طوفان الأقصى.. كيف خدعت حماس إسرائيل عندما خططت للهجوم المدمر؟
في غزة وعلى حدودها، لا تغيب أعين إسرائيل أبدا، فطائرات المراقبة المسيّرة تحلق باستمرار في السماء، والحدود شديدة التأمين مليئة بالكاميرات الأمنية والجنود الذين يحرسونها، إضافة إلى العملاء داخل غزة، واستخدام التكنولوجيا في جمع المعلومات، لكن رغم كل ذلك، فقد "وقعت الواقعة".
كان يوم سبتهم، تأتيهم حيتانهم شُرّعا، يقيمون صلوات الهيكل، تهتز الرؤوس تحت القبعات الصغيرة، غير أن سبت السابع من أكتوبر 2023 كان على غير ما توقع اليهود.
عَمِيت عليهم الأنباء فهم لا يتساءلون ولا يترقبون هذا الحجم الكبير من الدمار، أما في غزة فقد أبرم الأمر بليل، وقررت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أن تقتحم الجدار الحصين، ليعبر المقاتلين إلى المستوطنات الغافية.
خرج القوم لا يلوون على شيء، كانت ملابس النوم تشي بالمباغتة، ومن الكبار من سحب من غرفة نومه، ليجد نفسه يقتاد إلى غرف مظلمة قد يطول فيها انتظاره.
أسوأ اختراق لدفاعات إسرائيل
وجاء هجوم يوم السبت، وهو أسوأ اختراق لدفاعات إسرائيل منذ أن شنت الجيوش العربية الحرب عام 1973، بعد عامين من الحيل التي قامت بها حماس شملت إبقاء خططها العسكرية طي الكتمان وإقناع إسرائيل بأنها لا تريد القتال.
وأرجع الخبير العسكري سمير فرج، نجاح وتمكن كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، في عملية طوفان الأقصى، إلى التخطيط الجيد والمسبق، الأمر الذى ظهر بوضوح من خلال التناغم الذى ظهرت به العناصر الفلسطينية على أرض الواقع.
وقال فرج لـ"الرئيس نيوز"، إن عناصر حماس استفادت من الدروس المستفادة لحرب السادس من أكتوبر عام 1973 وهو الاعتماد على المقاتل واستخدامه أفضل استخدام، وذلك لإيمانه بالقضية، وهو الأمر الذى منح التفوق للجندي المصري في المعركة، رغم امتلاكه أسلحة دفاعية، وكذا العناصر الفلسطينية اليوم.
وأخذ عنصر المباغتة جزءاً أساسياً من الخطة، حيث أعطت حماس الانطباع لإسرائيل بأنها غير راغبة في موجة جديدة من القتال، أما تل أبيب فقد كانت غارقة في نوم ثقيل من الاطمئنان العسكري، قبل أن يحرق الفجر اللاهب حالة الأمن المزيفة.
حملة خداع دقيقة أدت إلى أن تفاجأت إسرائيل عندما شنت كتائب القسام هجومها المدمر، مما مكن قوة تستخدم الجرافات والطائرات الشراعية والدراجات النارية من التغلب على جيش الاحتلال الذي يدعي أنه لا يقهر.
وأشار الخبير العسكري، إلى أن العناصر الفلسطينية أظهرت مهارة وكفاءة في الاعتماد على أسلحة هجومية كمعدات الدلتا في الاقتحام الجوي والتي تمكنت من اختراق خط الحدود وصولا إلى المستوطنات، والطائرات العمودية في استهداف الآليات الإسرائيلية بالقنابل بما يتناسب مع إمكانياتهم المحدودة، فضلا عن التوسع في استخدام الرشقات الصاروخية بشكل مكثف بما ضمن لها التفوق على منظومة القبة الحديدية.
واستبعد المحلل السياسي أحمد رفعت، أن يكون ما جرى على الأرض يوم السبت قراراً انفعالياً غاضباً جراء اقتحام الأقصى أو الاعتداء على المصلين، مؤكدا أن مثل هذه العملية لا تقل فترة الاستعداد لها عن عام أو عامين.
وقال رفعت لـ"الرئيس نيوز"، إن ما يدعم تحليلاته هو أن غزة تحت المراقبة الدائمة بالكامل من كافة أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وأضاف أن تلك الأجهزة تراقب ليس دخول السلاح فقط بل حتى مجرد (الحديد) الخام أو مخلفاته والخردة التي يتم صهرها وتحويلها إلى صواريخ أو طائرات مسيّرة في ورش بدائية بما يستلزم وقتا طويلا لتجهيز مخزون من القذائف يكفي لأسابيع على الأقل.
ولفت رفعت، إلى أنه فضلا عن ذلك هناك التدريب وقد شمل طائرات شراعية لا نعرف أين ومتى تدربت الفرق الفلسطينية عليها وهناك المعلومات وهي أساسية وتعني الحفاظ على سرية معلوماتك وتأمينها وكذلك الحصول على معلومات من العدو.
تأمين العملية وسريّتها
وأردف أنه عندما يقوم عدد كبير من الفلسطينيين بهذه العملية فهذا يعني أيضا القدرة الفائقة على تأمين العملية والحفاظ على سريّتها وتراجع قدرات العدو على اختراق الدوائر العليا أو على الأقل العسكرية منها.
وزاد المحلل السياسي، أن ما جرى يوم السبت تأكد معه سقوط كل نظريات الأمن الإسرائيلية وبدت هشاشة دوائره الأمنية والعسكرية والتي ثبت إمكانية اختراقها وبأدوات بدائية وإن كانت ذكية بلغت حد احتلال مبان ومعابر ومستوطنات والعودة بأسرى.
ولم تظهر حتى الآن أي علامات على تراجع حماس، مما يشير إلى أنها استعدت للبقاء على المدى الطويل، وربما لديها إمدادات وافرة وترسانة قوية من الصواريخ، ويمكن أن تخطط لنصب مزيد من الكمائن.
واستخدمت حماس تكتيكًا استخباراتيًا غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع عام بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة.
وفيما كانت إسرائيل تعتقد أنها تحتوي على حماس التي أنهكتها الحرب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في غزة كان مقاتلو المقاومة يتم تدريبهم استعدادا للهجوم المباغت الذي يعد الأكثر رعباً منذ حرب السادس من أكتوبر قبل 50 عاماً عندما فاجأت مصر وسوريا إسرائيل وجعلتها تقاتل من أجل سيادتها.
وكما وقعت حرب أكتوبر 1973 يوم السبت -وهو يوم إجازة رسمية لدى إسرائيل- فقد اختارت القسام أيضا لمعركتها اليوم ذاته، الذي صادف آخر أيام ما يُسمى "عيد العُرش"، لشن هذه العملية المباغتة.
وسعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها مهتمة أكثر بضمان حصول العمال في غزة -هو شريط ضيق من الأرض يضم أكثر من مليوني نسمة- على فرص عمل عبر الحدود وليس لديهم مصلحة في بدء حرب جديدة.
وتمكنت حماس من بناء صورة كاملة -يبدو أن تل أبيب اقتنعت بها تماما- بأنها غير مستعدة لمغامرة عسكرية ضد إسرائيل.
ومنذ حرب عام 2021 مع حماس، سعت إسرائيل إلى توفير مستوى أساسي من الاستقرار الاقتصادي في غزة من خلال تقديم حوافز تشمل آلاف التصاريح حتى يتمكن سكان غزة من العمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث يمكن أن تصل الرواتب في وظائف البناء أو الزراعة أو الخدمات إلى 10 أجور (أضعاف مستوى الأجور في غزة).
ويقول متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتقدنا أن حقيقة مجيئهم للعمل وجلب الأموال إلى غزة ستخلق مستوى معين من الهدوء، كنا مخطئين، لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال، وطوال الوقت كانوا يشاركون في التدريبات حتى قاموا بأعمال شغب.
وكجزء من حيلتها في العامين الماضيين، امتنعت حماس عن القيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل، حتى عندما شنت جماعة الجهاد الإسلامي المتمركزة في غزة سلسلة من الهجمات أو الهجمات الصاروخية الخاصة بها.
ضبط النفس الذي أبدته حماس أثار انتقادات علنية من بعض المؤيدين بهدف خلق انطباع بأن حماس لديها مخاوف اقتصادية وليست حربا جديدة في ذهنها.
وفي الضفة الغربية، التي يسيطر عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح، كان هناك من سخروا من حماس بسبب التزامها الصمت.
وفي بيان لحركة فتح نُشر في يونيو 2022، اتهمت الحركة قادة حماس بالفرار إلى العواصم العربية للعيش في فنادق وفيلات فاخرة تاركين شعبهم للفقر في غزة.
وفي الوقت نفسه، حولت إسرائيل تركيزها بعيدًا عن حماس في الوقت الذي دفعت فيه للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
ولطالما تفاخرت إسرائيل بقدرتها على اختراق حركات المقاومة ومراقبتها، لكن -فيما يبدو- فإن جزءاً حاسما من خطة حماس كان تجنب التسريبات.
وعندما جاء "اليوم الموعود"، أمطرت كتائب القسام إسرائيل بثلاثة آلاف صاروخ من غزة تزامنت مع توغلات قام بها مقاتلون طاروا بطائرات شراعية أو طائرات شراعية عبر الحدود، فيما قالت إسرائيل في وقت سابق إنه تم إطلاق 2500 صاروخ في البداية.
وبمجرد وصول المقاتلين على الطائرات الشراعية إلى الأرض، قاموا بتأمين التضاريس حتى تتمكن وحدة كوماندوز من النخبة من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي بنته إسرائيل لمنع التسلل.
واستخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم عبروها مسرعين على دراجات نارية، ووسعت الجرافات الفجوات ودخل المزيد من المقاتلين بسيارات رباعية الدفع، وهي المشاهد التي وصفت بـ"فشل فادح" لإسرائيل.
وهاجمت وحدة كوماندوز مقر قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب غزة وشوشت على اتصالاته ومنعت الأفراد من الاتصال بالقادة أو ببعضهم البعض.
وبعد انطلاق عملية طوفان الأقصى بساعات، أعلنت إسرائيل حدوث إخفاق هائل في استخباراتها، وأعقب ذلك اعترافها بوقوع عدد كبير من المستوطنات تحت سيطرة مقاتلي القسام.
وانتشرت صور مدرعات إسرائيلية يقودها فلسطينيون بعد استحواذهم عليها، فضلًا عن مقاطع فيديو لسيارات دفع رباعي يقودها مقاتلون فلسطينيون تجوب شوارع بلدات ومدن إسرائيلية، فضلًا عن عشرات الأسرى الإسرائيليين رفقة مقاتلين فلسطينيين تم نقلهم إلى غزة، وهو ما تم تحقيقه في الغالب في وقت مبكر من الهجوم.
وفي إحدى عمليات احتجاز الرهائن، اختطف المقاتلون رواد حفل أثناء فرارهم من حفلة بالقرب من كيبوتس رعيم بالقرب من غزة.
وأظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأشخاص يركضون في الحقول وعلى الطريق مع سماع أصوات أعيرة نارية.
وهنا يقول المتحدث باسم قوات الاحتلال الرائد نير دينار: لقد تمكنوا منا، لقد فاجؤونا وجاؤوا بسرعة من عدة مواقع، سواء من الجو أو الأرض أو البحر.
واستغلت حماس إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلية في الضفة الغربية لحماية المستوطنين في أعقاب تصاعد أعمال العنف هناك، ولم تصل إلى كامل قوتها في الجنوب قرب غزة.
ويعترف الجنرال المتقاعد ياكوف عميدرور -وهو مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- أن الهجوم يمثل فشلا كبيرا لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب.
ويقول عميدرور الذي كان رئيسا لمجلس الأمن القومي بين عامي 2011 و2013، إن بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إن حماس اكتسبت مزيدا من المسؤولية وبدأنا بغباء نعتقد أن هذا صحيح، لذلك ارتكبنا خطأ، لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى وسندمر حماس ببطء ولكن بثبات.
ويعبر الجنرال الإسرائيلي السابق إسرائيل زيف عن الصدمة التي أصابت إسرائيل حيث يقول: إنه لم يسبق أن رأيت في حياتي كلها مثل هذا التخطيط والتنفيذ التفصيلي الذي تم في طوفان الأقصى.
وفيما انشغلت إسرائيل بالعنف في الضفة الغربية، مما أدى إلى وجود ضعيف وغير مستعد في الجنوب، نجحت حماس بما يتجاوز توقعاتها، والآن سيتعين عليها التعامل مع إسرائيل المصممة على القضاء عليهم.
وسياسياً، وجه الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة ضربة للزخم الذي اكتسبه في الأشهر الماضية المسعى الأمريكي لإبرام اتفاق تطبيع بين الدولة العبرية والسعودية، وأعاد تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية.
ويدفع الرئيس الأمريكي جو بايدن في اتجاه الاتفاق بين الرياض والدولة العبرية لما سيشكله من مكسب دبلوماسي يعزز حملته للانتخابات الرئاسية في 2024.
عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية ربما يكون من دوافع الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، هذا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في إشارة واضحة للضربة التي وجهتها عملية طوفان الأقصى لمساعي التطبيع بين الرياض والدولة العبرية، ودفع جميع الأطراف لإعادة حساباتها.
وتلقى اتفاقات التطبيع معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية مثل حماس، إضافة إلى كامل محور المقاومة الذي يضم إيران وحلفاءها في المنطقة.
وتنظر طهران، العدو الإقليمي اللدود لإسرائيل، إلى اتفاقات التطبيع هذه على أنها طعنة في ظهر الفلسطينيين.
وتوقع رفعت أن يكون لذلك تداعيات داخل إسرائيل نفسها وفي المنطقة وعلى مسارات التطبيع، ولا تزال المعركة في غزة وما حولها في بدايتها ولم تأخذ شكلها النهائي المفتوح على احتمالات عديدة.
واقتحم مقاتلو حماس المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 700 إسرائيلي وأسر العشرات، وقتلت إسرائيل أكثر من 400 فلسطيني في ردها على غزة منذ ذلك الحين.
رد الفعل الإسرائيلي توقع المحلل السياسي أسوأه على الإطلاق، بسقوط حتى 1000 أو 2000 شهيد وعشرات الألوف من الجرحى وتدمير البنية التحتية الفلسطينية بالكامل، ولكن رغم كل ذلك لن يستسلم أحد ولن يعود الأسرى الإسرائيليين بالتحرير المباشر بالقوة، ولذلك ستأتي اللحظة للتفاوض.
وتابع أن هنا يبدو السيناريو الأول وهو الاقتناع أخيرا بضرورة التفاوض ما يعني بدء تنفيذ شروط من أطراف عربية اشترطتها أولا للتطبيع مع إسرائيل، أم سنذهب إلى المخطط القديم والثابت للدولة اليهودية (النقية) من العرب وهو ما يعني ترحيل عرب 1948 إلى خارج إسرائيل وهو ما يحتاج إلى ذريعة قوية لترحيل من يحملون - كرها - الجنسية الإسرائيلية لكنهم لم يرتكبوا شيئا أو ضم أجزاء من أرض الضفة وإعلانها أرضي إسرائيلية رسميا، أم مفاوضات طويلة حول الأسرى ولو صحّت الأنباء عن عددهم سيكون الجانب الإسرائيلي هو الأضعف خاصة إذا أستخدمها الفلسطينيون جيدا من خلال بث رسائل مصورة للأسرى إلى ذويهم يستعطفونهم لإطلاق سراحهم، العدد المحتمل للأسرى يكفي لتحقيق الإفراج عن كل السجناء الفلسطينيين، وكذلك جثث الشهداء المرتهنة في مستشفيات العدو، وتبقى المواجهة محتملة دائما مع هذا السيناريو الأخير.