو التالي:
معركة طولون وفاة 6 ألاف
معركة مارينجو وفاة 12 ألف
معركة أسترليا وفاة 16 ألف و500
معركة بورردينو وفاة 71 ألف
معركة واتيرلو وفاة 47 ألف في يوم واحد
معارك روسيا وفاة 460 ألف
صناع عمل فيلم "نابليون" وأبطاله بالشخصيات
الفيلم ﺇﺧﺮاﺝ ريدلي سكوت، وتأليف ديفيد سكاربا، ومن إنتاج أمريكي، وقام ببطولته النجوم على النحو التالي: خواكين فينيكس (نابليون بونابرت)، فانيسا كيربي (جوزفين)، لوديفين سانيي (تيريزا كاباروس)، بن مايلز (كولانكور)، طاهر رحيم (بول باراس)، ماثيو نيدهام (لوسيان بونابرت)، بول ريز (تاليراند)، جون هولينجورث (المارشال ناي)، سكوت هاندي (مارشال)، يوسف قرقور (الجنرال دافوت)، جيفن سبوكس (موليناس)، هاري تاوراسي (لكومب)، جوناثان بارنويل (بورين)، إدوارد فيليبونات (القيصر ألكسندر)، فيل كورنيل (سانسون).