عاجل| علي الدين هلال: يجب على أجهزة الدولة إزالة أي عراقيل أمام المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة
أكد الدكتور علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية ومقرر عام المحور السياسي بالحوار الوطني، أن الانتخابات التعددية تقوي من مؤسسات الدولة والنظام السياسي وتعطي شرعية للرئيس أنه يأتي من خلال انتخابات تنافسية تعددية، لافتا إلى أنه يجب إزالة أي عراقيل أمام المرشحين كافة، لأن قوة أي نظام سياسي ديمقراطي تأتي من العملية الانتخابية حتى لو أحدث ذلك صداع تكلفته ستكون أقل كثيرا من منعه.
وقال علي الدين هلال في حواره مع “الرئيس نيوز” إنه لا يجب أن نخاف من الحرية ومن حق مؤسسات الدولة أن تضمن الاستقرار والأمن فهذا واجبها، لكن التعبير عن الرأي لا يقلق ولا يهدد الأمن ولا الاستقرار، وفي النهاية يجب توسيع المجال العام وفتح دائرة الحوار لسياسي والفكري والثقافي.
وأضاف أن السياسة المصرية شهدت قبل ثورة 1952 ثراء وتعددية حزبية وحرية صحافة وبرلمانا قويا منتخبا انتخاب حر يواجه الإنجليز ويقف في مواجهة الملك والحكومة، وتأثيره فاعل في نظام الحكم، بينما مرحلة ما بعد ذلك انقسمت على حزب واحد.
وأكد أن الإصلاح السياسي الحقيقي في مصر يبدأ من داخل الدولة، معقبا: “أنا من المؤمنين أن هزيمة الدولة من خارجها حدث لأول في يناير 2011، وسنة 1952 هي النقطة الفاصلة في هذا الأمر، فقبل هذا التاريخ كانت الدولة هي الفاعل وتحول الأمر بأن أصبحت القوات المسلحة هي الفاعل بعد 52 حتى الآن”. وإلى نص الحوار..
في البداية.. ماذا عن رأيك في أجواء دورة الانتخابات الرئاسية التي بدأت إجراءاتها؟
بالطبع أتابع جيدا كل ما يجري على الأرض، ولدينا عدد من المرشحين منهم الرئيس عبدالفتاح السيسي وفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، والمهندس حازم عمر، والدكتور عبدالسند يمامة، حصلوا على التزكيات، وهناك أحمد الطنطاوي يحاول جمع التوكيلات، وفي خلال الأيام المقبلة سنعرف من يتوافر له الشروط القانونية للترشح، وهنا أتوقف أمام الرئيس السيسي تحديدا لأن كلامه عن الترشح كان مختصرا، وقال نريد انتخابات تعددية، وهذا نفس التعبير الذي استخدمه مجلس أمناء الحوار الوطني، لأن الانتخابات التعددية تقوي من مؤسسات الدولة والنظام السياسي وتعطي شرعية لرئيس الدولة أنه يأتي من خلال انتخابات تنافسية تعددية، ودائما المحللين وأجهزة المخابرات ترصد وتحلل وتتابع نسبة المشاركة للمواطنين أولا لتقييم مدى شعورهم بسلامة العملية الانتخابية، وهذا يظهر مدى الوعي السياسي، والرئيس السيسي قال “أرجوكم انزلوا بأكبر عدد عايزين العالم كله يتابع الديمقراطية المصرية”، ويجب على كل أجهزة الدولة المسؤولة أن تدفع في هذا الاتجاه وتزيل أي عراقيل أمام جميع المرشحين، لأن قوة أي نظام سياسي ديمقراطي تأتي من العملية الانتخابية سواء الرئيس أو البرلمان، وأتمنى فعلا أن يشهد شهري نوفمبر وديسمبر المقبلين حركة سياسية في البلاد، وأراء مختلفة ومتنوعة، حتى لو أحدث ذلك صداع تكلفته ستكون أقل كثيرا من منعه.
كيف ترى إدارة المشهد الانتخابي للانتخابات الرئاسية 2024؟
الطبيعي أن رئيس الدولة هو الحلقة المركزية في نظام الحكم والنظام السياسي، الرئيس هو الحلقة الحاكمة للنظام السياسي، ومنذ سنة 2014 كان هناك تحديات ضخمة منها إرهاب داخل القاهرة وغيره ومئات المظاهرات أعقاب صلاة الجمعة واهتزاز وقصور بعض الجهات الحاكمة، والرئيس تحدث عن تثبيت مؤسسات الدولة، وكان له تعبير صدم المصريين عندما قال "مصر شبه دولة" وهو كان يقصد أن المؤسسات القائمة في مصر لا تصنع دولة قوية، وليس لديها قدرة تمكنها من الوفاء بدورها، واعتقد أننا مازلنا في مرحلة انتقالية ليس بالمعنى القانوني ولكن بالمعنى السياسي، وشكل النظام السياسي لم يتبلور حتى الأن، والعادة أن الأحزاب ترشح ناس لرئاسة الدولة ولازلنا في طور تشكل النظام السياسي، وأتمنى أن الانتخابات القادمة يكون لها دور فاعل في تشكيل النظام السياسي المصري مستقبليا، خاصة أننا لا نمتلك تقاليد واضحة فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، فمنذ 1952 وحتى 2005 كان هناك استفتاء وليس انتخابات، وتجاربنا في انتخاب رئيس الجمهورية محدودة بدأت عام 2005، ومن بعدها كان لكل تجربة منهم سمات مختلفة، وحقيقة ليس لدينا تقاليد سياسية لانتخاب الرئيس لا على مستوى النخبة ولا على المستوى الشعبي.
الحياة الحزبية ليست بالقوة الكافية لتقديم بدائل حقيقية للحكم.. دستوريا هي آخر فترة للرئيس السيسي ومستقبليا نجد أنفسنا بلا بدائل قوية سواء من داخل النظام أو خارجه.. فكيف نواجه هذا الأمر؟
أفضل في السياسة والتحليل السياسي في الديمقراطية أن أصف الأحزاب بأنها هي موتور وماكينة العمل السياسي، وتعبر عن التعددية السياسية، ولذلك المطلوب منا كلنا دعم الأحزاب السياسية المصرية والبحث بداخلها عن بدائل، وقدمنا في الحوار الوطني اقتراحات لهذا منها إعطاء دعم قانوني للأحزاب وتعديل بعض مواد القانون، ودور الأحزاب مهم والحوكمة المالية والإدارية للأحزاب مهمة جدا، والهدف توفير بيئة قانونية وسياسية تنشط الأحزاب، وحقيقة أنا ضد الكلام وكأن مصر عقمت ولا يوجد بها سياسيين، فإذا أعطيت الأحزاب السياسية الفرصة ودخل فيها أصحاب الخبرات والشباب ليتعلم مثل تجربة التنسيقية ستفرغ قيادات واعدة. فهناك أحزاب يسارية وأحزاب وسط وأحزاب ليبرالية وأخرى محافظة، وكله يقدم بدائل مختلفة وكل هذه الأفكار موجودة في مصر ولديهم رموز سياسية وفكرية محترمة وأسماء لامعة، ويجب إتاحة الفرصة لهم، والسماح لهم بالتجمع والتعبير عن أنفسهم والتواصل مع الناس في إطار الدستور والقانون، لا يجب أن نخاف من الحرية (الحرية مش بتخوف) ومن حق مؤسسات الدولة أن تضمن الاستقرار والأمن فهذا واجبها، لكن التعبير عن الرأي لا يقلق ولا يهدد الأمن ولا الاستقرار، وفي النهاية يجب توسيع المجال العام وفتح دائرة الحوار لسياسي والفكري والثقافي.
من الطبيعي أن يكون رئيس الدولة تابع لحزب أو يمثله حزب بينما الرئيس السيسي ليس له ظهير سياسي.. كيف نعالج ذلك؟
السبب عندما كان هناك فترة التعدد الحزبي كان الرئيس هو رئيس حزب ويرشحه الحزب، ولديه برنامج متكامل، والوضع الحالي سببه أن وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي ساهم في الحركة الشعبية ضد الإخوان ونظر إليه المصريون جميعا كبطل وهذا ظرف استثنائي، والوضع كالتالي (واحد الشعب كله معاه وعنده ظهير شعبي كبير عايز تقوله سيبك من دول واعمل حزب طبعا، مستحيل) والرئيس السيسي له وضع خاص ولكن هذا الوضع سيتغير ولابد في النهاية النظام السياسي العادي الطبيعي أن الأحزاب ترشح والمنافسة تكون حزبية، والحالة التي نمر بها استثنائية، فالرئيس اعتمد على توكيلات شعبية لأنه ليس له ظهير سياسي حزبي منظم برغم وجود 60 حزبا يؤيدونه، ولكن ولا حزب منهم ظهير سياسي منظم للرئيس.
الإخوان في فترة حكمهم كان لديهم جماعة تنظيمية وكان هناك هيكل قد يكون نواه لنظام لم يكتمل.. فماذا عن النظام بعد 30 يونيه.. هل اكتمل الهيكل التنظيمي أم لازلنا في طور التشكل؟
بالطبع قولا واحدا النظام السياسي في مصر بعد 30 يونيو مازال في طور التشكل لكي تتضح معالمه، هناك حراك وعملية إصلاح وتكوين نظام، ولا يمكن تأسيس نظام مستقر لمدة طويلة ورئيس الجمهورية لا يرأس حزب، أي رئيس جمهورية منتخب يجب أن يكون له ظهير سياسي، وهناك مسؤلية تاريخية للرئيس السيسي لتأسيس هذا النظام، خاصة أن الدستور يفترض أن رئيس الجمهورية يأتي دائما من خلفية حزبية وعندما يتم انتخابه عليه أن ينهي علاقته بالحزب أو الائتلاف الحزبي التابع له.
ومازلنا في مرحلة انتقال سياسي والنظام يتبلور وله عناصر مختلفة، دور الأحزاب السياسية والتعددية وتوسيع دائرة المجال العام، والحوار بين الناس، وكل هذه الأمور كانت محل توصيات من الحوار الوطني في المحور السياسي وطرحنا أفكار كثيرة منها قضية الرئيس وعلاقته بالأحزاب السياسية.
هل حدث أي اختلاف في بنية النظام المصري منذ بداية الجمهورية وحتى الآن؟
بالطبع من الصعب اختيار نقطة البداية، ولكن ما يمكن قوله إن الدولة الحديثة في مصر تبدأ منذ عهد محمد علي، جيش منظم وبداية البيروقراطية المصرية (ضرائب، تجنيد، دواوين) واستمرت منذ القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ولكن كان نظاما ملكيا بعد أن أعطى الاستقلال القانوني لمصر 28 فبراير 1922، وصدر عام 1923 أول دستور مصري يحمل كلمة (دستور) وما كان قبله كانت أسماء أخرى مثل لائحة أو قانون نظامي، كما صدر دستور 1930 والذي ألغي بعد 5 سنوات فقط، إلى أن جاءت ثورة 1952 وهو بداية جديدة.
وفي التاريخ وفي النظم السياسية لا نعرف بداية جديدة تماما، فتتغير أمور وتستمر أمور، ونبني على ما قبله، وكان إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهوري، يتطلب إلغاء دستور 23 وإصدار مبادئ دستورية مؤقته لحين صدور دستور جديد والذي صدر بالفعل عام 1956 وبعده عدل بدستور 1958، ثم الإعلان الدستوري 1963 وبعده بسنوات دستور 1971، وتستمر الأمور في التطور.
أما عن شكل نظام الحكم فحقيقة ما يمكن الجزم به، أن السياسة المصرية شهدت قبل ثورة 1952 ثراء وتعددية حزبية وحرية صحافة وبرلمانا قويا منتخبا انتخاب حر يواجه الإنجليز ويقف في مواجهة الملك والحكومة، وتأثيره فاعل في نظام الحكم، بينما مرحلة ما بعد 1952 انقسمت على حزب واحد أو (التنظيم السياسي الواحد) وتمثل في هيئة التحرير أو الاتحاد القومي العربي أو الاتحاد الاشتراكي، وهذا استمر حتى عام 1967.
كما أن بنية نظام الحكم كان للقوات المسلحة دور رئيسي وفاعل بها، فرئيس الدولة من القوات المسلحة (عبدالناصر ثم السادات ثم مبارك وبعدهم تجربة مدنية لمحمد مرسي وأخرى لرئيس مؤقت هو عدلي منصور ثم عبدالفتاح السيسي ينتمي للمؤسسة العسكرية) فالغالبية العظمى ينتمون للمؤسسة العسكرية، والتي لها دور فاعل بشكل كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، كما أنها خلال دستور 2014 أصبح لها دور أكثر فاعلية بنص دستوري يضعها حامية للدستور، كما أن رئيس الجمهورية يختار وزير الدفاع بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهذا في الدستور والقانون.
هل كان هذا الدور الذي تلعبه القوات المسلحة في الحياة السياسية ونظام الحكم بالمساحة نفسها مع الأنظمة كافة؟
بالطبع لا، فهناك بعض الاختلافات وقد تزداد المساحة في أوقات وتنخفض في أخرى. ففي عهد عبدالناصر مجلس قيادة الثورة كان كله ضباط، وفي عام 1955 أبلغهم أنه سينهي المرحلة الانتقالية ومن يرغب في الاستمرار بالجيش يستمر، ومن يرغب في الخروج والعمل في قطاعات مدنية أخرى فلديه الحق، حتى أنه فترة الستينيات كان جميع سفراء مصر بالخارج من عسكريين، وعسكريين سابقون في مناصب مدنية مختلفة بالدولة كمحافظ أو رئيس مدينة أو غيرها، خاصة أن الإحالة للتقاعد في القوات المسلحة قد يحدث في سن صغير مثلا منتصف الأربعينات.
ولكن لا يمكن نفي وجود نخبة سياسية مصرية قوية ومتماسكة في عهد عبدالناصر، هي التي ظهرت بعد أول صدع بين ناصر وعبد الحكيم عامر أعقاب نكسة 67، عندما كان رئيس الدولة في مواجهة مباشرة مع نائبه أو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وآنذاك حدث شئ مهم جدا لأول مرة بمحاكمات لوزراء عسكريين وضباط طيران، وبعدها بثلاث سنوات وصل السادات للحكم وهو (نصف مدني ونصف عسكري) فقضى خارج القوات المسلحة أكثر ما قضاه داخل الجيش، وعمل في جميع أنواع المهن، كما انضم لأحزاب وحركات سياسية، وكان لديه مخزون مختلف تماما من تجاربه السياسية عن عبدالناصر.
فالسادات أراد أن يعطي مصر مظهرا ديمقراطيا وبدأ يعمل على "مدينة" القيادة العليا لأول مرة منذ عام 1952، ويصبح هناك رئيس وزراء مدني لأول مرة كان هو الدكتور الفاضل محمود فوزي وزير الخارجية الأسبق، وحقيقة تراجع تمثيل العسكريين في تشكيل الوزارة والسفارات، لتصبح القوات المسلحة قوة لاستقرار سياسي وليس قوة حامية للنظام، وانتقل هذا الوضع لعهد الرئيس مبارك، والذي عمل على مدينة النظام بشكل أوسع، حتى أنه طوال مدة حكمه كان رئيس الوزراء مدني وأغلب الوزراء من المدنيين، ولكن هذا لا يعني انتفاء دور المؤسسة العسكرية والأجهزة السيادية في إدارة شئون البلاد ومنها الرقابة الإدارية والمخابرات العامة، والتي كان لها دور بإبداء الرأي والتوجيه أحيانا، وكان من الضروري تواجد المشير طنطاوي في جميع الاجتماعات المهمة على يمين الرئيس مبارك كـ"رمز" ولكن في صور قوة حامية للنظام.
هل كان النظام يسعى في أي وقت لصناعة نخبة سياسية حقيقية.. وما مدى جدوى هذه المحاولات؟
بالفعل كان هناك محاولات مختلفة لإيجاد نخب سياسية، منها محاولات جادة توقفت عند مرحلة معينة، ومحاولات صورية فقط، أول محاولة عاصرتها وشاركت بها كانت إنشاء منظمة الشباب الاشتراكي العربي، وبدأت في مطلع الستينيات وانتهت مع أواخر الستينيات، وهي محاولة كانت جادة واختير أعضائها بأسلوب جيد، وستجدهم فعلا أصبحوا فيما بعد قيادات حزبية ورموز في الحياة السياسية وأغلبهم أبناء هذه التجربة، منهم مثلا عبدالغفار شكر والذي كتب قائمة طويلة في ختام إحدى كتبه فيها كل الأسماء الموجودين في كل الأحزاب، وهذه المحاولة انتهت بتدخل بعض عناصر في جهاز الدولة وتم إجهاضها خوفا من أن هذه الكيانات قد تنافسها وتمثل قوة موازية لها في المستقبل، خاصة أن أبناء هذه التجربة تربوا تربية سياسية جيدة وصحيحة، حتى أنهم خرجوا بمظاهرات بعد 67 ضد الأخطاء، فشعرت القوة الأكثر تأثيرا أن هذه التجربة ستكتسب قوة وتأثير، فقرروا تصفيتها.
وكان في تجربة ثانية هي التنظيم الطليعي والطليعة العربية، وحقيقة لم أكن جزء من هذه التجارب ولكني عاصرتهم، وكان حظهم أقل من منظمة الشباب، خاصة أنهم كانوا قائمين على أفراد وأسماء بعينها وكان شعراوي جمعة مكلفا بعملها داخل الجامعات، وما جرى من تسريب معلومات حول هذه الكيانات بأنها تكتب تقارير في زملائهم تسبب في القضاء عليها أيضا عام 1970 بوفاة عبدالناصر.
وفي عهد السادات لا أتذكر وجود محاولة جادة لبناء وصناعة نخبة، وللأسف كان كله ترشيحات أجهزة أمنية، وكان هناك محاولات لتجنيد النخبة الحاكمة، ولم يكن موجود أى تجارب لبناء نخبة سياسية، باستثناء وجود منصور حسن الذي كان من العناصر الواعية وأصحاب الرؤية في عهد السادات، وأصبح فجأة وزير شئون رئاسة الجمهورية، وفي عام 1976 دخل صدام مع النائب أنذاك حسني مبارك وبعدها اختفى دوره تماما، هذا الرجل عمل أكثر من زيارة لكلية سياسة واقتصاد من أجل نشر الوعي السياسي وتأسس نخبة من الشباب، كما كان هناك محاولة فردية أخرى من الدكتور أحمد مرسي الأديب الشعبي العظيم، والذي عين أمين شباب في عهد السادت وبدأ يجري محاولات حثيثة لبناء نخبة سياسية، لكن لم يكتب لها الاستمرار ولم تتبلور، وكانت الكيانات الإدارية الأقوى تسيطر وتجهضها بطرق مختلفة خوفا من تناميها في المجتمع.
ومنذ عام 77 إلى 79 فتح المجال السياسي وعاد حزب الوفد وأقام مؤتمرا كبيرا أمام نقابة الصحفيين بحضور فؤاد سراج الدين وعبدالحميد حشيش ونعمان جمعة وغيرهم من الرموز الوفدية الكبيرة، وتحدث بكلمة قوية الدكتور خالد محمد خالد صاحب كتاب "مواطنون لا رعايا"، كما ظهرت أحزاب الناصري والتجمع وبدأوا تأسيس لبدايات، من خلال نخب سياسية لها فكرها السياسي ورؤيتها وأيدلوجيتها، ولكن جاءت معاهدة السلام بالسلب على الحياة السياسية المصرية، بعد اعتراض هذه الأحزاب على المعاهدة، ليعود السادات لإغلاق الحياة السياسية مرة أخرى والتضييق على هذه المحاولات.
وماذا عن التجارب الحالية والتي ظهرت في عهد الرئيس السيسي "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"؟
هذه التجربة بدأت "تنسيقية شباب الأحزاب" حتى نكون محددين، وفي لحظة ما تغير اسمها وأصبحت "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، والمرحلة الأولى كنت متابع لها وقريب منها ولكني لم أكن جزء منها، وطلب حينها من كل حزب ترشيح شبابه المميزين، وجميع الأحزاب رشحت واختارت أفضل عناصرها المعبرة عن آرائها وأيدلوجيتها، وعندما اجتمعوا معا ومع المسؤلين قيل أن ليس الهدف دمج الأحزاب، ولكن كل فرد سيظل مخلصا لتوجهاته وانتمائه الحزبي، وهو نوع من الائتلاف الوطني للاتفاق على قضايا معينة تجمعنا، وهي قريبة لفكرة الحوار الوطني من أجل الوصول لنقاط تلاقي وتوافق حول قضايا بعينها.
وفي الجزء الأول هي تجربة ناجحة جدا من حيث الفكرة والاختيارات والعناصر بعضها أشخاص فاهمة وقوية، وبعدها حدث توسع وأضيف السياسيين وأصبح من الصعب معرفة اتجاهاتهم السياسية، والتقييم على المجموعة الحزبية فقط وهم لازالوا الأغلبية، والشكل العام لأدائهم مقبول جدا والتجربة قابلة للتطوير، خاصة أن عدد منهم دخل البرلمان ولديهم رؤية وقوة ووعي حقيقي، وبصفتي مقرر للمحور السياسي بالحوار الوطني تابعتهم جيدا وبعضهم دارس وفاهم جيدا ولديه رسائل محددة وإيجابية.
هل كانت هذه المحاولات جادة من النظام أم الهدف منها الحشد الشعبي فقط؟
الحشد ده موجود طول الوقت ولا يحتاج نخبة، لأن من يقوم بالحشد هي السلطة التنفيذية مثل المدارس والمصانع والشركات، ولكن الحديث عن صناعة النخبة كان دائما مقلق للنظام، خوفا من تناميه وسيطرته، فدائما الأنظمة تخشى من تقوية الكيانات المستقلة لدرجة معينة حتى لا تؤثر على هذه الأنظمة نفسها.
ماذا عن مقارنة هذا الدور بالذي تلعبه النخبة السياسية وتأثيرها في نظام الحكم خلال كل مرحلة؟
للأسف ترتب على ما سبق عدم وجود أحزاب قوية "سند شعبي" أو منظم للنظام السياسي، مما أحدث خلل في العملية السياسية كاملة.
فلن أتحدث عن فكرة الحزب الواحد لأن في واقع الأمر الحكم كاملا في يد رئيس الدولة والجهاز البيروقراطي سواء العسكري أو المدني، هي ليست دولة الحزب ولكنها حزب الحكومة، والأساس الصحيح هو الدولة.
مثلا في بلد مثل الصين الحزب أقوى من الحكومة، هو الذي يدير ومدير إدارة الشئون الخارجية في الحزب أقوى من وزير الخارجية، ومدير الإدارة العسكرية أقوى من وزير الدفاع، في العملية السياسية السليمة الحزب هو الأساس، وفي مصر الوضع مختلف مثل كثير من الدول، فمثلا من يحكم الصين! قطعا الحزب الشيوعي الصيني، أما في مصر منذ عهد محمد علي إلى الآن رئيس الدولة هو الفاعل الرئيسي في نظام الحكم تدعمه السلطة التنفيذية بجناحيها المدني (البيروقراطية) والعسكري، وخارج ذلك الأحزاب والمجتمع المدني والنقابات وغيرها لها دور طفيف في الحياة السياسية قد تقوى في أوقات معينة وتضعف في أخرى، والفاعل الرئيسي هو الدولة وليس الحزب.
كيف نواجه هذا الخلل في الحياة السياسية المصرية وتأثيرها على نظام الحكم؟
دائما أرى أن الإصلاح السياسي الحقيقي في مصر يبدأ من داخل الدولة، وأنا من المؤمنين أن هزيمة الدولة من خارجها حدث لأول في يناير 2011، وسنة 1952 هي النقطة الفاصلة في هذا الأمر، فقبل هذا التاريخ كانت الدولة هي الفاعل وتحول الأمر بأن أصبحت القوات المسلحة هي الفاعل بعد 52 حتى الآن.