ما هو محور فيلادلفيا الذي تسعى إسرائيل السيطرة عليه؟
عاد محور فيلادلفيا الواقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة إلى الواجهة من جديد، بعد أن شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على ضرورة أن يكون المحور تحت سيطرة إسرائيل، معتبرًا أن أي ترتيب آخر لن يضمن عملية نزع السلاح في المنطقة، فما هو هذا المحور، ولماذا ترغب إسرائيل في السيطرة عليه؟.
المشهد: نتنياهو، قال في مؤتمر صحفي، السبت، إنه يتعين على إسرائيل أن تسيطر بشكل كامل على المحور لضمان نزع السلاح في المنطقة.
وأوضح أن محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه.
ومحور فيلادلفيا هو الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ويخضع حاليًا للسيطرة المصرية، وذلك بموجب معاهدة السلام الموقعة بين الطرفين عام 1979، وكذلك اتفاق أوسلو الثانية في عام 1995، إذ اتفق على بقاء المنطقة شريطًا آمنًا.
ويمثل هذا المحور منطقة عازلة ويخضع حاليًا للسيطرة المصرية الخالصة، لكنه كان قبل عام 2005 يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب من قطاع غزة، وذلك ضمن خطة فك الارتباط.
ولا يمكن لإسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، فالأمر مرتبط بمعاهدة سلام وبروتوكول ثانٍ بموجبه تنتشر القوات وفق أعداد معينة ونوعية أسلحة محددة، ولتنفيذ عملية في تلك المنطقة العازلة يجب موافقة طرفي المعاهدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في وقت سابق، إن مصر تضبط وتسيطر على حدودها بشكل كامل، وأن تلك المسائل تخضع لاتفاقيات قانونية وأمنية بين الدول المعنية، مشددًا على أن أي حديث في هذا الشأن يخضع للتدقيق ويتم الرد عليه بمواقف معلنة.
وأضاف أنه من غير المسموح لإسرائيل بالسيطرة على محور فيلادلفيا تحت ذريعة وقف تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، ضبط الحدود مسؤولية مصر واتفاق السلام تمنع تل أبيب من القيام بتحركات عسكرية في المنطقة.
ما المهم: تصر تل أبيب على السيطرة على محور فلادلفيا أو تنفيذ عملية عسكرية لتدمير الأنفاق أسفله ثم الانسحاب منه، بعد تركيب أنظمة إنذار ورادارات وأجهزة مراقبة وكاميرات مع مجسات ومعدات متطورة تمكن الجيش من ضبط محاولات حماس إعادة بناء أنفاق التهريب.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، لم يخض في تفاصيل السيطرة على الشريط الحدودي الاستراتيجي بين مصر وقطاع غزة، لكنه عبّر صراحة عن رغبة إسرائيل في احتلال محور فيلادلفيا، مؤكدا أنه من دون السيطرة على هذه المنطقة لا يمكن القضاء على حماس.
وقال نتنياهو إنه يجب أن يكون محور فيلادلفيا تحت سيطرة إسرائيلية، ولن نقبل أي خيار آخر، بات ذلك أحد أهداف الحرب، ونفكر في خيارات عدة من بينها نقل قوات إلى المحور، ولا نستطيع إنهاء الحرب حتى نغلقه، لأن بموجبه نضمن تجريد غزة من السلاح.
ما هو محور فيلادلفيا؟
بدأت عملية تقسيم وترسيم الحدود بين قطاع غزة ومصر، بعد معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979، وتنص على إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود، عُرفت باسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، والذي يمتد إلى نحو 14 كيلو مترًا، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة.
وقسّمت الاتفاقية حينها شبه جزيرة سيناء إلى 3 مناطق، كل منطقة يُسمح فيها بدرجة محددة من التسليح، والمنطقة الأولى أو A تحاذي خليج السويس غرب سيناء، والمنطقة الثانية B تقع وسط سيناء، والمنطقة الثالثة والأخيرة هي C وتقع شرق سيناء بمحاذاة الشريط الحدودي مع غزة، ويقتصر التواجد الأمني المصري فيها على قوة من الشرطة المدنية.
اتفاقية فيلادلفيا 2005
وسمح اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، بوجود قوة إسرائيلية محدودة لمراقبة الحدود في المنطقة D والتي تقع داخل قطاع غزة، وسيطرت حينها على معبر رفح البري من الجهة الفلسطينية حتى عام 2005، حين انسحبت إسرائيل من القطاع، ووقعت على اتفاق فيلادلفيا مع مصر، والذي حدد مهام كل طرف وأسلحته المسموح بها في المنطقة والتزاماته.
ويخضع اتفاق فيلادلفيا لأحكام معاهدة السلام، دون تعديل أو تنقيح، لكنه يتضمن، وفقًا لمادته الرابعة، تدابير أمنية إضافية من أجل تعزيز الترتيبات الأمنية الواردة في الملحق الأمني، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
تواجد مصري
ويسمح الاتفاق بوجود قوة حرس حدود مصرية، بدلًا من الشرطة قوامها 750 جنديًا، تحمل أسلحة خفيفة على طول المحور، وتنتشر على طول المنطقة الحدودية، ومعها متخصصون في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود ومنع عمليات التهريب، ويتحمل الطرفان مسؤولية مكافحة أنشطة التهريب والتسلل والإرهاب من أراضي أي من الدولتين.
جاء اتفاق فيلادلفيا بالتزامن مع انسحاب إسرائيل من المحور وقطاع غزة ككل في العام ذاته، وفق خطة إعادة الانتشار التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، أرئيل شارون.
وسحبت إسرائيل حينها قواتها التي تحتل القطاع، بالإضافة إلى آلاف المستوطنين اليهود، بشكل أحادي الجانب، وكانت إسرائيل تهدف من توقيع اتفاق فيلادلفيا إلى ضمان تأمين الحدود وعدم استغلاله للأنشطة العسكرية.
وبالتزامن مع الاتفاق، انتقلت إلى السلطة الفلسطينية عملية الإشراف على معبر رفح البري الحدودي مع مصر، واشترطت إسرائيل حينها وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
اتفاقية المعابر
ونص (الاتفاق بشأن الحركة والوصول) والمعروف اختصارًا بـ AMA، والتي وقع في 15 نوفمبر 2005، في وقت كانت السلطة الفلسطينية لا تزال تسيطر على قطاع غزة، على آلية لتشغيل معبر رفح بين الجانبين المصري والفلسطيني، على أن يكون الاتحاد الأوروبي، ممثلًا في بعثة حدودية، طرفًا ثالثًا يشرف على تطبيق والالتزام بالقواعد والآليات المعمول بها في الاتفاق.
ولكن بعد نحو شهرين فقط من تطبيق اتفاق فيلادلفيا، تبدّل الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة حماس عام 2006 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وطردت حركة فتح من الحكم.
وسيطرت الحركة حينها كليًا على القطاع بما فيها المنطقة الحدودية والمحور المحاذي لسيناء، ما تسبب في توقف العمل باتفاق AMA، وانسحاب الاتحاد الأوروبي من المعبر، في يونيو 2007، فسيطرت عليه الحركة أيضًا.
لماذا تريد إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا؟
الخلفيات والدوافع: على مدار سنوات حُفرت المئات من الأنفاق أسفل هذا الشريط الحدودي، خاصة مع تضييق الخناق على القطاع المحاصر الذي يحيط به البحر شمالا وإسرائيل شرقا وجنوبا، ومصر غربا.
مع اشتداد الحصار الإسرائيلي لسنوات على غزة، مثلت هذه الأنفاق شريان حياة لسكان القطاع الذين يقدرون بنحو 2.3 مليون نسمة، والتي لعبت دورًا بارزًا في اقتصاد غزة، إذ استخدمتها في جلب عدد كبير من السلع بينها المواد الغذائية والوقود ومواد البناء.
رسخت القدرات العسكرية للجناح العسكري لحركة حماس خلال الحرب القائمة، للقناعة الإسرائيلية التي ترى أن ثمة أنفاقا، لاتزال قائمة تحت هذا الممر الشائك.
وتتهم إسرائيل الحركة بتعمد حفر أنفاق ووضع بنية تحتية عسكرية أخرى بين المدنيين واستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وبعد 30 يونيو 2013، شنت مصر حملة عسكرية شاملة، ضد العناصر الإرهابية في شبه جزيرة سيناء على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد، شملت كذلك تدمير الأنفاق التي ربطت بين قطاع غزة ومصر، بهدف منع تسلل المسلحين والمتطرفين إلى أراضيها.
ومنذ ذلك، اختلفت ملامح هذا الشريط الحدودي؛ على الجانب الفلسطيني جرفت حركة حماس مناطق حدودية، ونصبت أسلاكا شائكة، فيما بنت مصر جدارا فولاذيا، وأزالت منازل ومزارع بمدينة رفح المصرية وقراها، لإقامة منطقة حدودية عازلة تمتد لنحو خمسة كيلومترات إلى العمق في سيناء.
وقال اللواء سمير فرج الخبير الاستراتيجي، إن المحور منطقة عازلة ويتواجد فيها 240 جنديًا يتحركون في دوريات لمنع أعمال التهريب سواء المخدرات أو السلاح.
وأكد فرج أنه كان هناك أنفاق في المنطقة في أوقات سابقة وتم إزالتها بعد 30 يونيو، مشيراً إلى أنه عدم وجود أنفاق هو أمر في مصلحة الأمن القومي المصري.
معبر رفح
بوابة رئيسية واحدة على طول هذا الشريط الحدودي بين الجانبين الفلسطيني والمصري، وهي معبر رفح البري، الذي يمثّل المنفذ الرئيسي والوحيد المتبقي للغزيّين على العالم الخارجي، لا سيما بعد أن أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية جميع المنافذ الستة بين قطاع غزة وجنوبي إسرائيل منذ بدء الحرب إلى أن أعلنت تل أبيب فتح معبر كرم أبو سالم لدخول المساعدات إلى القطاع بعد أكثر من سبعين يومًا على إغلاقه.
ما التالي: العودة الإسرائيلية للسيطرة على الجانب الفلسطيني من محور فيلادلفيا وإن كانت مرهونة بانتصارها في الحرب القائمة، إلا أنها تستوجب كذلك تنسيقا أمنيا مع مصر، كما يقول سمير غطاس رئيس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، ورد ذكر محور فيلادلفيا في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، بهدف معلن هو القضاء على حركة حماس.
ويعتبر غطاس أن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا سيطبق أسوار السجن المفتوح في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه، في نهاية المطاف.
ويرى مراقبون أن سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا، تتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام، مماثل للذي تم إقراره عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة.
الموقف المصري
الموقف المصري لم يُعلن رسميا من تلك الخطط الإسرائيلية، إلا أن تلفزيون القاهرة الإخبارية نقل عن مصادر مصرية وصفها بأنها رفيعة المستوى نفيها لتقارير إسرائيلية عن موافقة مصر على مقترح يسمح لإسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا.
وأشارت المصادر إلى أن المقترح المزعوم يسمح لإسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا مقابل إشراك السلطة الفلسطينية في خطة اليوم التالي للحرب.
لكن المصادر أكدت على أن مثل هذه الأكاذيب الإعلامية أصبحت طقسًا يوميًا يستهدف صرف الانتباه عن المواقف المصرية المعلنة بضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة.
وكان مصدر أمني مصري مسؤول قال لوكالة أنباء العالم العربي AWP، الإثنين، إن مصر لن تسمح لإسرائيل بالسيطرة على محور صلاح الدين المعروف باسم محور فيلادلفيا تحت ذريعة وقف تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وإن بلاده قادرة على ضبط حدودها مع غزة بشكل كامل.
وأضاف المصدر أن ضبط الحدود مع قطاع غزة هو مسؤولية مصر، واتفاقية السلام تمنع إسرائيل من القيام بتحركات عسكرية في محور فيلادلفيا ومصر لن تسمح بذلك.
وشدد المصدر على أن حدود مصر خط أحمر، ولن تسمح لأي طرف بالعبث بها أو القيام بأي نشاطات غير قانونية من خلالها.
تصفية القضية الفلسطينية
ويرى خالد عكاشة المدير العام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الإدارة المصرية الحالية لن تسمح بأن يكون محور فيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية.
ويفسر عكاشة ذلك، بأن انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى إسرائيل يعني السيطرة على معبر رفح الذي يُعد حاليا المنفذ الوحيد إلى القطاع الذي يقع خارج سيطرة إسرائيل، بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق على الفلسطينيين.
وتشترك مصر في حدود يبلغ طولها 13 كيلومترًا مع غزة، وهي الحدود الوحيدة للقطاع التي لا تسيطر عليها إسرائيل مباشرة.