هل يستطيع المجتمع الدولي تنسيق جهوده والتوصل لمواقف موحدة حيال الأزمات الكبرى في 2024؟
علق مارك مالوك براون، نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة على آفاق وآمال وتوقعات العام المقبل 2024، وما إذا كان المجتمع الدولي سيكون قادرًا على حشد ردود فعل واستجابات منسقة وموحدة للمشاكل العالمية المشتركة من خلال هيئات صنع القرار الجماعية مثل الأمم المتحدة وسط انتشار الحروب والصراعات والأزمات الأخرى، وأكد براون أن المخاطر في ظل المعطيات الراهنة قد تكون أعلى من أي وقت مضى.
وقال براون: "لكي نلقي نظرة على نوع الضغوط التي ستواجهها العديد من البلدان في عام 2024، فمن المفيد أن نركز على التحديات التي تواجه دولة واحدة ولنتأمل هنا تجربة مصر الأخيرة.
عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، أدت الزيادة العالمية الحادة في أسعار الحبوب والأسمدة إلى تعطيل الاقتصاد المصري، الذي أنهكته بالفعل جائحة كوفيد-19، ونقص المياه، والديون.
ثم جاء انسحاب روسيا من الصفقة التي توسطت فيها تركيا للسماح بصادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى وبحلول الوقت الذي شنت فيه حماس هجومها المباغت في السابع من أكتوبر، كان معدل التضخم السنوي في مصر يقترب من 40% ومنذ ذلك الحين، فإن الأعمال الانتقامية الإسرائيلية والإصابات غير المسبوقة التي تسببت فيها بين الفلسطينيين المدنيين في غزة تعني أن مصر أصبحت على الخط الأمامي لأزمة أمنية وإنسانية جديدة.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنه في الأول من يناير 2024، ستنضم مصر وهي الركيزة الإقليمية طويلة الأمد للنظام الأمني الذي يقوده الغرب إلى مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
ويعتقد براون أن مصر كإحدى دراسات الحالة المهمة ينبغي أن تحررنا من وهم سوء الفهم المستمر للعالم اليوم ولا يمكن فصل الحروب في أوكرانيا وغزة عن "الأزمة المتعددة" الأوسع وإعادة توجيه القوة العالمية.
وأشار براون إلى أن الاضطرابات الاقتصادية المرتبطة بالمناخ والتي تؤثر بشدة على الدول غير الغربية مثل مصر لا يمكن فصلها عن تراجع نفوذ المؤسسات المتعددة الأطراف في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة الأمم المتحدة.
والأمر الأكثر أهمية في العام المقبل هو ما إذا كان من الممكن معالجة القضايا العالمية في وقت واحد وفي انسجام تام ــ كما يجب أن يكون الحال إذا كنا راغبين في التوصل إلى حلول عملية.
وبالنسبة لـ براون، كانت الطبيعة المترابطة لأزمات اليوم واضحة في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي وهناك، أدركت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون أنه من أجل الحصول على إصغاء أوسع من "الجنوب العالمي"، يتعين عليهم أن يفعلوا شيئا حيال الاضطرابات الاقتصادية والمناخية الحالية، وعدم المساواة العالمية، والإخفاقات الأوسع نطاقا للأمم المتحدة والنظام الدولي.
وكما اعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس نفسه، “لا يمكننا معالجة المشاكل بشكل فعال إذا كانت المؤسسات لا تعكس العالم كما هو وبدلًا من حل المشاكل، فإنهم يخاطرون بأن يصبحوا جزءًا من المشكلة”.
لقد مهدت هذه التحولات الطريق لإصلاحات مختلفة وعلى سبيل المثال، بدا الأمر وكأن المقترحات الرامية إلى تعزيز السلطة المالية وحقوق الملكية التمثيلية لبنوك التنمية المتعددة الأطراف اكتسبت زخمًا في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراكش في أكتوبر وجعل منظومة الأمم المتحدة أكثر استجابة للدول الأعضاء وأكثر قدرة على أخذ زمام المبادرة، هناك قاعدة جديدة تسمح بإجراء مناقشة كاملة في الجمعية العامة كلما استخدم عضو دائم في مجلس الأمن حق النقض.
ولكن الإصلاحات يجب أن تكون أكثر طموحًا من هذا لدفع النظام الفاشل إلى مسار أفضل، كما يقول براون ويتعين على الدول الغربية أن تدرك أن من مصلحتها أن تذهب إلى أبعد من الحدود الراهنة.
وأضاف براون: "بينما أكتب هذه السطور، يبدو أن دعم الغرب للأعمال الانتقامية الإسرائيلية في غزة يؤدي إلى دق إسفين أعمق بين "الغرب وبقية العالم"، الأمر الذي يغذي الاتهامات المتجددة بالمعايير المزدوجة وأصبحت الحاجة إلى التزامات غربية قوية لدعم إصلاح الحوكمة العالمية أكثر إلحاحا الآن مما كانت عليه في بداية عام 2023".
ويرى براون ثلاثة سيناريوهات محتملة لعام 2024: ففي السيناريو الأكثر كآبة ــ وربما الأكثر ترجيحا ــ لن يتم إحراز أي تقدم كبير على مسار إصلاح نظام الأمم المتحدة أو بنوك التنمية المتعددة الأطراف، لأن الصراعات العالمية المتعمقة من شأنها أن تجعل مثل هذه النتائج مستحيلة من الناحية العملية وسوف ينهي الغرب هذا العام وهو أكثر عزلة عن بقية العالم، وسوف يبدو النظام الدولي أكثر ابتعادًا عما يريده الناس في مختلف أنحاء العالم منه.
وكشف استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسات المجتمع المفتوح عبر مجموعة تمثيلية تتألف من 30 دولة أن أغلبية واضحة تعتقد أن البلدان ذات الدخل المنخفض يجب أن تحظى بحصة أكبر في صنع القرار العالمي (61%)، وأن الدول الغنية يجب أن تقدم المزيد من الأموال للبنك الدولي (61%).
وبدلا من ذلك، قد يجلب عام 2024 تقدما حقيقيا على مسار إصلاح بنوك التنمية المتعددة الأطراف ــ مع زيادة رأس المال، وتحسين آليات تسوية الديون، وإصلاحات الحصص ــ ولكن من دون تحسينات في النمو.
ولكن لم يحدث أي تحسن في الأمم المتحدة ويتوقف هذا السيناريو أيضًا على أحداث أوسع نطاقًا بين المذبحة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وقيام دولة عضو دائمة في مجلس الأمن بشن حرب عدوانية ضد جارتها، وهناك أسباب كافية للشك في إمكانية التوصل إلى الإجماع بشأن إصلاح الأمم المتحدة.
ولكن هذا السيناريو سيكون أيضًا بمثابة شهادة إضافية على فقدان النظام العالمي لنفوذه على نطاق أوسع وتتحول البلدان على نحو متزايد إلى منتديات أخرى، مثل مجموعة العشرين، أو مجموعة البريكس، أو تحالفات أصغر تتمحور حول موضوعات أو مصالح محددة وليس المقصود من معظم هذه العناصر أن تكون مكملة للأمم المتحدة، بل أن تكون بديلًا لها.
ومع ذلك، لا يزال من الممكن أن يحقق العام المقبل بعض التقدم المتواضع على الجبهتين في عالم مستقطب، لن تشهد "لحظة سان فرانسيسكو" التطهيرية أشبه بالقمة التي أنشأت الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا يجوز توقع حدوث تطورات كبرى في المناقشات المتعنتة بشأن توسيع مجلس الأمن ولكن من السهل أن نرى كيف يمكن للتدابير الهامشية الإبداعية أن تضفي زخما على الدفع من أجل التغيير.
وقد يعني ذلك تسخير الأجزاء غير المستغلة من ميثاق الأمم المتحدة؛ فعلى سبيل المثال، تدعو المادة 27 (3) البلدان إلى الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن على القضايا التي تنطوي على تضارب في المصالح؛ والمادة 101 تخول الأمين العام صياغة جدول أعمال اجتماعات مجلس الأمن.
وكانت الاختيارات الأخيرة للأمناء العامين كثيرًا ما تعطي الأولوية للمرشح الحذر على حساب المرشح الطموح وتتذكر البلدان الأمينين العامين ــ داج همرشولد وكوفي عنان ــ اللذين مارسا نفوذًا لم تتمكن قوى الغرب في كثير من الأحيان من السيطرة عليه وهذه المرة هناك احتمال ضئيل للتغيير، نظرًا للرأي القائل بأن الوقت قد حان لاختيار امرأة من أميركا اللاتينية أو منطقة البحر الكاريبي، وهي المنطقة التي توفر مجموعة غنية من المرشحين للمنصب الرفيع وهذا، جنبًا إلى جنب مع الإجماع المحتمل ــ حتى بين الأعداء في مجلس الأمن والجمعية العامة ــ على أن الخلل الوظيفي الحالي الذي تعاني منه الأمم المتحدة لا يخدم أحدًا على الإطلاق، قد يؤدي إلى تفوق الطموح على الحذر.
ومهما حدث، فمن الخطأ أن ننظر إلى هذه التحديات بمعزل عن الصراعات مثل تلك الدائرة في أوكرانيا وغزة ويجب أن توضح تجربة مصر منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا هذا الدرس.
ومن أجل توحيد أجزاء مختلفة من العالم خلف حلول سلمية وعادلة واحترام القانون الدولي، يتعين على كل القوى الكبرى أن تلتزم جديًا بإصلاح التعددية ــ سواء من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف أو في الأمم المتحدة.
ولكن بما أن الصراعات الجديدة من شأنها أن تقوض أي جهود إصلاحية، فيتعين على القوى الكبرى أن تضمن سيادة السلام وحقوق الإنسان والأمن في أوروبا الشرقية وبلاد الشام وأماكن أخرى من العالم، ففي عالم الحروب الجامحة ــ حيث تستنتج الجهات الحكومية وغير الحكومية (لسبب وجيه) أنها قادرة على فرض إرادتها من خلال القوة العسكرية ــ لا يفضي الوضع الراهن إلى إحراز التقدم فيما يتصل بمشاكل مثل الديون غير المستدامة وتغير المناخ.
وفي نهاية عام آخر حيث يبدو أن العالم يخرج عن نطاق السيطرة، يتعين على القوى الكبرى أن تتعامل مع التحديات التي تواجهنا بشكل كلي ويعتقد براون أنه يجب أن يكون شعار العالم "كلا الحلين معا "، وليس "إما الحل (أ) / أو الحل (ب)".