الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

شعب سئم التوريث.. هل وضع انقلاب الجابون نهاية سلالة بونجو السياسية؟

الرئيس نيوز

تعاقب أعضاء عائلة بونجو على تولى السلطة في الجابون لأكثر من 55 عامًا ودأبوا على توريث الحكم المقنّع بتعديلات الدستور، وقد أدى ذلك في نهاية المطاف إلى تأجيج رغبة الشعب في التغيير، وفقًا لصحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية التي أشارت إلى ضعف شعبية الرئيس الجابوني المخلوع علي بونجو مقارنة بوالده، ولكنه حتى وقع الانقلاب عليه، كان لا يزال يتمتع بقبضة قوية على مؤسسات الدولة.

وقفزت الجابون الدولة الساحلية الغنية بالنفط والمستعمرة الفرنسية السابقة إلى واجهة الأحداث الأفريقية من مرقدها في خط الاستواء، لتنضم إلى سلسلة الانقلابات التي شهدتها أفريقيا خلال الفترة الماضية وأحدثها في النيجر بغرب أفريقيا في يوليو، بعد أن أعلن عسكريون أمس الأربعاء عبر التلفزيون الرسمي أنهم "سيضعون حدًا للنظام الحالي" المستمر منذ 55 عامًا وإلغاء الانتخابات التي فاز بها الرئيس علي بونجو أونديمبا، وفقًا للنتائج الرسمية.

كان مقررًا أن تستمر سيطرة عائلة بونجو على السلطة، فقد استلم والده الحاج عمر بونجو أونديمبا السلطة في الفترة من 1967 حتى وفاته في يونيو 2009، وفي سبتمبر 2009 انتخب علي بونجو رئيسًا للبلاد وأعيد انتخابه لثلاث فترات رئاسية متتالية مدة كل منها سبعة أعوام. 

جذور العائلة
لم تقع صراعات كبيرة بين الجماعات الإثنية في الجابون، فالمجموعات العرقية تنتشر عبر الحدود ممتدة من البلدان المجاورة، وحتى القرن الـ13 لم يكن يعرف سوى قليل عن شعب الجابون، ومن بين القبائل الموجودة منذ أن اكتشف شعب "الأقزام" بها "البانتو" التي تنتمي إليها عائلة بونجو، لكنهم جميعًا ينحدرون من جذور بانتوية مثل سائر دول الإقليم.

والغالبية العظمى من سكان الجابون هم من المسيحيين ويشكلون نحو 60 في المئة من السكان، إلى جانب بضعة آلاف من المسلمين معظمهم مهاجرون من بلدان أفريقية أخرى، ويأتي المسلمون الذين تنتمي إليهم عائلة بونجو في المرتبة الثانية في كل دول الإقليم تقريبًا، وتسود أيضًا ديانة تسمى "بويتي" نسبة إلى مجتمع سري سابق يحمل الاسم نفسه وظهر في أوائل القرن الـ20 ولعب لاحقًا دورًا في تعزيز التضامن بين الفانغ.

تسلسل التوريث
تعد أسرة بونجو من الأسر التي ارتبط بها المسار السياسي في الجابون منذ فترة مبكرة عندما تولى الحاج عمر بونجو (الأب) الرئاسة خلفًا لأبي الاستقلال الجابونى ليون إمبا، وامتد حكم عمر بونجو بعد أن عدّل الدستور عام 2003 ليسمح لنفسه بالترشح لمنصب الرئاسة مرات عدة وعقدت آخر انتخابات رئاسية خلال عهده في نوفمبر 2005، فأدى اليمين الدستورية لولاية جديدة من سبعة أعوام في الـ19 من يناير 2006.

وخلفه ابنه علي بونجو بعد وفاته، فقدمه الحزب الحاكم مرشحًا بعد إعداده المسبق بواسطة العائلة في 2009، وأعيد انتخابه لولاية ثانية عام 2016 في انتخابات شهدت أعمال عنف جراء احتجاج المرشح المنافس آنذاك جان بينج.

حسبت انتخابات علي بونجو في خانة التوريث الذي بدأ يدب في المنطقة الأفريقية واستمر حكم الابن أمام مطالبات بإجراء إصلاحات دستورية في ظل تنامي ظاهرة التوريث للحكم بوسائل غير ملكية مثلما حدث في الكونغو الديمقراطية عندما تولى جوزيف كابيلا الابن الرئاسة في كنشاسا عقب حادثة اغتيال والده لوران كابيلا الأب عام 2001، وكذلك تولى فور نياسمبي الحكم في توجو بعد وفاة والده إياديما نياسمبي، ومحاولات كريم وداي في السنغال الترشح خلفًا لوالده عبدالله وداي، وما جرى من محاولات للتوريث في عهد معمر القذافي وحسني مبارك وحديثًا محمد إدريس ديبي في تشاد، وما يتردد عن نية توريث الرئيس الحالي لغينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ الحكم لابنه.

ومع أن التوريث على الطريقة الجابونية جاء وفق الدستور، فإن الممارسة والأزمات وتبرم الشعب الجابوني خصوصًا مع مرض الرئيس علي بونجو، كلها عوامل ساعدت على اتساع رغبة الشعب الجابوني في قيادة جديدة عبر الانتخابات، لذا تشكل تحالف معارض قدم ألبرت أوندو أوسا في الانتخابات الأخيرة التي جاءت نتيجتها مخيبة للآمال وتدخل على أثرها الجيش.

تراكم الثروة
ذكر موقع "ذا أفريكا ريبورت" أن "والد بونجو، عمر، كان أحد أقرب حلفاء فرنسا في حقبة ما بعد الاستعمار، وكان ابنه يتردد منذ فترة طويلة على باريس، حيث تمتلك عائلته محفظة عقارية واسعة النطاق يتم التحقيق فيها من قبل قضاة مكافحة الفساد. وتحافظ باريس على وجود عسكري في عدد من أراضيها السابقة، بما في ذلك الجابون، حيث ينتشر 370 جنديًا بشكل دائم، بعضهم في العاصمة ليبرفيل"، وفقًا لموقع وزارة الدفاع الفرنسية.

وأضاف الموقع "خلال خطاب ألقاه في ليبرفيل في مارس الماضي نفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أية طموحات فرنسية للتدخل في أفريقيا، قائلًا إن عصر التدخل ’قد انتهى‘. 

وذكرت مجموعة التعدين الفرنسية ’إيراميت‘ التي توظف 8000 شخص في الجابون أنها أوقفت أنشطتها في الجابون من أجل سلامة الموظفين وأمن العمليات"، كما أورد موقع "ذا كونفرسيشن" أن "علي بونجو هو نجل الرئيس السابق عمر بونجو الذي حكم الجابون من عام 1967 إلى 2009، بدعم الحزب الديمقراطي الجابوني الحاكم الذي أسسه والده، وانتهج الفساد في قطاعي التعدين والنفط، والقرابة السياسية".

وأضاف الموقع "وفقًا لبعض التقديرات، يسيطر علي بونجو على أصول بقيمة مليار دولار أميركي ويتم إخفاء كثير منها في الخارج، مما جعله أغنى رجل في الجابون، ولم يكن الحكم المستمر من قبل عائلة بونجو مفيدًا لبلد يبلغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة فقط يعيشون في فقر مدقع بينما تتقلب الأسرة الحاكمة في الثراء"، علمًا أن الجابون تتمتع بثروة نفطية هائلة منذ اكتشاف عدد من رواسب النفط في المناطق المجاورة للعاصمة ليبرفيل عام 1931، مما جعلها ضمن أكبر خمسة منتجين للنفط الخام في جنوب الصحراء الأفريقية.

ضعف الشعبية
بحسب مراقبين، ضعفت شعبية علي بونجو مقارنة بوالده، لكنه حتى الانقلاب عليه كان لا يزال يتمتع بقبضة قوية على مؤسسات الدولة ويحافظ على هيمنته السياسية من خلال مزيج من المحسوبية والقمع، وخلال 41 عامًا في السلطة اشتهر عمر بونجو بمراكمة ثروات من بلده العضو في "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) منذ عام 2016، كما كانت الجابون عضوًا سابقًا فيها بين 1975 و1995.

ومع أن هناك مصادر ترجح تأثير دوائر أجنبية في ما يحدث الآن في ليبرفيل، لكن ستضاف تجربة الجابون إلى مسار عودة التغيير العسكري في أفريقيا، بخاصة الفرانكوفونية التي تتقاطع عندها عوامل البيئة الاستراتيجية الدولية والإقليمية والمحلية، وحتى اللحظة لم تسارع منظمات مهمة للتعبير عن رأيها، خصوصًا زعماء دول مجموعة "سيماك" النقدية التي تتبع لها الجابون وتضم الكاميرون والكونغو وتشاد وغينيا الاستوائية وأفريقيا الوسطى، وهذا التدخل العسكرى هو الثاني من نوعه في فترة علي بونجو إذ وقع انقلاب محدود فاشل عام 2019 أثناء استشفاء بونجو في الرباط آنذاك.

وقدمت الاضطرابات الأخيرة تناقضًا صارخًا مع بداية بونجو الذهبية في الحياة باعتباره سليلًا خاليًا من الهموم للعائلة الحاكمة الثرية ويبلغ عدد أفراد عائلة بونجو المئات، فقد أنجب عمر بونجو وحده ما لا يقل عن 50 طفلًا ويشغل أفراد العائلة مناصب رئيسية في الحكومة والاقتصاد.