كيف شكل العدوان الثلاثي لحظة محورية في تاريخ الشحن البحري؟
أشار تقرير لصحيفة "فريت ويفز"، المتخصصة في شؤون الشحن البحري إلى أن الصراع الذي دار بالقرب من قناة السويس في يوليو 1956 وشهد العدوان الثلاثي على مصر، هو المسؤول عن تشكيل تأثير القناة على الدول التي تستخدمها.
وتابع التقرير: "كانت قناة السويس مهمة للغاية في عالم النقل وسلاسل التوريد منذ إنشائها في عام 1859 ولكن في عام 1956، أدى الصراع إلى تغيير ديناميكية القناة وتأثيرها على البلدان التي تستخدمها، وتعود جذور أزمة السويس عام 1956 إلى تصاعد القومية في مصر بعد الحرب، ومن المعروف أنه في عام 1951، ألغى مصطفى النحاس باشا، زعيم حزب الوفد المنتخب حديثا، المعاهدة الأنجلو-مصرية لعام 1936 وسرعان ما تبع ذلك هجمات على الحامية البريطانية، وفي يناير 1952 صرحت الحكومة البريطانية بعملية لنزع سلاح قوات الشرطة شبه العسكرية المصرية في الإسماعيلية، والتي كانت تدبر أعمال المقاومة كان ذلك الاجراء ناجحا، لكن العنف استمر، وتبع ذلك أعمال شغب في القاهرة على نطاق غير مسبوق، وبلغت ذروتها في هجمات يوم السبت 26 يناير على الممتلكات البريطانية والأجنبية، وهي الأحداث التي عُرفت فيما بعد باسم السبت الأسود.
ودفعت التهديدات البريطانية باحتلال القاهرة فاروق ملك مصر إلى إقالة النحاس باشا، ولكن في يوليو 1952 تمت الإطاحة بفاروق في ثورة 23 يوليو، فكيف غيرت ستة أيام الشرق الأوسط للأبد؟ بدلا من الإصرار على حقوق بريطانيا بموجب معاهدة 1936، حاول أنتوني إيدن وزير الخارجية البريطاني التفاوض مع الحكومة الجديدة وجعلت أزمة السويس من جمال عبد الناصر بطلا في عيون العرب، وكانت لديه ثلاثة أهداف: جعل مصر مستقلة بإنهاء الاحتلال البريطاني، وبناء القوات المصرية وتحسين وضع الاقتصاد المصري من خلال إنشاء السد العالي في أسوان لري وادي النيل.
في 19 أكتوبر من عام 1954، تم التوقيع على معاهدة من قبل عبد الناصر وأنتوني نوتينغ، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية وكان من المقرر أن تستمر الاتفاقية لمدة 7 سنوات وبمقتضى تلك المعاهدة كان من المقرر سحب القوات البريطانية من مصر بحلول يونيو 1956، وأن تتم إدارة القواعد البريطانية بشكل مشترك من قبل فنيين مدنيين بريطانيين ومصريين ووافقت مصر على احترام حرية الملاحة عبر القناة، وتم الاتفاق على السماح للقوات البريطانية بالعودة إذا تعرضت قناة السويس للتهديد من قبل قوة خارجية.
مخاوف من سياسة الاسترضاء
في فبراير 1955، توترت العلاقات البريطانية المصرية مرة أخرى بسبب قرار إيدن بحرمان عبد الناصر من الأسلحة البريطانية التي تعهدت بها لندن وفي أبريل، جاء ونستون تشرشل خلفا لإيدن كرئيس للوزراء ومع مغادرة آخر القوات البريطانية لمصر، كان عبد الناصر يستكمل شراء طائرات ودبابات وأسلحة سوفيتية الصنع من تشيكوسلوفاكيا، وعلى الرغم من المظاهرات المناهضة للغرب في مصر، تعهدت الولايات المتحدة وبريطانيا في يناير 1956 بالمساعدة في تمويل بناء السد العالي الجديد في أسوان ولكن الموقف الأمريكي تغير، إذ باتت الولايات المتحدة مقتنعة بأن مشروع السد لن ينجح، وأرادت تقليص الإنفاق على المساعدات الخارجية كما كانت واشنطن قلقة بشأن شراء عبد الناصر للأسلحة السوفيتية.
وأبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس السفير المصري في واشنطن في 19 يوليو أن حكومته قررت عدم توفير التمويل لبناء السد واتخذ سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني نفس الموقف الأمريكي وبعد ذلك رفض البنك الدولي تقديم ما تعهد به لمصر وهو مبلغ 200 مليون دولار وتقول دائرة المعارف البريطانية إن عبد الناصر رد على القرار الأمريكي والبريطاني بإعلان الأحكام العرفية في منطقة القناة وتأميم شركة قناة السويس في 26 يوليو 1956، متنبئا بأن الرسوم المحصلة من السفن التي تعبر القناة ستدفع تكاليف بناء السد في غضون 5 سنوات.
وخشيت بريطانيا وفرنسا من أن يغلق ناصر القناة، ويقطع شحنات النفط المتدفقة من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية وعندما فشلت الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة، أعدت بريطانيا وفرنسا سرا لعمل عسكري لاستعادة السيطرة على القناة وهكذا بات إيدن، الذي أشار إلى سياسة استرضاء بريطانيا لأدولف هتلر في الثلاثينيات، يدرس القيام بعمل عسكري قد يؤدي إلى سقوط عبد الناصر واستعادة نفوذ بريطانيا في المنطقة ووجدت بريطانيا وفرنسا حليفا جاهزا ممثلا في إسرائيل، التي تفاقم عداؤها لمصر بسبب إغلاق ناصر لمضيق تيران (عند مصب خليج العقبة) والغارات العديدة التي شنتها قوات الكوماندوز المدعومة من مصر على إسرائيل خلال الفترة ما بين 1955-1956 ومع ذلك، أوضحت الولايات المتحدة أنه لن يتم التسامح مع العمل العسكري غير المبرر.