سيناريو أشبه بالكابوس.. هل نحن على أعتاب حرب عالمية؟
في أعقاب الغارة الجوية التي وقعت بالأمس القريب والتي أسفرت عن مقتل 500 فلسطيني في أحد مستشفيات غزة، ما هي مخاطر تصاعد الصراع إلى حريق إقليمي أو حتى عالمي؟ هذا هو السؤال الذي طرحته صحيفة "مالطا توداي" وتصدت للإجابة عليه.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تواجه خيارًا صارخًا بين التصرف كلاعب إقليمي ناضج يمكنه أن يحفر جذوره في المنطقة ليصبح مركز قوتها الاقتصادية، أو مواصلة عزل نفسها في دورها كدولة استيطان عنصرية تتآكل مؤسساتها الديمقراطية بشكل متزايد بسبب الاستبداد وتلطخها النزعة الاستعمارية ودماء الفلسطينيين.
ومن الواضح أن القيادة الحالية في إسرائيل تزدهر في السيناريو الأخير وتستغل أي فرصة لتعزيز أجندة التطهير العرقي التي يدعو إليها علانية حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف وبوسع الولايات المتحدة، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي، لعب دورًا في توجيه إسرائيل بعيدًا عن مسار العمل الذي لا رجعة فيه ولكن مأساة الأمس تشير إلى أنه يتعين عليهم أن يكونوا أكثر قوة ووضوحًا في الدفاع عن القانون الدولي.
حتى الآن، استندت الدبلوماسية الأمريكية برئاسة أنتوني بلينكن إلى فرضية مفادها أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يمكن أن يكون بمثابة ورقة مساومة فعالة لكبح جماح الاحتلال ومنع التصعيد، فإسرائيل تحتاج إلى الشرعية الدولية لتصرفاتها، وتستطيع الولايات المتحدة توفير الغطاء لها، ضمن خطوط حمراء معينة.
ومع ذلك، فإن الغارة الجوية الرهيبة التي استهدفت أحد المستشفيات ــ على الرغم من التقارير المتضاربة حول الجهة التي قصفته ــ تشير إلى أن هذا النهج المتناقض قد فشل وأن النفوذ الحقيقي الذي تمتلكه الولايات المتحدة على إسرائيل يتكون من المال والأسلحة.
بالتأكيد، كان هناك تغيير في اللهجة خلال الأيام القليلة الماضية وعلى سبيل المثال، استبعدت الولايات المتحدة بالفعل إعادة احتلال إسرائيل لغزة. ومع ذلك، فإن نهاية اللعبة لا تزال غير واضحة.
من سيكون المسؤول عن مصير النازحين في غزة، وإعادة توطينهم، وإعادة إعمار غزة؟ ومن سيحكم غزة بعد هزيمة حماس؟ من المؤكد أن فتح سوف تكون مترددة في أن يُنظر إليها على أنها الجهة المنقذة لإسرائيل، في حين أن الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم تحت القصف الإسرائيلي قد يعيدون تشكيل حماس أو نسخ جديدة منها.
علاوة على ذلك، فإن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة يأتي مصحوبًا بخطر أن يُنظر إليها في العالم العربي باعتبارها شريكًا نشطًا في جرائم الحرب المستمرة التي يرتكبها الاحتلال في غزة، حيث يتسبب حصار القرون الوسطى في خسائر بشرية كبيرة ــ وهو الأمر الذي يوفر ذخيرة للمنتقدين الغربيين، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولهذا السبب يستطيع الاتحاد الأوروبي توضيح ما لا يستطيع بايدن توضيحه ورغم أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بنفوذ محدود على تصرفات إسرائيل، إلا أن دعمه يشكل أهمية بالغة لإضفاء الشرعية على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة.
وباختصار، تستطيع الولايات المتحدة أن تستفيد من إسرائيل، في حين يستطيع الاتحاد الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع الدول العربية المعتدلة، أن يحدد نوع الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل.
ووفقًا للصحيفة، يظل الحفاظ على المبادئ أمر بالغ الأهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ومن المصلحة الذاتية للاتحاد الأوروبي أيضًا ضمان احتواء الصراع وعدم حدوث أي تصعيد وحتى الآن، اتبع الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير النص الأمريكي بدعوات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا لاحترام القانون الدولي، والتي تظهر كنوع من إخلاء المسؤولية عن العواقب المترتبة على السلوك الاحتلالي الإسرائيلي.
وبعد فوات الأوان، ربما تكون حيلتهم الدعائية في إسرائيل قد شجعت إسرائيل على تحدي القانون الدولي في أعقاب الدعم غير المشروط وبدلًا من ذلك، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر قوة في تعامله مع الإسرائيليين، وبعد مذبحة الأمس القريب، فإن المطلب المعقول الوحيد هو وقف فوري لإطلاق النار.
هل يستطيع بايدن أن يثق بنتنياهو؟
يعتمد الكثير الآن على ما إذا كانت السياسة الأمريكية ستظل مدفوعة بالتزام أيديولوجي بدعم إسرائيل بأي ثمن أو بنهج أكثر واقعية يعترف بتعقيدات الوضع ومخاطر الانجرار إلى حرب يرأسها نتنياهو وحزبه.
وكما كتب المحلل العسكري عاموس هاريل في صحيفة هآرتس الأسبوع الماضي: "هناك مزيج غير عادي من الأشخاص في القمة في إسرائيل فمن ناحية، هناك رئيس وزراء غير لائق، وهو شخصية شبه شكسبيرية تواجه خطرًا شخصيًا يتمثل في نتيجة مخزية (بسبب قضية فساد معلقة) ويواجهه ضباط عسكريون مغرمون بالمغامرات وهذه ليست الوصفة المثالية لاتخاذ القرار المدروس.
وما يثقل كاهل خيارات الولايات المتحدة أيضًا هو احتمال جرها إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، الأمر الذي يهدد بتقويض ما وصفه توماس فريدمان، كاتب الأعمدة في صحيفة نيويورك تايمز، بأنها "ثلاثة من أهم مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الوقت الحالي": مساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا؛ واحتواء النفوذ الصيني؛ ومواجهة موازنة إيران من خلال دعم كتلة مؤيدة للغرب تضم إسرائيل والمملكة العربية السعودية وبوسع الولايات المتحدة أن تستفيد من الدروس المستفادة من فشلها في القضاء على طالبان وتحقيق الاستقرار في العراق، ونجاحها الأكبر في إضعاف أو القضاء على تنظيم القاعدة وتنظيم داعش من خلال مزيج من الضربات الجراحية والتعاون النشط مع الحلفاء الإقليميين.
فمنذ السابع من أكتوبر، سارت الدبلوماسية الغربية على حبل مشدود بين الدعم غير المشروط لإسرائيل على الرغم من جرائم الحرب المستمرة، وبين رسالة واهية لضبط النفس تجاه الاحتلال الإسرائيلي، حليف الغرب، الذي قد تؤدي تصرفاته إلى تصعيد ذي أبعاد كارثية لا يمكن التنبؤ بها.
وبينما ألقت الحكومات العربية، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، باللوم على إسرائيل في مذبحة المستشفى، يتنصل الاحتلال الإسرائيلي من المسؤولية، ولا تزال وكالات الأنباء والحكومات الأخرى تتحقق من الأدلة التي قدمتها إسرائيل، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أنه "بناءً على ما رأيته، فقد تم ذلك من قبل الفريق الآخر"، وهو مصطلح أكثر ملاءمة لمباراة كرة قدم لا للتعبير عن أزمة دولية خطيرة.
ولكن من غير المرجح أن يحمل أي إعلان من جانب إسرائيل والولايات المتحدة وزنًا كبيرًا في الشوارع العربية علاوة على ذلك، سلطت هذه المأساة الضوء على حالة الطوارئ الإنسانية في غزة والتي تفاقمت بسبب القصف المستمر والإخلاء الجماعي للسكان والحصار القاسي الذي يحرم المدنيين من الغذاء والماء والمساعدات الطبية ويشهد الوضع المتدهور في غزة، والذي أكدته الأمم المتحدة، على فشل محاولة بايدن في تعديل سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال إغراقه بالحب وفي الواقع، قد يمثل ذلك قفزة حاسمة في الظلام.
وتقول الصحيفة إن السيناريو الكابوس كالتالي: تشن إسرائيل هجومًا بريًا على غزة، مما يزيد من التكلفة البشرية لعملياتها وقد يكون من المستحيل احتواء الحرب في شمال غزة، خاصة وأن نشطاء حماس يتم اكتشافهم وسط تدفق الأشخاص المتجهين إلى معبر رفح وتتعرض مصر لضغوط متزايدة، واجهتها بدورها بحشود من المتظاهرين لتأييد مساندتهم للسيادة المصرية، فمصر تحشد كافة إمكانياتها لتجنب نكبة أخرى (أي طرد آلاف الفلسطينيين من مدنهم وقراهم في عام 1948) ومن المرجح أن تستمر مصر في رفض هذا التهجير القسري خوفًا من زعزعة الاستقرار لأن مصر حريصة على ألاتتحول سيناء إلى غزة جديدة.
ومع تصاعد التكلفة البشرية في فلسطين، فإن حزب الله المدعوم من إيران ــ وهو ميليشيا متمرسة في القتال تعمل من لبنان وسوريا ــ قد يشعر بأنه مضطر إلى الرد أو إظهار علامات الاستعداد للقيام بذلك وفي الرد على ذلك، تستطيع إسرائيل أن تتخذ إجراءات وقائية، فتفتح جبهة شمالية وربما تجر لبنان وسوريا إلى المستنقع، حيث تقوم إيران إما بمساعدة وكلائها بنشاط أو التدخل بشكل مباشر.
وقد يكون رد فعل حاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة هو شن ضربات على حزب الله وربما إيران وفي الوقت نفسه، تندلع أعمال العنف في الضفة الغربية مع ازدياد جرأة المستوطنين اليمينيين المتحمسين، مما يؤدي إلى تجدد دورة العنف وربما المزيد من الهجمات الإرهابية في دوامة لا تنتهي وفي الخلفية، قد تشعر روسيا على نحو متزايد بأنها مدينة لإيران، وقد تغتنم الصين الفرصة لضرب تايوان عندما يصبح الغرب منهكًا فوق طاقته.
خيال أم حقيقة؟
قد يبدو هذا السيناريو أشبه بالخيال الجيوسياسي، وهناك عوامل عديدة تعمل ضد تحقيقه وتشمل هذه العوامل تراجع الرغبة في خوض حرب في المنطقة، وعدم رغبة أغلب الدول العربية في الانجرار إلى الهاوية، وغريزة البقاء لدى إيران والتي قد تخفف من أي رغبة في الانتقام من جانب حزب الله بعيدًا عن المناوشات الرمزية على طول الحدود.
ومع ذلك، في حين أن السيناريو الكابوسي قد لا يتحقق بالكامل، إلا أن الصراع المطول في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية، يظل احتمالًا قائمًا بعد العمليات البرية وحتى لو نجحت إسرائيل في إضعاف حماس، فإن الآلاف الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم قد ينتهي بهم الأمر إلى مخيمات اللاجئين، الأمر الذي قد يتحول إلى أرض خصبة للإرهاب وعلاوة على ذلك، قد تظل روسيا منعزلة بينما تستفيد من الضغط على مستودعات الذخيرة الغربية.