وسط إخفاقات غربية.. الصين تكثف الضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة
منذ وصول الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السلطة في الصين وإعلانه رسميًا إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، وضعت الصين رؤية لإقامة نظام عالمي جديد بقيادة صينية، في حين انتقدت ما تعتبره إخفاقات من جانب الولايات المتحدة. الولايات المتحدة الأمريكية في قيادتها أو بالأحرى “هيمنتها” على النظام العالمي الحالي، مع انحيازها الصارخ لإسرائيل في مواجهة الحقوق المشروعة للفلسطينيين في إقامة دولتهم العادلة، وفق ما ذكرت مجلة مودرن دبلوماسي.
ومن هنا أبدت الصين وروسيا تنسيقًا في مواقفهما بشأن أزمة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس في غزة بعد عملية “فيضان الأقصى” في أكتوبر 2023 كما اقترحت الصين حلًا مستقبليًا في غزة، يقوم على (منح للسلطة الفلسطينية الدور المركزي في إدارة شؤون القطاع بدعم من القوى العربية، لكنها قد تفضل أن يتم ذلك من خلال توافق إقليمي واسع).
كما دعت الصين إلى عقد (مؤتمر سلام عالمي تحت إشراف دولي) وهو ما قد يبعد واشنطن عن لعب دور “الوسيط الوحيد” في القضية الفلسطينية لسنوات طويلة ويمكن اعتبار ذلك نقطة تحول وبداية مرحلة جديدة في سياسات الصين في المنطقة ويمثل الموقفان الصيني والروسي الداعيان لوقف إطلاق النار في غزة ثقلا دوليا لدول المنطقة يمكن الاعتماد عليه لإيجاد حل للأزمة الحالية.
وتتزايد أهمية دول الشرق الأوسط، ممثلة بدول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، باعتبارها أطرافا مؤثرة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تشكل حجر الزاوية في علاقات الصين الخارجية سواء على مستوى السياسة أو على مستوى الاقتصاد إذ تلعب هذه الدول دورًا أساسيًا في نجاح رؤية الرئيس الصيني شي جين بينج للحوكمة العالمية، والتي نصت عليها مبادراته العالمية والمعروفة باسم (مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وبناء مجتمع ذو مصير مشترك ومستقبل مشترك للبشرية).
ترى الصين أن الوقوف إلى جانب الفلسطينيين يتردد صداه في الدول العربية، وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة، وفي أجزاء واسعة من دول ما يعرف بـ”دول الجنوب العالمي"، بحسب التعبير الصيني ومن هنا جاء استقبال وزير الخارجية الصيني وانج يي في العاصمة الصينية بكين لوفد وزراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
ومع قرار هذا الوفد نفسه، بعد زيارته للصين، القيام بزيارة مماثلة للأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الدولي. هدف ضيوف بكين، ممثلو منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، هو "الضغط على الغرب لمطالبته برفض ادعاءات إسرائيل بأنها تفعل ما تفعله في إطار الحق في الدفاع عن النفس وكما قال ممثل المملكة العربية السعودية، فقد أصبح من الضروري الوقف الفوري للعمليات العسكرية في غزة. وهنا جاء تأكيد وزير الخارجية سامح شكري لنظيره الصيني وانج يي، أنه يتوقع أن تكون الصين أكثر نشاطا في دعم الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة.
كما بحث وزير الخارجية الصيني وانج يي مع المسؤولين الأمريكيين مع بداية شرارة عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، كافة أبعاد الصراع بين إسرائيل وحماس، وسط مخاوف الصين من توسع دائرة هذه الحركة إلى صراع قد يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع.
كما تحدث الوزير الصيني “وانج يي” مع نظرائه في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، بعد وصول مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون إلى المنطقة للقاء القادة العرب لحل الصراع المحتدم بين حماس والجانب الإسرائيلي بعد العملية. طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي عليه بـ”عملية السيوف الحديدية”.
وعلى المستوى الداخلي في الصين نفسها، تصاعدت الانتقادات لإسرائيل بعد حربها في قطاع غزة واستهدافها للمدنيين، وتصاعدت موجة معاداة السامية، بحسب اتهامات إسرائيلية للصينيين، عبر الإنترنت، يغذيها القوميون الصينيون. المدونين. وشبه البعض على منصات التواصل الاجتماعي الصينية تصرفات إسرائيل بالجرائم النازية في عهد هتلر، واتهموا الإسرائيليين بتنفيذ إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وهو ما أثار استهجان السفارة الألمانية في بكين ثم جاءت حادثة طعن أحد أفراد عائلة موظف بالسفارة الإسرائيلية في بكين، مما زاد الوضع تعقيدًا.
ومع استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة منذ فترة طويلة، توافرت وسائل ضغط عربية عديدة على إسرائيل لوقف الحرب في غزة، بمساعدة الصين. وفي الوقت نفسه، رفضت السعودية استخدام النفط كوسيلة للضغط لوقف الحرب، لأنه لن يكون له تأثير دولي وسيخفف التوتر الدولي إذا رفعت السعر الدولي للنفط فوق سعره المعتاد.
ومع استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل الدول العربية الضغط على المجتمع الدولي والقوى الدولية الفاعلة لوقف الحرب على غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل مستمر وحماية المدنيين، ويطالب الجانب العربي وشدد الجانب الصيني على ضرورة مواصلة التنسيق معًا للتحدث بصوت واحد مع المجتمع الدولي حول التطورات الخطيرة داخل قطاع غزة. وعملت كافة الدول العربية، وعلى رأسها مصر، مع الصين على مواصلة دعم المنظمات الدولية العاملة في القطاع، وخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مؤكدة أن الحل العسكري أو الأمني لن ينجح في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل إن الطريقة الوحيدة هي حل الصراع سياسيًا، وتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
وتزامنا مع إعلان الرفض التام للمحاولات الإسرائيلية لفصل الضفة الغربية وقطاع غزة كامتداد حقيقي للدولة الفلسطينية الواحدة؛ تعددت وسائل الضغط العربي الصيني الإسلامي على إسرائيل لوقف الحرب في غزة، مثل تصعيد حدة الانتقادات العربية والإسلامية والصينية والروسية لمواجهة تل أبيب وممارساتها ضد المدنيين في غزة عسكريًا، ومن ثم وكلها تحاول اللجوء إلى كل من الصين وروسيا لممارسة الضغط الدولي في مجلس الأمن الدولي في مواجهة إسرائيل.
كما لجأت منظمة التعاون الإسلامي وممثلو الجامعة العربية إلى الصين، نظرا لمصالحها الاقتصادية الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها أكبر مستورد للنفط، ولترويج استثماراتها ولهذا السبب، تحاول الصين التوصل إلى تسوية سلمية لوقف إطلاق النار فيما يتعلق بغزة، خاصة وأن هذا الصراع العسكري يضر بالصين ومصالحها في قلب الشرق الأوسط والمنطقة. ولهذا أيضًا جانب سياسي يتمثل في أن الصين تعتبر نفسها “زعيمة الجنوب العالمي” أي الدول النامية، كما اعتادت على الترويج لنفسها بهذه الصفة في الفترة الأخيرة.
وبالإضافة إلى تعسف الولايات المتحدة الأمريكية في دعم إسرائيل، ورغم ادعائها قيادة العالم الحر، فإنها تقف إلى جانب إسرائيل وممارساتها في مواجهة المدنيين العزل في قطاع غزة، وهو ما قاد المجتمع العربي والإسلامي إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل وممارساتها في مواجهة المدنيين العزل في قطاع غزة. لتلجأ الدول معها إلى الصين وروسيا معًا كمنافسين طبيعيين للولايات المتحدة الأمريكية. فمصالح القوتين متضاربة. منذ خمسينيات القرن الماضي، ظلت الصين تطلق على نفسها اسم (حليف الشعوب العربية التي تحارب المستعمرين الجدد).
ويشكل المسار الحالي الذي تنتهجه بكين، في جوهره، استمرارًا لتلك السياسة التقليدية وعلى الرغم من أن الصين تحتفظ أيضًا بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، إلا أن ثقل الدول العربية أكبر بكثير في نظر بكين من إسرائيل.
كما شجعت الصين وروسيا جميع الدول العربية والإسلامية على تصعيد انتقاداتها لإسرائيل، حيث قامت دول أخرى باستدعاء سفرائها أو قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب. وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي صوتت ضد قرار وقف إطلاق النار، خففت من موقفها، إذ دعا الرئيس جو بايدن إلى «وقف مؤقت» للقتال في غزة. وهنا يجب أن نفهم جيدًا أن إسرائيل ومن يدعمها لن يخاطروا كثيرًا بإطالة أمد الحرب المستمرة في قطاع غزة، خوفًا من قيام الدول العربية، وخاصة الخليجية، باستخدام الغاز والنفط كورقة ضغط بشكل يؤثر على الدول الداعمة لها، خاصة في ظل ما حدث في بداية الأزمة الأوكرانية. النفط الذي كان له تأثير كبير على أمريكا وأوروبا في هذا الجانب، وبالتالي فإن ما سيحدث سيكون ركودًا كبيرًا سيؤثر سلبًا على أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى ارتفاعها السلبي لهذه الدول التي تدعم إسرائيل.
وهنا وجهة النظر الرسمية السعودية والخليجية بشكل عام هي (مبدأ عدم تسييس السلعة النفطية) من أجل استخدامها سياسيا للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وسبق أن رفضت المملكة العربية السعودية مطالبات بالوقوف إلى جانب الجانب الأمريكي في الأزمة الأوكرانية الحالية، حيث تحاول الحكومة السعودية إظهار دورها في استقرار أسعار النفط العالمية ومعدلات إنتاجه. كما تنظر السعودية إلى أوبك بنظرة فنية ومستقبلية بحيث يكون لها تأثير إيجابي على الدول الأعضاء وعدم التأثير عليها بشكل سلبي تماما.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الورقة المتعلقة باستخدام السعودية للنفط كسلاح قد تكون مطروحة على الطاولة إذا استمر التعنت الإسرائيلي، لكن السعودية ودول الخليج والدول العربية تسعى حاليا إلى حل هذا الصراع بالطرق السلمية، وهم يعلمون أن استخدام هذه البطاقة قد لا يضر إسرائيل والدول الداعمة لها فحسب، بل ستؤثر سلبًا أيضًا على دول أخرى مثل الصين وغيرها ودعت المملكة العربية السعودية، التي تجري محادثات منذ عدة أشهر مع إسرائيل بدعم أمريكي وغربي واضح حول اتفاق تطبيع محتمل ولكنها ليست جزءًا من اتفاقيات إبراهام، إلى وقف فوري للعنف، رغم أنها لم تدين حماس صراحة.
أما عن أبرز وسائل الضغط العربية على إسرائيل – بتشجيع صيني بالدرجة الأولى – منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فنجد أن جميع الدول العربية والإسلامية والخليجية صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وأدان العديد منهم بشدة العملية العسكرية الإسرائيلية.
،أدانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، اللتان قامتا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات إبراهام، في البداية هجمات حماس. لكن البحرين سحبت سفيرها من إسرائيل منذ فترة، وغادر السفير الإسرائيلي في العاصمة البحرينية المنامة إلى تل أبيب كشخص غير مرغوب فيه من قبل حكومة البحرين وشعبها كما استدعى الأردن سفيره لدى إسرائيل متهمًا إياها بالتسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة. في 26 أكتوبر 2013، وأدان وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين والمملكة العربية السعودية وعمان وقطر والكويت ومصر والمغرب الاستهداف الإسرائيلي المستمر للمدنيين وما يصاحبه من انتهاكات للقانون الدولي في قطاع غزة.. وأصدروا بيانهم المشترك بأن الحق في الدفاع عن النفس لا يبرر خرق القانون والتغاضي عن حقوق الفلسطينيين.
وكانت الصين من أقوى الداعمين في اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة بعد عملية “طوفان الأقصى” في غزة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وأثار البيان الأول للصين بشأن الصراع بين حماس وإسرائيل غضب الجانب الإسرائيلي، حيث أعربت تل أبيب عن شعورها "بالإحباط العميق" إزاء فشل الصين في إدانة حماس، وفشل الصين في الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وهنا تأمل كافة الأطراف أن تستفيد الصين من علاقاتها الوثيقة مع إيران، التي تدعم حماس في غزة وحزب الله في لبنان، من أجل تخفيف حدة الوضع مع الإشارة إلى ضغوط عدد من السياسيين والمسؤولين الأمريكيين على الوزير الصيني “وانج يي” من أجل “حث الإيرانيين على التهدئة” في مواجهة إسرائيل.