خطب شهر سبتمبر 2023
يبحث العديد من المسلمين عن عناوين خطب شهر سبتمبر 2023، خاصة واعتاد الخطباء في أنحاء الجمهورية على تحديد وزارة الأوقاف موضوعات خطب الجمعة قبلها بوقت كافي للتحضير لها جيدًا.
وعبر موقعها الرسمي، تقوم وزارة الأوقاف، بنشر نموذج موضوعات خطب الجمعة بصيغة pdf، وللتيسير علي الخطباء للموضوع بشكل أكبر، وذلك ضمن إجراءات "تجديد وإصلاح الخطاب الديني".
وقررت وزارة الأوقاف، إطلاق مبادرة: "هذا نبينا"، طوال شهر سبتمبر 2023 م، من خلال خمس خطب جمعة متتابعة، وذلك حبًا في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووفاء بحقه عليه الصلاة والسلام.
وجاءت موضوعات خطب الجمعة خلال شهر سبتمبر 2023 على النحو الآتى:
• الجمعة 1 سبتمبر 2023م - "النبي صلى الله عليه وسلم كما تحدث عن نفسه".
• الجمعة 8 سبتمبر 2023م - "حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه".
• الجمعة 12 سبتمبر 2023 - "حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله".
• الجمعة 19 سبتمبر 2023م - "حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه".
• الجمعة 26 سبتمبر 2023م- "مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته".
ويأتي ذلك إلى جانب المحاضرات والندوات والمسابقات والقوافل والأسابيع الدعوية التي تطلقها الوزارة على مدار شهر سبتمبر القادم؛ للحديث عن مكارم أخلاق سيدنا رسول الله، وجوانب حياته، مع مشاركة جميع الأئمة الموفدين في مختلف دول العالم والمحبين لسيدنا رسول الله، في هذه المبادرة والحملة الدعوية الواسعة للتعريف بنبي الإسلام.
كما تسير الوزارة، عشرة قوافل دعوية، إلى عدد من محافظات الجمهورية، تشمل أداء خطبة الجمعة وعقد مقارئ قرآنية، والمشاركة في النشاط الصيفي للطفل، وذلك يوم الجمعة المقبلة 1 سبتمبر 2023 م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023:
(1) حديثُ النبيِّ ﷺ عن نسبِهِ الشريفِ.
(2) النبيُّ ﷺ يُبيِّنُ – مِن فرطِ تواضعِهِ – أنَّهُ بشرٌ يجرِي عليهِ ما يجرِي على الخلقِ مِن الأمورِ المعيشيةِ.
(3) النبيُّ ﷺ يتحدثُ عن نفسِهِ أنَّهُ بُعِثَ لتتميمِ مكارمِ الأخلاقِ، وأنَّهُ جاءَ مُيسّرًا لا مُعسّرًا.
(4) النبيُّ ﷺ يتحدثُ عمَّا خُصَّ بهِ في الآخرةِ.
وجاء نص خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر 2023 كالتالي:
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر
(1) حديثُ النبيِّ ﷺ عن نسبِهِ الشريفِ:
لقد شاءَتْ الإرادةُ الإلهيةُ منذُ الأزلِ أنْ يصطفِي مِن خلقِهِ نبيَّنَا ﷺ، فهيَّأَ لهُ الأسبابَ، واختارَ لهُ الوعاءَ الذي جاءَ منهُ، والمكانَ الذي نشأَ فيهِ، فلمْ يُصبْهُ شيءٌ مِمَّا كان منتشرًا في زمانِهِ مِن اللهوِ واللعبِ والعاداتِ والتقاليدِ التي أبطلَهَا الإ سلامُ ببعثتِهِ، وهذا ما صرحَ به في أكثر مِن حديثٍ فقَالَ ﷺ: «خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ لَمْ يُصِبْنِي سِفَاحُ الْجَاهِلِيَّةِ» (ابن أبي شيبة)، وعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَبِي مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي آمِنَةَ الَّتِي رَأَتْ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ، وَأَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ لَهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهَا قُصُورُ الشَّام» (أحمد)، مِن هنَا نوقنُ أنَّ اللهَ اصطفَى نبيَّهُ ﷺ على سائرِ العالمين فكان أشرفَ الخلقِ نسبًا وصهرًا، وقد تحدثَ هو عن ذلك، فعن وَاثِلَةَ بْنِ الَْسْقَعِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» (مسلم)، فهو نسبٌ شريفٌ وآباءٌ طاهرون وأمهاتٌ طاهراتٌ، فهو مِن صميمِ قريشٍ التي لها القدمُ الأولَى في الشرفِ، وعلوِ المكانةِ بينَ العربِ، ولا تجدُ في سلسلةِ آبائِهِ إلّا كرامًا ليس فيهم مسترذلٌ بل كلُّهُم سادةٌ قادةٌ، وكذلك أمهاتُ آبائِهِ مِن أرفعِ قبائلِهِنّ، وكلُّ اجتماعٍ بينَ آبائِهِ وأمهاتِهِ كان شرعيًّا بحسبِ الأصولِ العربيةِ ولم ينلْ نسبُهُ شيءً مِن سفاحِ الجاهليةِ بل طهرَهُ اللهُ مِن ذلك.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر
(2) النبيُّ ﷺ يُبيِّنُ – مِن فرطِ تواضعِهِ – أنَّهُ بشرٌ يجرِي عليهِ ما يجرِي على الخلقِ مِن الأمورِ المعيشيةِ:
فكان أكلُهُ مِمّا يتيسرُ لهُ مِن أدقِّ المأكولِ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ. جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ قَالَ: فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا، قَالَ: فَكَانَ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا يَقُولُ: آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» (أبو يعلى)، فسَّرَ الأكثرونَ “الاتكاءَ”: بالميلِ إلى أحدِ الجانبينِ؛ لأنَّهُ يضرُّ بالأكلِ فإنَّهُ يمنعُ مجرَى الطعامِ.
وفي موقفٍ عملِيٍّ يحدثُنَا ﷺ عن نفسِهِ لمَّا جيءِ برجلٍ ترتعدُ نفسُهُ، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» (ابن ماجه)، و”القديدُ”: اللحمُ المملحّ المجففُ في الشمسِ.
مِن هذه الأحداثِ نتعلمُ ألّا نتكلفَ في حياتِنَا ومعيشتِنَا ونقنعَ بالقليلِ كمَا كان حالُ نبيِّنَا ﷺ؛ ولذا لم يستنكفْ ﷺ أنْ يصرحَ أنَّه كان يرعَي الغنمَ قبلَ بعثتِهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:«مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» (البخاري)، ونحنُ قد أُمرنَا بالتأسِّي به، والسيرِ على نهجِهِ قالَ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، أمّا أنْ يترفعَ الإنسانُ عن العملِ ويستنكفَ، ويحتقرَ مهنةً معينةً، ويفضلَ ويستسهلَ التسولَ، ومدَّ اليدِ، فهذا يخلُّ بالمروءةِ، ويحطُّ مِن قيمةِ الرجولةِ، ولذا كرِهَ رسولُنَا ﷺ للعبدِ سؤالَ الناسِ ما دامَ قادرًا على العملِ قال ﷺ: «لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» (متفق عليه)، فلا بُدَّ مِن العرقِ والعملِ، وطلبِ العفافِ مِن اللهِ بنيةٍ صادقةٍ، ومَن يفعلْ ذلك سيغنِيه اللهُ مِن فضل، ويرزقْهُ مِن حيثُ لا يحتسب، ولذا أخبرَ نبيُّنَا عن محبةِ اللهِ للعبدِ المحترفِ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ» (الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ).
وقد تحدثَ ﷺ عن نفسِهِ فبيَّنَ أنَّهُ زهدَ في الدنيا ولم يُحببْ إليهِ منهَا سوى القليلِ، فقَالَ ﷺ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» (النسائي)، و”قُرَّةُ عَيْنِي”: جملةٌ اسميةٌ عطفتْ على جملةٍ فعليةٍ؛ لدلالتِهِ على الثباتِ والدوامِ في الثانيةِ، والتجددِ في الأولَى، وجيءَ بالفعلِ المجهولِ “دلالةً على أنَّ ذلك لم يكنْ مِن جبلتِه وطبعِه، وأنَّهُ مجبورٌ على الحبِّ رحمةً للعبادِ بخلافِ الصلاةِ، فإنَّهَا محبوبةٌ لذاتِهَا، ومنهُ قولُهُ ﷺ: “أرحنَا يا بلال” أي: اشغلنَا عمَّا سواهَا، فإنَّهُ تعبٌ وكدحٌ، وإنَّما الاسترواحُ في الصلاةِ، فأرحنَا بندائِكَ بها، ولمَّا كان الذي حُبّبَ إليهِ مِن متاعِ الدنيا هو أفضلُهَا وهو النساءُ ناسبَ أنْ يصلَ إليهِ بيانِ أفضلِ الأمورِ الدينيةِ وذلك الصلاة، فإنَّها أفضلُ العباداتِ بعدَ الإيمانِ، فكان الحديثُ على أسلوبِ البلاغةِ مِن جمعِهِ بينَ أفضلِ أمورِ الدنيا، وأفضلِ أمورِ الدينِ، وفي ذلك ضمُّ الشيءِ إلى نظيرِهِ” أ.ه. (مرقاة المفاتيح).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر
(3) النبيُّ ﷺ يتحدثُ عن نفسِهِ أنَّه بُعِثَ لتتميمِ مكارمِ الأخلاقِ، وأنَّهُ جاءَ ميسرًا لا معسرًا:
لقد كان كلُّ نبيٍّ يبعثُ إلى قومِهِ خاصةً، وشريعتُهُ صالحةٌ لهم ولزمنِهِم كاملةً لإصلاحِ قومِهِ غيرُ ناقصةٍ، لكنْ الرسالاتُ السابقةُ في مجموعِهَا وبكلِّ ما جاءتْ بهِ لا تصلحُ للبشريةِ المستقبلةِ في جميعِ الأزمنةِ والأمكنةِ فكان لا بُدَّ من إضافةِ رسالةٍ إلى الرسالاتِ السابقةِ لتصلحَ لتقويمِ البشريةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، وهذا ما وضحَهُ نبيُّنَا ﷺ في حديثِهِ عن نفسِهِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ” (متفق عليه).
لقد تحدثَ نبيُّنَا ﷺ في غيرِ موقفٍ أنَّهُ بُعِثَ ميسرًا على الخلقِ فيمَا يتعلقُ بالتشريعِ والأحكامِ، فعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (متفق عليه)، وقال أيضًا ﷺ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» (مسلم).
هذه بعضُ النماذجِ التي سلكَهَا ﷺ في الاقتصادِ في العبادةِ الذي هو أنْ يكونَ الإنسانُ وسطًا بينَ الغلوِّ والتفريطِ بحيثُ يكونُ جميعُ أحوالِهِ دائرًا بينَ ذلك، قالَ ربُّنَا: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، هذا بخلافِ ما يتبنَّاهُ دعاةُ التنطعِ مِمَّا يؤثرُ سلبًا على حراكِ الدعوةِ إلى اللهِ، وتنفيرِ الخلقِ مِن الالتزامِ مخافةَ عدمِ القدرةِ على الاتيانِ بمَا يفرضُهُ هؤلاء عليهم، فاللهُ حدَّ حدودًا، وحرّمَ أشياءَ يجبُ علينَا الابتعادُ عنهَا كاملةً، أمَّا غيرُ ذلك فليأتِ المسلمُ منهُ ما استطاعَ، وعلى قدرِ طاقتِهِ وقوتِهِ.
ويبيِّنُ ﷺ أنَّهُ أُرسلَ رحمةً للعالمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» (مسلم) يعني: لو كنتُ أدعُو عليهِم لَبعِدُوا عن رحمةِ اللهِ، ولصرتُ قاطعًا عن الخيرِ إنِّي لم أُبعثْ لهذا، فإنْ أجابُوا أفلحُوا وإنْ أبَوْ خسرُوا، أو “لمَن أرادَ اللهُ إخراجَهُ مِن الكفرِ إلى الإيمانِ أو لأقربَ الناسَ إلى اللهِ وإلى رحمتِه لا لأبعدُهُم عنها فاللعنُ منافٍ لحالِي فكيفَ ألعنُ؟!” أ.ه. (فيض القدير).
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 1 سبتمبر
(4) النبيُّ ﷺ يتحدثُ عمَّا خُصَّ بهِ في الآخرةِ:
مِن ذلك: بيانُهُ ﷺ أنَّهُ أكثرُ الأنبياءِ تبعًا، وأنَّهُ أولُ مَن يقرعُ، بابَ الجنةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ» (مسلم).
وفي حديثٍ يتحدثُ عن نفسهِ فيقولُ فيمَا رواهُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَمُشَفَّعٍ، بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، تَحْتِي آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ» (ابن حبان)، ف”السيّدُ”: هو الذي يفوقُ قومَهُ في الخيرِ، ويفزعُ إليهِ في النوائبِ والشدائدِ فيقومُ بأمرِهِم ويتحملُ عنهُم مكارهَهُم ويدفعُهَا عنهُم، وسببُ التقييدِ ب “الآخرةِ” أنَّ في يومِ القيامةِ يظهرُ سؤددُهُ لكلِّ أحدٍ ولا يبقَى مناعٌ ولا معاندٌ ونحوُه بخلافِ الدنيا فقد نازَعَهُ ذلك فيهَا ملوكٌ كثر، فقولُهُ ﷺ: “أنَا سيّدُ ولدِ آدمَ”: “لم يقلْهُ فخرًا، وإنَّمَا قالَهُ لوجهينِ أحدهُمَا: امتثالُ قولهِ تعالَى: ﴿وأمَّا بنعمةِ ربِّكَ فحدثْ﴾ والثانِي: أنَّهُ مِن البيانِ الذي يجبُ عليه تبليغُهُ إلى أمتهِ ليعرفُوهُ ويعتقدُوهُ ويعملُوا بمقتضاهُ ويوقرُوهُ ﷺ بما تقتضِي مرتبتُهُ كمَا أمرَهُم اللهُ تعالَى” أ.ه. شرح النووي 15 / 37.
ونصَّ ﷺ على نعوتٍ آخر، فعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» (متفق عليه).
وقد بيَّنَ ﷺ أنَّهُ سيتقدمُ أهلَ الإيمانِ كي يسقيَهُم مِن حوضِهِ الشريفِ فقالَ ﷺ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» (مسلم)، يقولُ الإمامُ النوويُّ: (“الفرط”: بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء والفارط هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم الْوَارِد يصلح لَهُم الْحِيَاض والدلاء وَنَحْوهَا من أَمر الاسْتِسْقَاء فَمَعْنَى فَرَطكُمْ على الْحَوْض سابقكم إِلَيْهِ كالمهيئ لَهُ) أ.ه.، فليحرصْ المؤمنُ أنْ يكونَ مِن الواردِينَ على حوضِهِ ﷺ، وليحذرْ أنْ يكونَ مِن المطرودِين، عن هذا قال ﷺ:«أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا” (مسلم).
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.