الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

حوار| اللواء سامح أبو هشيمة: خطة الخداع في أكتوبر 73 أشبه بالمعجزة.. والجيش كان سباقًا في استعمال الحرب السيبرانية

الرئيس نيوز

- الحرب الإلكترونية مكنت الجيش المصري من إسقاط مقاتلات الفانتوم الأمريكية الحديثة 

- حققنا خلال حرب أكتوبر أكبر خطة خداع استراتيجي تُدرس حتى الآن في دول العالم

-  اضطر جيش الاحتلال إلى إبرام مبادرة "روجر" لتخفيف حدة الهجوم المصري

- الاحتلال أدرك أن الجيش المصري يمتلك أدوات متقدمة ليس متوقعًا أن تكون معه

- أمريكا احتلت العراق دون مقاومة بسبب لجوئها للحروب النفسية   
   
قال اللواء الدكتور سامح أبو هشيمة، أستاذ الاستراتيجية القومية في أكاديمية ناصر، إن إمكانيات الجيش المصري، أهلته لأن يكون سباقًا في اللجوء إلى الحرب السيبرانية، خلال حرب أكتوبر 1973، على الرغم من أنها لم تكن استعملت من قبل أو أخذت هذه التسمية، لكن المتابع لخطة الخداع المستخدمة خلال حرب العبور، يعرف أن الجيش كان سباقًا في التعامل مع هذه النوعية من الحروب.

وأكد خلال مقابلة أجراها مع "الرئيس نيوز"، أن الجيش المصري أسقط طائرات الفانتوم، وكانت وقتها من أحدث المقاتلات في العالم، وكل ذلك كان بسبب قدرته على التعامل مع وسائل الحرب الإلكتورنية. وإلى نص الحوار.

بصفتك أستاذَا في الاستراتيجية القومية؛ هل لك أن تحدثنا عن خطة الخداع التي قام بها الجيش في أكتوبر؟ 

جميل جدًا أن نتحدث عن ذلك المحور؛ بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الخمسين بنصر أكتوبر العظيم على العدو الإسرائيلي، ونتعلم من الدروس المستخلصة منه، وكيف أعد قادتنا خطة خداع مكتملة الجوانب، حققت الهدف الرئيس منها وهو اختراق خطوط العدو الأمامية والوصول إلى عمق الأهداف، إلى الدرجة التي جعلت المعاهد والكليات العسكرية حول العالم تُدرسها حتى اللحظة؛ بوصفها كانت استشرافًا لجيل جديد من الحروب هو الحرب السيبرانية. لكن من الأهمية بمكان أن نتطرق إلى الجيل الجديد من خطط الخداع الاستراتيجي، وهي التي تسمى حروب الجيل الخامس، أو الحروب الهجين، التي تستخدمها روسيا حاليًا ضد أوكرانيا.
أما ما يتعلق بخطة الخداع خلال حرب أكتوبر، فالخداع  كان مشتملًا على أكثر من محور، خداع بمفهومه الواسع، فهناك إجراءات تعلقت بالجبهة الداخلية، وأخرى بنقل المعدات، فضلًا عن خطط الخداع الميدانية، والسيادية، وتحركات واستعدادات الجيش، إلى فكرة تضليل العدو وإمداده بالمعلومات الخاطئة، وهو الأمر الذي يعرف حاليًا بالحرب السيبرانية، لذلك كان للجيش المصري السباق في مجال الحرب السيبرانية.

دعنا نتطرق إلى كل جزئية على حدى.. فكيف كان الخداع على المحور الداخلي؟ 
الدولة وقتها كانت حريصة على تأمين المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، وعلى الرأس منها القمح، وكذلك إخلاء المستشفيات، وكل ذلك من أجل تحقيقه يجب القيام بخطط مناورة كبيرة، وهو الأمر الذي تم، إلى جانب وضع خطة خداع محكمة لنقل المعدات الثقيلة كالدبابات إلى الجبهة، وكذلك نقل معدات العبور والقوارب المطاطية. لقد حققنا خلال حرب أكتوبر أكبر خطة خداع استراتيجي، لا تزال تُدرس حتى الآن في المعاهد والكليات العسكرية في العالم. وكما قلت لكم إن المشكلة ليست في الحرب التقليدية، فالجيش المصري بارع في ذلك، لكن التحدي الحقيقي هو في الحرب السيبرانية بما فيها حرب المعلومات والحرب الإكترونية، واستخدام البعد الجوفضائي، سواء في وسائل التدمير أو استخدام وسائل الإعاقة الإلكترونية، واستخدام المعلومات والاستطلاع الإلكتروني، والاستخبارات الإلكترونية. كل ذلك يشكل تحدي أمام الجيش المصري العظيم، من إعداد قوته لمثل هذه العمليات الحديثة. أو بمعنى آخر نأخذ أحدث ما في الصراع المسلح الحالي.

لكن ما الهدف الرئيس من فكرة الخداع؟
للخداع هدفين، الأول هو الإخفاء؛ للحصول على فكرة المباغته، وحماية القوات، من أي هجوم من العدو، والثاني هو القيام بأعمال عسكرية مفاجئة.

كيف تتم أعمال الخداع؟ 
أولًا هناك خداع استراتيجي، والأخر عملياتي، ولابد للأول أن يسبق الثاني، فالخداع الاستراتيجي يتم بالمعلومات، ووسائل الحرب التكنولوجية. أما الخداع العملياتي يتم بالقوات ووسائل الحرب. وإدارة العمليات وتأمين أعمال القتال ضرورة، وهو الامر الذي لا يتم إلا بالخداع الاستراتيجي، وتأمين أعمال القتال.    

ما هو الفيصل في نجاح خطة الخداع؟ 
أن يحقق الخداع فكرة المباغته، وبالتالي تحقيق أكبر معدل قتال واندفاع في عمق العدو، وبالتالي الوصول للهدف، وكل هذه هي تحديات الخداع. وهذا ما تحققه الحرب السيبرانية، فهي تحاول خداع العدو عن حجم القوات وأماكنها. وخلال حرب أكتوبر خدعنا العدو عن تشكيل العملية، فقد هجمنا بخمس فرق في المواجهة. وهذا التكتيك العملياتي لم يكن معمولًا به، فما حدث من خداع في حرب أكتوبر كان أشبه بالمعجزة، فالحروب التقليدية لا تكن تنفذ بمثل هذه الأمور، فهناك اتجاهان رئيسيان، الاتجاه الشمالي والأخر مركزي، لكن خلال حرب أكتوبر قمنا بمهاجمة العدو من 5 اتجاهات وجميعها كان رئيسيًا، هجوم بخمس فرق مشاة ميكانيكية، وهو الأمر الذي أربك العدو.

هل لك أن تحدثنا بشيء من التفصيل عن الحرب السيبرانية؟ 
الحرب السيبرانية جزء من حروب الجيل الخامس، التي تؤثر على قدرة العدو على الحصول على معلومات صادقة بشأن القوات المهاجمة، وهي حروب تسمى (حروب الهجين)، والحرب الهجين، تنفذ من خلال أربع أمور، وهذا ما تقوم به روسيا في أوكرنيا حاليًا. حرب بـ 1 – قوات نظالمية  2 – قوات غير نظامية  3 – حرب خداع، وهي الحرب السيبرانية، أو الحرب المعلومات. 4 – الحرب بالأسلحة الفرط صوتية، أو الأسلحة شدية التدمير غير المسيطر عليها (مثل الصوايخ بعيدة المدى – صواريخ أسرع من الصوت التي تصل بسرعة إلى أهدافها، أو الطائرات الدرونز، التي يتم إطلاقها بكميات مكثفة، بحيث أنها تصل إلى هدافها بشكل سريع، وبالتالي لم يكن في استطاعة وسائل الدفاع الجوي، والتشويش الإلكتورني، التعامل معها، فلو استطاع نظام الدفاع الجوي أن يؤثر على جزء من تلك الطائرات، فلن يستطيع منع الأخر، بسبب كثرتهم.

لكن ما الشواهد التي تشير إلى أن مصر استعملت الحرب السيبرانية خلال أكتوبر 73؟
خلال العمليات في حرب 73 كان عندنا سبق؛ لأن الاتحاد السوفيتي كان وقتها أقوى من أمريكا في الحرب الإلكترونية، المتعلقة بالاستطلاع الفني والإلكتروني والإعاقة ودعم أعمال الدفاع الجوي، والجندي المصري أتقن التعامل بمثل هذه الأدوات، وقد ظهر هذا جليًا حينما تمكن الدفاع الجوي من إسقاط الطائرات الفانتوم، وهنا أدرك العدو أن الجيش المصري يمتلك أدوات متقدمة ليس متوقعًا أن تكون معه، لذلك اضطر جيش الاحتلال إلى إبرام مبادرة "روجر" لتخفيف حدة الهجوم المصري.

هل الحروب النفسية تدخل ضمن الحروب السيبرانية؟
بالطبع، لكن دعنا نفرق بين العمليات النفسية، وهي العمليات التي تتم قبل الحرب ضد الشعب والجيش، مثلما فعلت أمريكا أثناء غزو العراق واحتلاله، حيث أنها شككت الشعب العراقي في جيشه إلى الدرجة التي دخلت فيها العاصمة بغداد من دون أي عمليات قتال، وأمريكا هنا استغلت عدم رضا الشعب عن الحكومة والنظام، فشككت الشعب في قياداته، وفي الجيش، كما أنها شككت الجيش نفسه في أن لديه القدرة على هزيمة القوات التي أمامه. أما الحرب النفسية، هي الحروب التي تلجأ إليها القوات ضد القوات الأخرى في ميدان المعركة، مثل الخداع عن أماكن القوات، بوضع قوات هيكلية، أو بتنفيذ كثافات نيرانية للمناورة.