حرائقه لا تزال مشتعلة في الشرق الأوسط.. من هو هنري كيسنجر الذي توفى اليوم؟ (بروفايل)
توفي عملاق الدبلوماسية الأمريكية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، عن عمر يناهز 100 عام، في منزله بولاية كونيتيكت.
ويعد كيسنجر لاعبا كبيرا ومن أقوى الساسة على الساحة العالمية وفي الشرق الأوسط، حيث كان يمارس نفوذا هائلا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بسيطرة نادرًا ما يحوذها أي شخص عدا رئيس البلاد.
ويلام كيسنجر على منعه تحقيق تسوية شاملة في صراع الشرق الأوسط الذي لا تزال حرائقه مشتعلة حتى اليوم، إذ كان صاحب نفوذ هائل لأنه كان الشخص الوحيد على الإطلاق الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض ووزير الخارجية في نفس الوقت خلال عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد.
ففي عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وحين كان هنري كيسنجر يتولى منصب مستشاره للأمن القومي، يثبت المؤرّخ سليم يعقوب -أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا- أن كيسنجر ونيكسون هما من أفسدا مبادرة تسوية شاملة بين الدول العربية وإسرائيل على أساس الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967.
واعترف كيسنجر مؤخرا في إحدى لقاءاته مع صحيفة معاريف الإسرائيليّة بأنه نجح بعرقلة مشروع سلام مصري مع الرئيس الراحل أنور السادات قبل الحرب لأنه كان يستدعي انسحابًا إسرائيليًّا من أراضي الـ1967.
ولفت إلى أنه كان ضد وقف إطلاق النار خلال الحرب نظرا لتواصل تحقيق المكاسب لصالح القوات المصرية وقتها لأن ذلك سيمثل خطرا من الأسلحة السوفياتية لأنها أثبتت كفاءة في الصراع في أيدي القوات المصرية.
ويقول كيسنجر: عارضت بشدة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بينما كانت المعركة تسير لصالح الهجوم المصري والسوري، نظرنا إلى الأمر على أنه سيحقق مكاسب في على النظام الدولي للدول السوفييتية التي ستكسب دبلوماسيا من العمل العسكري.
وعندما أصبح من الواضح أن الجسر الجوي لا يمكن تنظيمه بالسرعة التي توقعناها في البداية، ذهبت إلى نيكسون وأخبرته أننا بحاجة إلى مستوى آخر من الجسر الجوي للتأثير على الوضع، وأننا بحاجة إلى جسر جوي عسكري، ثم قام نيكسون بتنفيذ قراره بسرعة وعلى نطاق واسع، وأمر بإجراء جسر جوي فوري للإسرائيليين، وبدأنا في تنفيذ جسر جوي عسكري كبير مساء الجمعة وعلى نطاق واسع صباح السبت.
وفور إعلان نبأ وفاة كيسنجر الحائز على جائزة نوبل للسلام شهدت وسائل التواصل الاجتماعي انتقادات موجهة إلى وزير الخارجية الأمريكي السابق، الذي تمكن من جذب الاهتمام العالمي بعد عقود من خدمته الرسمية كواحد من أقوى الدبلوماسيين في التاريخ.
ونشر الكثيرون مقاطع فيديو احتفالية كرد فعل على وفاة كيسنجر، فكان يُطلق عليه على نطاق واسع اسم مجرم الحرب الذي خلف أضرارًا دائمة في جميع أنحاء العالم.
وكانت جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها كيسنجر عام 1973، مناصفة مع لو دوك ثو من فيتنام الشمالية، والذي رفض الجائزة ـ واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل على الإطلاق، حيث استقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل بسبب الاختيار، وأثيرت أسئلة حول القصف السري الأمريكي لكمبوديا.
ومارس كيسنجر تأثيرًا غير عادي على الشؤون العالمية بعد فترة طويلة من تركه منصبه، ففي يوليو، على سبيل المثال، التقى بالزعيم الصيني شي جين بينج في بكين بينما كانت العلاقات الأمريكية الصينية في أدنى مستوياتها.
بدأ كيسنجر مفاوضات باريس التي وفرت في نهاية المطاف وسيلة لحفظ ماء الوجه لإخراج الولايات المتحدة من حرب مكلفة في فيتنام.
ولد هنري ابن مدرس في بافاريا عام 1923، وجاء إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى عام 1938 عندما فرت عائلته من ألمانيا النازية، وأصبح كيسنجر مواطنًا أمريكيًا في عام 1943 واستمر في الخدمة في الجيش الأمريكي لمدة ثلاث سنوات وبعد ذلك في فيلق الاستخبارات المضادة.
بعد حصوله على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، قام بتدريس العلاقات الدولية في جامعة هارفارد.
وفي عام 1969، عينه الرئيس ريتشارد نيكسون آنذاك مستشارًا للأمن القومي، وهو المنصب الذي منحه نفوذًا هائلًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
بصفته وزيرًا للخارجية في عهد إدارة نيكسون – وبعد ذلك في عهد الرئيس جيرالد فورد – قاد كيسنجر تقاربًا دبلوماسيًا مع الصين، وساعد في التفاوض على إنهاء حرب 6 أكتوبر عام 1973 بين مصر وإسرائيل.
و تعرض كيسنجر الذي أمضى أكثر من 50 سنة على الساحة الدولية، لانتقادات لاذعة من أولئك الذين اتهموه بالتنافس مع الاتحاد السوفييتي على حساب التفريط بحقوق الإنسان من خلال دعم الانقلابات ومساعدة الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نظام أوجستو بينوشيه في تشيلي.
وترك كيسنجر منصبه في أروقة السلطة مع فوز الرئيس الأميركي جيمي كارتر بالرئاسة عام 1976، وأنشأ شركة استشارية في نيويورك لتقديم المشورة لكبري الشركات في العالم. كما عمل عضوًا في مجالس إدارة الشركات، ومحاضرًا في العديد من منتديات السياسة الخارجية والأمن، ومعلقًا إعلاميًا منتظمًا في الشؤون الدولية إضافة إلى قيامه بنشر العديد من الكتب السياسية.
ألف كيسنجر 21 كتابًا حول مسائل الأمن القومي، ونظرا لكونه أحد رجال الدولة العظماء في أمريكا، فقد تمت استشارته بانتظام من قبل الرؤساء الأمريكيين لكلا الحزبين السياسيين وعشرات الزعماء الأجانب بعد أن أنهى خدمته الحكومية في عام 1977.
الراحل احتفل بعيد ميلاده المائة وفي مايو الماضي، وظل نشطا حتى عيد ميلاده المائة، وفي الآونة الأخيرة، ركز اهتمامه على الآثار المترتبة على الذكاء الاصطناعي، وكان ضيفا متكررا مع وسائل الإعلام وفي حلقات النقاش والكتابة والسفر إلى الخارج.