هل كانت دبلوماسية بلينكن المكوكية في الشرق الأوسط مجرد مسرحية سياسية؟
رجح تقرير لوكالة بلومبرج أنه من الممكن إلقاء اللوم بشكل كامل وعادل على وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيسه، الرئيس جو بايدن، في ظهور هذا الأداء السيئ للدبلوماسية الأمريكية.
وعقد التقرير مقارنة أولية بين بلينكن ووزير الخارجية الأسبق والأشهر هنري كيسنجر الذي كان يوما ما يتمتع بميزة التوسط بين إسرائيل وأعدائها في سوريا ومصر قبل العام 1973، وفي المقابل يستطيع بلينكن التحدث اليوم مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي والأطراف الأخرى ولكن لا يستطيع التباحث مع حماس.
واستمر التقرير في المقارنة، ففي حين أن "الدبلوماسية المكوكية" التي اتبعها كيسنجر في الماضي لمدة شهر (لدرجة أن وصف "مكوكية" ذاته تمت صياغته في الأصل بسبب جهود كيسنجر السريعة) في أعقاب حرب أكتوبر نجحت في وقف إطلاق النار بين إسرائيل والعرب وأظهرت نفوذ القوة العظمى الأمريكية خلال الحرب الباردة، فإن رحلات بلينكن تبعث برسالة مختلفة، هي أنها ربما إحدى سياسات الولايات المتحدة الخارجية باعتبارها تمرينًا أدائيًا ومسرحية سياسية عقيمة لا جدوى منها سوى لاتقاط الصور الفوتوغرافية أو ربما عرض كابوكي مسرحي دبلوماسي بدون نتائج ملحوظة.
ومع ذلك، لا يزال بايدن وبلينكن - المخلصان لأمن إسرائيل مثل أي رئيس أمريكي خلال 75 عامًا منذ تأسيس الدولة اليهودية - يبدوان غير فعالين وهدفهما الشامل هو منع الصراع من الانتشار في المنطقة وتجنب إشعال حرب بين القوى العظمى علاوة على الهدف المباشر ألا وهو إظهار الدعم لإسرائيل وفي الوقت نفسه منع الإسرائيليين من التسبب في كارثة إنسانية في قطاع غزة.
وتتكشف هذه الكارثة الآن وتزداد سوءًا يومًا بعد يوم: فقد تجاوز عدد الجثث في غزة بالفعل 10000 ولهذا السبب كان بلينكن يناشد إسرائيل أن توافق على "هدنة إنسانية" ولكن تجاهل رئيس وزراء سلطة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببساطة هذه المطالب، فأسقط قنابل لاختراق الأنفاق على غزة وقصف حماس والمدنيين على حد سواء.
ويصر نتنياهو على أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى تطلق حماس سراح جميع الرهائن، كما قال نتنياهو هذا الأسبوع – وليس لديه استعداد لقبول شيء مما تتحدث عنه واشنطن سوى على الأكثر "توقف تكتيكي بسيط، لساعة هنا، أو ساعة هناك"، وربما في مرحلة لاحقة، يصر نتنياهو على إخلاء مدن بأكملها.
وتابع التقرير: “إن نتنياهو لا يتجاهل الولايات المتحدة فحسب، بل يجعلها تبدو منافقة في نظر قسم كبير من العالم، من القوى المجاورة إلى المتظاهرين في شوارع الغرب والمحتجين في محطات المترو بأوروبا بما في ذلك أولئك المحتجين أمام البيت الأبيض في نهاية هذا الأسبوع”.
ويتزايد، في الأثناء، شعور الجنوب العالمي بنفاق أمريكا واليقين بأن الولايات المتحدة، من خلال انحيازها إلى إسرائيل دون كبح جماح العدوان الإسرائيلي، لا تطبق نفس المعيار الإنساني في غزة، وتتبنى في الشرق نهجًا مختلفًا تمام الاختلاف عن ذلك الذي تحض العالم على الدفاع عنه في أوكرانيا، وحتى لو بدت هذه الفوضى وكأنها تثبت النفاق الأميركي، فإن ما تظهره في الحقيقة هو أن واشنطن إما غير قادرة أو غير راغبة في تطبيق أدواتها الدبلوماسية على إسرائيل.
وقد يبدو هذا غريبًا، لأن الولايات المتحدة أرسلت، بشكل تراكمي منذ الحرب العالمية الثانية، مساعدات إلى إسرائيل أكثر من أي دولة أخرى، كما عرضت هذا الشهر مبلغًا كبيرًا آخر كما تحظى تل أبيب بدعم واشنطن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي السياسة العالمية بشكل عام فكيف يمكن لنتنياهو أن يعرض هذا النوع من العلاقات للخطر؟ ومع ذلك فهو يفعل ذلك ـ وقد بدأ القيام بذلك قبل فترة طويلة من السابع من أكتوبر وعلى مدى شهور سابقة من هذا العام، فقد كان هو وشركاؤه المتطرفون في التحالف الحكومي يحاولون تحييد السلطة القضائية وسيادة القانون في إسرائيل، ودفن ما تبقى من حل الدولتين للصراع الفلسطيني.
بينما كانت إدارة بايدن تحاول التوسط في عملية السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، كان نتنياهو مشغولًا بتسكين مساحات واسعة من الضفة الغربية بالمستوطنين اليهود وفي المقابل، عاقب بايدن نتنياهو بعدم دعوته إلى البيت الأبيض، فلم يفعل أكثر من ذلك.
وكان نتنياهو يعرف ما كان يفعله بالضبط، فبعد مرور عام على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كان الجمهوريون يسعون للانقضاض بحماس وشهية على بايدن بسبب تذبذبه بشأن إسرائيل وفي الوضع الحالي، يواجه بايدن الآن معضلة سياسية تتمثل في خسارة ليس فقط اليمين الصهيوني، بل أيضًا الناخبين الشباب ذوي الميول اليسارية والمؤيدين للعرب - ناهيك عن الجنوب العالمي الذي كان يحاول جذبه بعيدًا عن الصين وروسيا في عام 2018 تحت مظلة التنافس الجيوسياسي الأكبر في العصر الحديث.
والحقيقة، بعد مرور شهر على الهجوم الذي شنته حماس، هي أن السياسة الخارجية الأميركية تجازف بالتحول إلى أضرار جانبية في الصراع بين إسرائيل وحماس كما يثبت بايدن وبلينكن أنهما غير راغبين في فرض عقوبات أو تصور التكلفة أو عواقب الصراع الدائر بالشرق الأوسط، وأن لواشنطن حليف واحد، وهو إسرائيل.
وإلى حد بعيد فشل بايدن وبلينكن في دعم أوكرانيا ضد روسيا، أو تايوان ضد الصين، أو كوريا الجنوبية ضد الشمالية، ما يعني أن نسخة 2023 من الدبلوماسية المكوكية الأمريكية، على عكس نسخة 1974 الأصلية في زمن كيسنجر، قد تنتهي بمأساة عالمية.