عودة قوية لظهور القضية الفلسطينية على مسرح السياسة العالمية
أعادت أحداث الشهرين الماضيين القضية الفلسطينية إلى الصفحات الأولى لأهم الصحف والمجلات وإلى العناوين االرئيسية بكافة المواقع الإخبارية، قد تطلب الأمر مستوى عير مسبوق من العنف الانتقامي الجماعي الذي تورط فيه جيش الاحتلال لجذب انتباه العالم إلى الوضع الراهن المتدهور والعنيف بالفعل، على الرغم من أن النشطاء ودعاة السلام ظلوا يدقون ناقوس الخطر منذ سنوات دون جدوى.
وفي تحليل نشره موقع مجلة يورآسيا ريفيو، تعتقد الدكتورة دانا الكرد، أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة ريتشموند وزميلة المركز العربي بواشنطن ومؤلفة كتاب "الاستقطاب والتسريح: إرث الاستبداد في فلسطين"، أن حكومة الولايات المتحدة على وجه الخصوص وجدت نفسها تتفاعل مع حالة كانت تحاول جاهدة تجاهلها، وإمالة رأسها وعينيها إلى الناحية الأخرى لكي لا تراها، والآن، تخصص واشنطن الوقت والموارد على حساب المصالح الأمريكية الأخرى مثل أوكرانيا.
وأشارت الكرد إلى أن احتضان إدارة بايدن ودعمها لإسرائيل جاء على حساب حلفاء مثل أوكرانيا، فأصبحت كييف عالقة في حربها الخاصة، وهو دعم في غير محله إذ أنه لا يلحق أضرارا بالغة بمكانة أمريكا في جميع أنحاء الجنوب العالمي فحسب، بل أثبت أيضا أنه نعمة لأعداء أمريكا الذين تمكنوا من تلميع صورتهم دون تكلفة كبيرة وكشفت هذه الديناميكية عن المستوى الذي لم يصل إليه صناع السياسة الأمريكيون في صياغة أي أفكار جديدة أو حتى استيعاب دروس الماضي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين.
ونتيجة لذلك، ظلت السياسة الخارجية الأميركية، بل والخطاب برمته حول "ما يجب أن يحدث بعد ذلك" بالنسبة للفلسطينيين، بعيدًا عن الواقع، ونجم عن ذلك عدم رغبة في التعامل مع القضايا التي تكمن في جوهر العنف الدائر في غزة وسيكون لهذا تأثير سلبي عميق سيتردد صداه خارج فلسطين.
لسنوات عديدة، لم يلق التعبير عن فكرة أن القضية الفلسطينية مهمة سوى آذانًا صماء ولكن الحقيقة هي أن القضية الفلسطينية وافتقارها إلى الحل يرتبطان بمجموعة واسعة من الديناميكيات المثيرة للقلق ولا يشمل هذا تصعيد الصراع واستخدام أساليب جديدة للعنف فحسب، بل يشمل حتى تآكل فكرة النظام الدولي الليبرالي.
وتعتقد دانا الكرد أن الأمر ببساطة يتلخص في أن صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة يتجاهلون المكون الفلسطيني لأزمة الشرق الأوسط على نحو يعرض مصالح أمريكا ذاتها للخطر.
ظلت القضية الفلسطينية مثار اهتمام منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وجه الخصوص، وتاريخيًا، ولّد النشاط المؤيد للفلسطينيين نشاطًا سياسيًا، والأهم من ذلك، معارضة قوية في العديد من الدول، وفي التصعيد الأخير للعنف، عادت تلك الظاهرة مرة أخرى واندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء المنطقة مع بداية الحرب على غزة، وكان على الأنظمة أن تلعب لعبة توازن دقيقة للغاية لتهدئة الغضب الشعبي مع تجنب التوترات مع الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن الدعم الأمريكي الساحق لحرب إسرائيل يعزز نتائج استطلاعات الرأي في العالم العربي منذ فترة طويلة أن أميركا يُنظر إليها باعتبارها مصدرًا رئيسيًا لانعدام الأمن في المنطقة (في المرتبة الثانية بعد دولة الاحتلال ولا يمكن للأحداث الأخيرة إلا أن تؤدي إلى تفاقم هذا التصور وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ونفوذها في المنطقة، وهو ما أكده بالفعل مسؤولو وزارة الخارجية.
فضلًا عن ذلك، فإن استمرار الحرب الانتقامية في غزة ـ وعدم فعالية المجتمع الدولي في وقفها ـ تشير إلى اتجاهات مثيرة للقلق إلى حد لا يصدق ليس فقط فيما يتصل بنطاق الحرب التي سوف يتم التسامح معها في المستقبل، بل وأيضًا فيما يتصل بالتسامح مع أساليب بشعة تستخدمها قوات الاحتلال وكما يظهر تقرير صادر عن مجلة +972 وLocal Call، استخدم الجيش الإسرائيلي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي "لإنشاء أهداف" على نطاق واسع وقد أدى هذا إلى تسريع مستوى الدمار في غزة، وسمح لجيش الاحتلال بتجاهل القيود السابقة على المستوى المقبول للوفيات بين المدنيين في إجراءات العمليات الخاصة به والنتيجة هي، كما قال الكاتب والصحفي الأمريكي سبنسر أكرمان، أن السلوك الإسرائيلي في غزة يُظهر أن حرب الذكاء الاصطناعي ستمكن من نشوب حروب واسعة النطاق، بدلًا من الحروب الدقيقة الخاطفة.
تحولت الجهات الفاعلة الإقليمية بعيدًا عن الولايات المتحدة إلى دول مثل روسيا والصين بسهولة أكبر نتيجة لأعمال العنف الأخيرة. زار مسؤولو حماس موسكو في الأيام الأولى من الحرب، بينما سافر مسؤولون عرب من المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية إلى الصين لمناقشة كيف يمكن لبكين المساعدة في إنهاء الحرب ولعب دور أكبر في الوساطة في المستقبل ونظرًا لدور أمريكا في الحرب إلى جانب الاحتلال، ومدى دعمها للإجراءات التي ينفذها الاحتلال، فإن التحول إلى جهات فاعلة غير أمريكية وغير غربية يُنظر إليه على أنه معقول تمامًا من المنظور العربي.