الرؤساء والفنانون.. اضطهاد ناصر لـ محمد فوزي بسبب علاقته بنجيب (2-6)
كشفنا خلال الحلقة الأولى عن علاقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعالم الفن، وكواليس علاقته بعدد من الفنانين، أبرزهم "كوكب الشرق" أم كلثوم، و"العندليب" عبدالحليم حافظ، وأخرون، منهم على سبيل المثال إسماعيل ياسين وفريد شوقي.
خلال هذه الحلقة من سلسلة "علاقة الرؤساء بالفنانين"، نرصد كواليس علاقة جمال عبدالناصر بالفنان الراحل محمد فوزي، وأسرار اضطهاد نظام ناصر له، ونكشف هل كان عبدالناصر على علم بما جرى مع الفنان محمد فوزي أم لا؟، وتفاصيل أخرى كثيرة، أبرزها حماية نفس نظام عبدالناصر لأم كلثوم وعبدالوهاب وأخرون، بسبب علاقتهم القوية برجال النظام آنذاك.
هل اضطهد نظام عبدالناصر الفنان محمد فوزي بسبب علاقته القوية بمحمد نجيب!
يرى المؤرخ والناقد السينمائي المصري أشرف غريب في كتابه "محمد فوزي.. الوثائق الخاصة"، أن نظام الرئيس جمال عبدالناصر اضطهد محمد فوزي تحديدا خلال فترة حكمه، ويكشف غريب عن أنه رغم أن فوزي "لم يكن حتى من هواة الكلام في السياسة، فإنها أحرقته، ولم يدرك ذلك إلا متأخرا".
ويكشف غريب في كتابه السابق ذكره، أن الأزمة تتلخص في علاقة الصداقة التي جمعت محمد فوزي باللواء محمد نجيب، فاعتبر أنصار عبدالناصر في مجلس قيادة الثورة أن "فوزي" خصما لـ "ناصر"، وهنا بدأت الأزمات تحيط بالفنان الكبير، إذ يقول غريب في كتابه: "لا يبدو أن فوزي، تحديدا، قرأ المشهد السياسي جيدا، فهو لم يدرك لا موازين القوى في اللحظة التالية لقيام الثورة، ولا إلى أين تتجه هذه الموازين في المستقبل القريب، فراح يدفع نفسه إلى مقدمة الصورة في كل المشاريع القومية التي قادها محمد نجيب".
يعتقد "غريب"، أنه لو كان فوزي قد أدرك جيدا المشهد، كما فعلت أم كلثوم، لربما كان قد تجنب كثيرا مما وقع له لاحقا، ولأنه لم يدرك المشهد جيدا أو ربما لم يكن يعبأ، فإنه ظل على تأييده للواء نجيب، الذي نشأت علاقة صداقة قوية بينهما، بسبب اقتناع فوزي بالعهد الجديد ورموزه والالتحام بالمشاريع الوطنية الأولى التى نادى بها ودعمها نجيب.
و برغم أن محمد فوزي شارك في تدشين الكثير من المشروعات الخيرية والخدمية في أنحاء مصر بعد الثورة، ورغم أنه لم يكن من هواة الحديث فى السياسة، فإنه لم يتخلف مرة عن اللقاءات التي كان يجريها اللواء محمد نجيب مع رجال الفن.
يبرهن الكتاب على أن النفوذ السياسي للفنانين المصريين في هذه المرحلة وفر الحماية لمصالحهم، ويكشف عن وثيقة تؤكد، أنه بفضل العلاقات السياسية سعى الفنان محمد عبد الوهاب لدى الملك عبد العزيز آل سعود، ليتدخل لدى قيادة الثورة عام 1953 لتغض الطرف عن ثروته وثروة أم كلثوم، أي يستثنيهما من قرارات مصادرة الأموال والممتلكات.
في عام 1961 مارس نظام عبد الناصر تضييقا واضحا على فوزي، كما يقول الكتاب، وأحد أهم مظاهر هذا التضييق هو "فرض الحراسة" على موزع أفلامه الوحيد في الداخل "شركة منتخبات بهنا فيلم - بهنا إخوان" - بمقريها في القاهرة والإسكندرية، وهي السابقة الأولى لتظبيق فرض الحراسة في الحياة الفنية المصرية.
هل استفاد عبدالوهاب وعبدالحليم في شركة “صوت الفن” من تأميم “مصر فون”!
سبب ذلك تعطل محمد فوزي داخليا وخارجيا في تمويل وتوزيع أفلامه، التي كان قد انتهى من تصويرها بالفعل، بعدها استولت الدولة على شركة "مصر فون" لصاحبها محمد فوزي دون شركة "صوت الفن" لصاحبيها عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، لتبقى "صوت الفن" وحدها تقريبا بلا منافس في سوق الإنتاج الغنائي.
يستغرب مؤلف الكتاب هذا الموقف، قائلا: "إن الفنان الراحل كان مؤيدا لثورة 23 يوليو ولأفكارها، لكن مشكلته أنه "كان يغني للثورة وليس للثوار"، ويشير إلى أنه رغم علاقة فوزي القوية بنجيب، فإنه لم يتوقف عن الغناء للثورة لا للأشخاص بعد عزل نجيب، ولم يترك حدثا وطنيا كبيرا إلا وغنى له، كذلك تغنى بالاشتراكية والعدالة وحقوق العمال وبكل مكاسب الثورة المصرية في أكثر من أغنية وطنية.
وبرغم أن محمد فوزي لم يغفل في غنائه التوجه القومي الذى انتهجه عبد الناصر، فغنى للكثير من الدول العربية، لوحدة مصر والسودان غنى "يا وادى النيل يا غالي"، وللعراق غنى "تحية يا ابنة الرشيد"، ولثورة اليمن أنشد "الشعب لازم ينتصر" ولمشروع الوحدة بين مصر وسوريا والعراق سنة 1963 غنى "علم الثوار"، وحتى لأفريقيا غنى "أفريقيا شعبك حر"، كما ساهم في جمع التبرعات لدعم مشروعات ناصر الداخلية، وعلى سبيل المثال تزعم فوزي، أثناء رئاسته لجمعية المؤلفين والملحنين، حملة لجمع التبرعات من جانب أعضاء الجمعية لصالح إعادة إعمار مدينة بور سعيد بعد العدوان الثلاثي سنة 1956، وقام مع وفد الجمعية بتسليم الرئيس عبد الناصر شخصيا هذه التبرعات، وذلك في اللقاء الوحيد تقريبا الذى جمعه بالرئيس المصري، دون أن يتوقف عن المشاركة بالغناء في الحفلات العامة التي ترتبط بمناسبات رسمية، إلا أن كل هذا لم يحميه من التعرض للاضطهاد.
تحية كاريوكا كشفت عن تهديدات تلقتها من شعراوي جمعة لعدم التدخل في أزمة محمد فوزي
في رواية للفنانة الراحلة تحية كاريوكا نشرها كاتب صحفي، كشفت أنها تلقت تهديدات صريحة من شعراوي جمعة، وزير داخلية نظام عبد الناصر، بأن تكف عن الكلام في موضوع علاج محمد فوزي ومطالبتها الدولة بأن تتحمل النفقات.
كما أن أم كلثوم تدخلت، حسب رواية تحية كاريوكا، لدى عبد الناصر وأقنعته، رغم محاولات سامي شرف قطع الطريق عليها، بإصدار قرار بسفر فوزي للعلاج بأمريكا، وصدر القرار في 9 ديسمبر عام 1965، أي بعد نحو أربع سنوات من بداية خطوات تأميم كل ممتلكات محمد فوزى ودخوله في دوامة المرض.
وبعد نحو 11 شهرا، توفي الفنان ذو الشعبية الكبيرة عن 48 عاما، وشارك عشرات الألوف في الجنازة، حتى أن عبد القادر حاتم وزير الإرشاد القومي أنذاك، والذى ماطل طويلا في علاج محمد فوزي على نفقة الدولة كان على رأس المشيعين.
لم يجزم المؤلف ولا غيره بأي تأكيدات تفييد بعلم الزعيم الراحل باضطهاد محمد فوزي، خاصة بعد الاهتمام الرسمي بتشييع جثمان فوزي رغم ما فعله النظام به.
و ترجح أغلب الروايات والكتب أن هناك وجود علاقة بين اضطهاد النظام لفوزي وبين تأميم ممتلكات ومرضه، إذ قالت زوجته كريمة، في مقابلة صحفية نشرت بعد وفاته بسنوات طويلة، إنه بعد التأميم لم يعد فوزي هو ذلك الرجل الذي تعرفه، فقد دخل فى حالة اكتئاب دائم حتى وإن حاولت روحه المرحة التغلب على ذلك الاكتئاب، وبدأ ينعكس هذا على حالته الصحية وشهيته للطعام، ومن ثم دخوله فى دوامة المرض اللعين (السرطان).
في الحلقة القادمة: السادات.. أكثر الرؤساء تفاعلا مع الفن والفنانين