تفاصيل فشل جولة المفاوضات الأخيرة بشأن سد النهضة الإثيوبي
انتهت الجولة التفاوضية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة التي انعقدت في العاصمة أديس أبابا واستمرت على مدار يومي السبت والأحد، دون تحقيق أي تقدم يُذكر في الموقف الإثيوبي.
وفي ختام اليوم الثاني من المفاوضات، أصدرت وزارة الري بياناً أكدت فيه أن جولة المفاوضات المنتهية شهدت توجهًا إثيوبيًا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية.
وقال المتحدث باسم وزارة الري محمد غانم، إن أديس أبابا مستمرة في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليًا التي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالًا بسد النهضة دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب.
وأوضح غانم أن الوفد التفاوضي المصري مستمر في التفاوض بجدية بناء على محددات واضحة، مبينًا أنها تتمثل في الوصول لاتفاق ملزم قانونًا على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يحفظ مصالح مصر الوطنية ويحمى أمنها المائي واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث بما في ذلك المصالح الإثيوبية المٌعلنة.
وشدد على ضرورة التحلي بالإرادة السياسية والجدية اللازمين للتوصل، بلا إبطاء، إلى اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وذلك في الإطار الزمني المُتفق عليه بين الدول الثلاث بناء على لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 يوليو الماضي.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي اتفق مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خلال زيارته إلى القاهرة في يوليو الماضي، على إطلاق مفاوضات عاجلة بشأن سد النهضة ووضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق خلال 4 أشهر.
وفي الوقت ذاته، أكد المتحدث باسم وزارة الري على وجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي من شأنها التوصل بلا إبطاء للاتفاق المنشود الذي يُراعي مصالح مختلف الأطراف.
خرق القانون الدولي
وكان وزير الخارجية سامح شكري، اتهم أديس أبابا بخرق القانون الدولي من خلال قيامها بملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، وذلك بالتزامن مع انطلاق جولة المفاوضات الجديدة بين مصر، والسودان، وإثيوبيا.
وقال شكري، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت، إنَّ مصر تعاني من مشكلات مائية وتواجه ندرة مائية حادة وهناك عجز مائي يزيد عن 50% من احتياجاتها المائية.
وأكد رفض مصر لأي إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، ومنها سد النهضة الإثيوبي، وأنه ليس هناك مجال للاعتقاد بإمكانية فرض الأمر الواقع عندما يتعلق الأمر بحياة المصريين.
وأعلنت إثيوبيا في وقت سابق من شهر سبتمبر الجاري انتهاء المرحلة الرابعة لملء خزان سد النهضة.
وأبدى شكري حرص مصر على التفاوض بجدية للوصول إلى اتفاق ملزم فيما يتعلق بقواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
من جانبه، أكد وزير الري والموارد المائية السوداني المكلف، ضو البيت عبد الرحمن منصور، اهتمام السودان بهذه المفاوضات والتزامه بالتفاوض البناء بين الأطراف الثلاثة، مشيرًا إلى أنها تأتي رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلاده.
وجاءت المفاوضات بعد أسبوعين من إعلان إثيوبيا استكمال المرحلة الرابعة والأخيرة من ملء خزان سد النهضة الضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على النيل الأزرق، وهو ما تعارضه مصر والسودان.
واستؤنفت المفاوضات بين الدول الثلاث في 27 أغسطس الماضي بعد عامين من توقفها، لكنها، بحسب وزارة الري المصرية لم تحقق أي تغيرات ملموسة في موقف إثيوبيا.
واعتبر وزير الري هاني سويلم أن استمرار إثيوبيا في عملية ملء سد النهضة في غياب الاتفاق اللازم يعد انتهاكًا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015.
وأكد سويلم، أن استمرار مثل هذه التصرفات الأحادية المخالفة للقانون الدولي يلقي بظلال غير إيجابية على العملية التفاوضية الراهنة ويهدد بتقويضها.
وحذر وزير الري من أخطار الإجراءات الإثيوبية الأحادية على مصر، مؤكدا أنها قد تشكل خطرًا وجوديًا وكارثيًا على نحو 150 مليون شخص في مصر والسودان، حيث يمكن أن تؤدي فترة جفاف طويل مع تلك الممارسات إلى خروج أكثر من مليون و100 ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15% من الرقعة الزراعية في مصر.
خطة بيع المياه
وأوضح عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن أديس أبابا تخطت التعنت في شأن سد النهضة إلى المطالبة في حصة مائية من المؤكد أنها ستنتقص من مياه كل من مصر والسودان، وهو ما قد يفتح الباب أمام احتمال بيع المياه مستقبلاً، في ظل اكتفاء إثيوبيا من المياه بفعل الأمطار التي تسقط سنوياً.
وتحكم توزيع المياه حالياً معاهدة موقعة بين مصر والسودان عام 1959 حددت حصة مصر سنوياً بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب سنوياً.
وأكد أن الملء الرابع لبحيرة خزان السد نفذ وفق المخطط السابق من دون تغيير، إذ تم تخزين 19 مليار متر مكعب تضاف إلى 17 ملياراً أخرى من المراحل السابقة للتخزين في السنوات الثلاث الماضية، مما يجعل الكمية المخزنة نحو 36 مليار متر مكعب.
وتوقع شراقي ألا يكون الملء الرابع الذي أعلنته إثيوبيا الأخير، إذ أن المستهدف هو تخزين 74 مليار متر مكعب في بحيرة السد، وبالتالي فإن إثيوبيا لا يزال أمامها عمليات ملء جديدة.
وعن ما إذا لم تتوصل الدول الثلاث إلى اتفاق، قال شراقي إنه لن يحدث شيء، وسيظل الجمود سائداً في ملف السد الإثيوبي وسط مطالبات مصرية بالعودة للتفاوض بغية توقيع اتفاق على رغم التعنت من أديس أبابا.
وقال إن نجاح المفاوضات بات متوقفاً على وجود وسيط دولي فاعل في الملف، مقترحاً أن يكون الاتحاد الأوروبي أحد تلك الأطراف وألا يتوقف دوره على المراقبة فحسب، بل يمارس دوراً فاعلاً تجنباً لتأثيرات السد السلبية على أمن هذه المنطقة، مشدداً على أن أي مفاوضات ستجري دون وسطاء دوليين ستكون بمثابة العودة إلى الخلف.
ومنذ 2011 تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر اتفاقًا حتى الآن.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول- قمز على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود مع السودان ويبلغ طوله 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترًا.
ودشنت إثيوبيا رسميًا في فبراير 2022 إنتاج الكهرباء من السد الذي تقدمه على أنه من بين الأكبر في أفريقيا بكلفة بناء تجاوزت 4 مليارات دولار، وتم تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميجاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويتوقع أن يبلغ كامل طاقته الانتاجية عام 2024.