هل تنقذ مجموعة "البريكس" الاقتصادات المتعثرة؟
عندما صاغ الخبير الاقتصادي جيم أونيل، الذي كان يعمل آنذاك في مجموعة جولدمان ساكس، مصطلح "بريك" في عام 2001 للفت الانتباه إلى معدلات النمو القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين، مشيرًا إلى الدول المذكورة بالأحرف الأولى، ربما توقع القليلون أن هذا المصطلح سيكون كلمة ذات ثقل من شأنها أن تساهم في تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة كومن سبيس، المتخصصة في الشؤون الجيوسياسية، في عام 2010، تحولت البريك إلى البريكس بعد انضمام جنوب أفريقيا إلى الكتلة، ولكن حتى ذلك الحين، كان الكثيرون متشككين في أن مجموعة من هذه البلدان المتنوعة يمكن أن تلعب دورا مفيدا في السياسة العالمية.
ومع ذلك، مع تحويل الصين نفسها إلى قوة اقتصادية عالمية ذات ثقل، ووصول العلاقات بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة نتيجة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبدأ العلماء والخبراء والسياسيون في مناقشة ظهور هذه الظاهرة التي تشير إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، واعتبار مجموعة البريكس إحدى ركائزه.
ووفقًا للتقرير، كان المَعْلَم التالي في تطور مجموعة البريكس هو قمة عام 2023 في جنوب أفريقيا، عندما تمت دعوة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتصبح أعضاء في المجموعة اعتبارًا من 1 يناير 2024، وقام الرئيس الأرجنتيني المنتخب حديثًا، خافيير مايلي، بسحب بلاده من الانضمام المخطط له إلى مجموعة البريكس، لكن الوافدين الجدد الآخرين أصبحوا رسميًا أعضاء في المنظمة في 1 يناير 2024.
وأشار التقرير إلى أن عضوية إيران في مجموعة البريكس أوصلت المنظمة إلى عتبة أرمينيا، الخارجة للتو من الحرب في ناجورنو كاراباخ عام 2020، ويبدو أن كافة الدول المنضمة إلى بريكس تحتاج إلى إجراءات سريعة لإنقاذها من الظروف الاقتصادية الصعبة بشكل خاص.
ولفت تقرير لمعهد الشرق الأوسط، في واشنطن، إلى أنه على الرغم من أن الانضمام إلى البريكس يمثل احتمالا اقتصاديا مثيرا للعديد من الحكومات، فإن إضافة دول أعضاء جديدة لم تكن خالية من الجدل وفي مصر، أثارت أنباء انضمام البلاد إلى هذه المؤسسة جدلًا إعلاميًا داخليًا ساخنًا حول جدوى هذه الخطوة وتأثيرها على الأوضاع الاقتصادية في مصر.
في 24 أغسطس، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا خلال قمة البريكس في جوهانسبرج أن مصر - إلى جانب إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإثيوبيا - من المقرر أن تنضم إلى الكتلة اعتبارًا من عام 2024 وجاء هذا الإعلان في وقت سابق من هذا الشهر. في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية حادة تتمثل في ديون خارجية ثقيلة، وتضخم غير مسبوق، وعجز مزمن في الميزان التجاري وفي أعقاب القرار، تساءل المصريون عما يعنيه الانضمام للكتلة للبلاد من عدة زوايا.
وتضم مجموعة البريكس بعض الاقتصادات الكبرى في العالم؛ وتشمل عضويتها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ويمثل هذا التجمع نحو 30 بالمئة من الاقتصاد العالمي و43 من سكان العالم. ومما يشكل أهمية خاصة للاقتصاد المصري المتعطش للقمح أن هذه البلدان تنتج أكثر من ثلث الحبوب في العالم.
ومن خلال إنشاء هذه الكتلة الاقتصادية، سعت الدول المؤسسة إلى تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والسياسية والأمنية التي من شأنها تشجيع التعاون الاقتصادي.
بشكل منفصل، سعى أعضاء البريكس إلى إنشاء نظام اقتصادي عالمي موازٍ قادر على كسر هيمنة الدولار الأمريكي بحلول عام 2050.
ومع ذلك، فإن المبادرة الطموحة تعاني من عدة قيود، بما في ذلك الانقسام بين أعضائها والافتقار إلى الهياكل المؤسسية لتنفيذ أهدافها ويُعَد بنك التنمية الجديد التابع للكتلة أحد الأمثلة على القيود المفروضة على مجموعة البريكس. وفي عام 2015، أنشأت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد، وهو مؤسسة مالية متعددة الأطراف أنشئت بمساهمة من دول البريكس الرئيسية (الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا). وبرأس مال أولي قدره 100 مليار دولار، ويهدف البنك إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول البريكس وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية لكسر هيمنة البنك الدولي. وقد ثبت أن القول أسهل من الفعل. وفي السنوات التي أعقبت تأسيسه، أصبح بنك التنمية الجديد غير قادر على تقديم قروض جديدة، حيث يواجه تحديات في جمع الأموال لسداد ديونه.
علاوة على ذلك، لجأ بنك التنمية الجديد إلى اقتراض المليارات من العملات المقومة بالدولار، وهو القرار الذي لا يفعل الكثير لتحدي هيمنة الدولار الأمريكي على المستوى الدولي. ودفع هذا الوضع البنك إلى البحث عن أعضاء جدد مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمعالجة مشاكله المالية.