إسرائيل تعتمد على طفرة في قطاع الطاقة وسط تعثر الاقتصاد متأثرا بأزمة الإصلاح القضائي
ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن منصة عملاقة على المياه الزرقاء المتلألئة للبحر الأبيض المتوسط قد شوهدت عند حقل كاريش للغاز، بين إسرائيل ولبنان - على بعد خمسين ميلًا من ساحل إسرائيل، تطفو على سطح المياه وتعالج الغاز الطبيعي المستخرج من أسفل على بعد آلاف الأقدام، وتشبه المنصة والناقلة التي يبلغ ارتفاعها 400 قدم ووزنها 70000 طن، والمربوطة بقاع البحر بواسطة 14 كبلًا، مدينة عائمة - مكدسة بمساكن للموظفين وصالات رياضية ومناطق تحكم وغرف ملاجئ محصنة.
وأضافت الصحيفة أن المشروع الذي تبلغ تكلفته ملياري دولار يديره طاقم مكون من 145 عامل إسرائيلي وأجنبي قد تم تدريبهم للإشراف على تكرير الغاز في الموقع والاستجابة للمخاطر الأمنية الفريدة لمنشأة إسرائيلية على بعد 15 ميلًا فقط من المياه اللبنانية، التي تعتبرها إسرائيل أراضي معادية.
وقال شاؤول زيماش، الرئيس التنفيذي لفرع إنرجيان الإسرائيلي: "نقوم بعملنا بهدوء شديد، لكن له تأثير كبير على الاقتصاد الإسرائيلي" وقامت شركة الغاز الطبيعي التي تتخذ من لندن مقرًا لها بتشغيل الحفارة في الخريف الماضي بعد صفقة بحرية تاريخية بين إسرائيل ولبنان - وهو اختراق دبلوماسي شمل موافقة حزب الله وتقول إسرائيل إن الاتفاق التاريخي أبرم مع لبنان بشأن الحدود البحرية، وفي حديثه وسط أزيز الآلات، أشار زيماش إلى أنبوبين فولاذيين ينقلان الوقود إلى منصة الحفر للمعالجة والتصدير إلى الشبكة الوطنية الإسرائيلية - حيث يشكل الغاز أكثر من 70 في المائة من الكهرباء.
وحوّل الغاز الطبيعي إسرائيل، التي كانت ذات يوم دولة فقيرة بالموارد، إلى قوة إقليمية للطاقة وسمح اكتشاف الحقول البحرية المهمة قبل عقد من الزمن بأن تصبح إسرائيل مكتفية ذاتيًا إلى حد كبير، وفتحت فرصًا تصديرية مربحة وسط الطلب المرتفع بشكل خاص الآن، حيث تتدافع الأسواق الأوروبية لاستبدال واردات النفط والغاز الروسية التي تعطلت بسبب الحرب في أوكرانيا.
ولكن اندفاع إسرائيل نحو الغاز يتزامن أيضًا مع تصاعد التوترات الإقليمية - من الضفة الغربية إلى لبنان - وأزمة محلية غير مسبوقة، حيث تعصف البلاد باحتجاجات حاشدة ضد خطة الحكومة المثيرة للجدل لإضعاف المحكمة العليا، وهي الخطة المعروفة إعلاميا باسم الإصلاح القضائي، وبعد أن اختلف أعضاء الكنيست خلال المرحلة الأولى من مناقشة الإصلاح القضائي الشهر الماضي، تراجعت قيمة الشيكل وهوت سوق الأسهم في تل أبيب وحذر المصرفيون وقادة الأعمال من هروب رأس المال وخفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي لإسرائيل، مشيرة إلى "تدهور" الحوكمة.
ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارًا التحذيرات من وقوع كارثة تلوح في الأفق، مؤكدًا أن لدى إسرائيل بدائل - بما في ذلك الغاز الطبيعي - لمساعدتها على تجاوز الاضطرابات وقال في ذلك الوقت: "نحن نعمل على زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا وفتحنا العطاءات لمناقصات بمئات المليارات من الدولارات للتنقيب عن الغاز في إسرائيل" وهناك ما يقدر بنحو 1.75 تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات في حقل كاريش وحده؛ بالفعل، وينتج 35٪ من الغاز الذي تستهلكه إسرائيل ويعتقد أنه يمكن أن تكون هناك آبار أكثر وفرة في الأسفل، على بعد كيلومترين إلى ثلاثة كيلومترات (أكثر من ميل) تحت مستوى الاستخراج الحالي.
ولكن على الرغم من الطلب الأوروبي، يقول الخبراء إن قطاع الغاز الإسرائيلي الناشئ نسبيًا - المتوقع أن تبلغ قيمته 55 مليار دولار بحلول عام 2064 - سيشكل جزءًا صغيرًا فقط من اقتصادها في المستقبل المنظور.
قال إلداد بن أهارون، الخبير في السياسة الخارجية الإسرائيلية والباحث في معهد أبحاث السلام في فرانكفورت: "يحاول نتنياهو تحويل الانتباه إلى قطاع الغاز والموارد الأخرى التي يقول إنها ستساعد الاقتصاد الإسرائيلي ولكن إذا قمنا بنركيز النظر على التفاصيل ونظرنا إلى إمكانات الغاز مقابل الاقتصاد المتدهور، فهذا غير مقنع" وأضاف أنه لا توجد ضمانات بأن البنية التحتية والتعاون الإقليمي متعدد المستويات المطلوب للحفر سيواكب التوقعات وقال إنه حتى في أفضل السيناريوهات، لا يمكن لأرباح الغاز أن تبدأ في تعويض الضرر الاقتصادي الناجم عن الإصلاح القضائي لنتنياهو - خاصة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، الذي شكل 54 في المائة من سوق التصدير العام الماضي.