قمة القاهرة للسلام توفر زخم جديد لحل الدولتين
وسط تهليل غربي لإسرائيل.. مصر تنتقد تردد المجتمع الدولي في إدانة قتل الفلسطينيين
أثناء قمة القاهرة للسلام لبحث سبل حل القضية الفلسطينية، نقلت مجموعة من القادة العرب رسالة موحدة: يجب أن تتوقف الهجمات على المدنيين في غزة، ويجب السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
ووفرت الضربات الإسرائيلية في غزة زخمًا للقادة العرب الذين يدعون إلى حل الدولتين والبدء العاجل للمفاوضات لإحياء عملية السلام.
كما وجه الزعماء العرب، الذين جلسوا مباشرة مقابل وزراء خارجية فرنسا وألمانيا ودول غربية أخرى، انتقادات وإدانات مريرة بشأن المعايير الأوروبية والأمريكية المزدوجة.
وتزامنت القمة، في مصر، مع مرور أسبوعين على بدء الحرب التي بدأت بهجوم فلسطيني خاطف على إسرائيل ما أدى إلى مقتل أكثر من 1400 شخص، واحتجاز أكثر من 200 رهينة إسرائيلية، فيما تواصل إسرائيل عدوانها على غزة وشن غارات مكثفة على القطاع، مخلفة دمارا هائلا وأكثر من 4100 شهيد، و13 ألف جريح معظمهم من النساء والأطفال، كما تواصل قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية عن السكان.
وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات عدد من القادة الإسرائيليين بشأن تهجير أهالي غزة، وصلت علاقات مصر مع إسرائيل إلى نقطة الغليان، وعبر عن ذلك صراحة الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمة في قمة القاهرة للسلام، الذي شدد على أن تصفية القضية الفلسطينية بدون حل عادل أمر لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدًا، وكرر الجملة مرتين.
وجدد السيسي، تأكيد الرفض التام للتهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، لافتًا إلى أن ذلك يعد تصفية للقضية وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، على مدار 75 عامًا، هي عمر القضية الفلسطينية.
وعبر عن دهشة مصر من صمت العالم تجاه ممارسات العقاب الجماعي لنحو 2.5 مليون شخص من سكان غزة الذين يُفرَض عليهم عقاب جماعي وحصار وتجويع، وضغوط عنيفة للتهجير القسري.
أكدت مصر أن الحرب الجارية في قطاع غزة كشفت عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، مشددةً على أن الأرواح التي تزهق كل يوم خلال الأزمة الراهنة تقتضي استجابة على مستوى الحدث من المجتمع الدولي، بحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية عقب قمة القاهرة للسلام.
وقالت مصر إنه بينما نرى هرولة وتنافسًا علي سرعة إدانة قتل الأبرياء في كل مكان، نجد ترددًا غير مفهوم في إدانة الفعل نفسه في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر.
وأكدت أن المشهد الدولي عبر عقود يكشف عن قصور جسيم في البحث عن حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، مشيرةً إلى أنها لن تقبل مطلقًا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة في المنطقة.
وشددت مصر على موقفها الداعم للحقوق الفلسطينية والمؤمن بالسلام كخيار استراتيجي لا حياد أو تراجع عنه، لافتةً إلى أن الشعب الفلسطيني لا بد أن يتمتع بكافة حقوقه مثل باقي الشعوب.
وتابعت أنها سعت من خلال دعوتها لقمة القاهرة إلى بناء توافق دولي يطالب بوقف الحرب التي راح ضحيتها آلاف المدنيين وإعطاء أولوية خاصة لضمان تدفق المساعدات على غزة وإيصالها إلى مستحقيها، مشددة على أنها لن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي، وذلك في ظل المخاطر والتهديدات.
وبدوره، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الغرب من أنه من الخطير التغاضي عن معاناة المدنيين الفلسطينيين، وقارن إدانات الزعماء الغربيين القوية للانتهاكات في الصراعات الأخيرة الأخرى - في إشارة واضحة إلى الضربات الروسية على المدنيين في أوكرانيا - بما قال إنه عدم وجود إدانات مماثلة للحصار الإسرائيلي وقصف غزة.
جهود روسية مكثفة
بدوره، قال المبعوث الروسي للشرق الأوسط ودول إفريقيا، ميخائيل بوجدانوف، إن فورة العنف غير المسبوقة من حيث نطاقها في منطقة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، تؤدّي إلى زيادة كارثية في عدد الضحايا بين المدنيين من كلا الطرفين، مع ذلك فإن قطاع غزة يجد نفسه على شفير الهاوية الإنسانية.
وأضاف بوجدانوف، خلال كلمة في قمة القاهرة للسلام 2023، أن روسيا تبذل جهودًا مُكثفة في سبيل خفض التصعيد، مشيرًا إلى المباحثات التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع قادة بلدان عربية وإيران وإسرائيل.
كما أكد مطالب موسكو إلى جميع الأطراف المعنية بضرورة وقف إطلاق النار العاجل، وضمان الممرات الإنسانية من أجل تقديم المساعدة العاجلة لجميع المحتاجين.
وذكر أن الأزمة الحالية أثبتت مجددًا أنه بدون تسوية عادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس صيغة الدولتين، سيبقى الاستقرار الإقليمي هدفًا لا يمكن تحقيقه.
وأضاف بوجدانوف أن الطرفين يجب عليهما كسر حلقة العنف المفرغة، والتخلي عن الخطوات الأحادية الجانب بما في ذلك الاستيطان، ووضع المقدسات.
مساع أمريكية
من جانبها قالت السفيرة بيث جونز القائم بالأعمال بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، إن هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر الجاري، أظهر استهتارًا بسلامة الشعب الفلسطيني، الذي وضعته في طريق الأذى، وفي مرمى جهود إسرائيل للدفاع عن نفسها ومواطنيها، لافتةً إلى أن المدنيين الفلسطينيين لا يتحملون اللّوم، ولا ينبغي أن يعانوا بسبب حماس.
وشددت جونز، خلال كلمة في قمة القاهرة للسلام، على حماية أرواح المدنيين، وضرورة وصول المساعدة بشكل عاجل إلى المحتاجين، كما أشارت إلى أن بلادها ستواصل العمل بشكل وثيق مع شركائها في المنطقة للتأكيد على أهمية الالتزام بقانون الحرب، واحترام القانون الإنساني الدولي.
وأضافت أن واشنطن تعلم أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من حماس، وأن الحركة لا تمثل الشعب الفلسطيني والخلط بين الأمرين لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد جزء من سوء فهم الأزمة، وتظل الولايات المتحدة ملتزمة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وعبرت السفيرة الأمريكية عن حزنها الشديد، بسبب الخسارة المأساوية في أرواح الفلسطينيين، بما في ذلك الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.
وذكرت أن الرئيس جو بايدن عين السفير ديفيد ساترفيلد مبعوثًا خاصًا للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، لضمان إيصال المساعدات العاجلة إلى غزة، عبر العمل بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، ومصر، والأردن، وإسرائيل، وقادة إقليميين.
وعلى نطاق أوسع، أكد بايدن بشكل لا لبس فيه دعم الولايات المتحدة لسلام دائم في الشرق الأوسط، مبني على أساس حل الدولتين، ويجب الاستمرار في اتباع المسار الذي يتيح لإسرائيل والشعب الفلسطيني العيش بأمان وأمن وسلام، لافتةٌ إلى أنَّ مصرَ شريكٌ لا غنىً عنهُ في هذا المسعى.
وعقدت قمة القاهرة للسلام أمس السبت، بمشاركة أكثر من 30 دولة، من بينهم ملوك ورؤساء، ورؤساء حكومات، ووزراء خارجية، فضلًا عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيسي الاتحادين الإفريقي والأوروبي، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وممثلين عن الولايات المتحدة والصين وروسيا.
وبينما اجتمع زعماء العالم في القاهرة لبحث سبل حل للقضية الفلسطينية، واصلت إسرائيل قصفها العنيف على قطاع غزة المحاصر وسط تهليل غربي للاحتلال.
وفي الوضع الراهن، وصلت غزة إلى طريق مسدود كارثي فالغذاء والماء ينفد، ولا يكفي ما تم دخوله من مساعدات عاجلة لإعاشة أكثر من مليون فلسطيني في القطاع المحاصر وقد استنفدت الأدوية والإمدادات الحيوية الأخرى.