الجمعة 20 سبتمبر 2024 الموافق 17 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

وثائق بريطانية: لندن حثت دول الخليج على دعم السادات ماليًا بعد حرب أكتوبر

الرئيس نيوز

في صيف عام 1975، وبعد 18 شهرًا فقط من انتصار الجيش المصري وعبور قناة السويس في 6 أكتوبر 1973، بدأ القلق يساور بريطانيا بشأن الاستقرار في مصر التي كانت تعاني أسوأ أزمة اقتصادية ورغم العلاقات القوية بين الرئيس الأسبق الراحل أنور السادات والبريطانيين وصعود رهان الغرب على نفوذ السادات وتأثيره في فتح الطريق لتسوية تفضي لقبول إسرائيل في محيطها العربي بالمنطقة.

وكشفت أحدث وثائق بريطانية، رفعت عنها السرية، أن بريطانيا حرصت على حث دول الخليج، وبصفة خاصة السعودية، على تحمل المسؤولية تجاه إنقاذ مصر ماليًا.

وأضاف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية أن مصر في تلك الفترة كانت تعاني مشكلات اقتصادية بالغة الصعوبة بعد حرب عام 1973، كما عانت مما اعتبره البريطانيون "مشكلة أمنية" بسبب "نقص الأسلحة" التي كانت القوات المسلحة المصرية تريدها بعد الحرب.

وتكشف الوثائق، التي اطلعت عليها "بي بي سي" بمقتضى قانون حرية المعلومات، أن جيمس كالاهان، وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، طلب إجراء مراجعة شاملة للوضع في مصر عام 1975، وكان الهدف من تلك المراجعة استكشاف ما يمكن لبريطانيا أن تفعله لحماية استقرار مصر ودعم السادات، في ضوء مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ماذا كان وضع مصر الاقتصادي؟
في تقييمه، للحال في مصر، رسم سير ريتشار بيمونت، سفير بريطانيا في القاهرة، صورة قاتمة، فلم يكد يمر عام بعد حرب 1973، حتى أعلن السادات سياسة "الباب المفتوح" على الغرب وحينها وعد المصريين بأن هذه السياسة ستؤدي إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم ستتغير حياة المصريين إلى الأفضل مما كانت عليه أيام نظام حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إلا أن كل التقارير البريطانية أكدت أنه بحلول عام 1975، دخلت البلاد أزمة خانقة.

ورسمت التقارير ملامح هذه الأزمة على النحو التالي: ارتفاع حاد في معدل التضخم، ما نجم عنه ارتفاع حاد في الأسعار، ظهور فئة قليلة بالغة الثراء بينما تعاني الغالبية الساحقة من المصريين فقرًا مدقعًا، وتفشي الفساد، وتدني مستوى الخدمات العامة بعد إخفاق الحكومة في الوفاء بوعود تحسينها.

وفي تقرير إلى لندن، أبلغ سير بيمونت حكومته بأن كل هذا يعني أن مصر في حاجة ماسة إلى دعم اقتصادي كبير "كي يمكن لنظام السادات تخفيف آثار المشكلات الاقتصادية الصعبة والاستياء الشعبي الذي لم يصل بعد إلى حد الخطر الداهم على بقاء النظام" ولم يستند السفير، في تقريره المفصل، على المتابعة اليومية لما يحدث في مصر فقط، بل تحدث مع سياسيين مصريين نافذين وقال إن حدة الأزمة الاقتصادية جعلتهم يخلصون إلى أن موقف بلادهم من الصراع العربي الإسرائيلي "ضيّعها".

وقال:" لقد صُدمت كثيرًا بالصراحة والحدة اللتين يتحدث بهما وزراء ومسؤولون عن فكرة 'عشرين عاما ضائعة'"، في إشارة إلى الحروب التي خاضتها مصر، ووفقًا للسفير البريطاني السابق، فإن محمد محمود رياض وزير الخارجية المصري آنذاك قال له في أول لقاء بينهما: "واجباتنا هي أن نكمل تحرير أرضنا المحتلة ونبني اقتصادنا، وهذا هو ما يمكننا فعله" في السياق نفسه، قال السفير إن عسكريا سابقا آخر هو سعد عرفه، نائب مساعد وزير الشئون الخارجية قال له: "للبيت رب يحميه، وعلينا أن نهتم نحن بإبلنا".

ورغم تنبيه السفير وإدارة الشرق الأدني وشمال أفريقيا بالخارجية البريطانية إلى خطورة الوضع في مصر قي 1975، وتأكيد الحرص على بقاء نظام السادات، لم يكن لدى بريطانيا استعداد لدفع أي ثمن أو تحمل أي عبء مالي لمساعدته فقال السفير: "وضعنا المالي يجعل من المستحيل أن نقدم أي إسهام جوهري، ولا الضغط على آخرين كي يفعلوا ذلك. وشركاؤنا الأوروبيون لديهم موانعهم الخاصة بهم".

ووفقًا للوثائق، لم ير البريطانيون سبيلا لمساعدة نظام السادات سوى تدخل دول الخليج بقيادة السعودية ونصح السفير بأن تلك الدول أقدر وأحق بإنقاذ مصر من براثن أزمتها ولكن تقارير البريطانيين، التي تستند على معلومات من مصادر مختلفة، أثارت حينها القلق، لأن السعوديين "لم يعودوا متحمسين لإسناد مصر" بعد أقل من عامين تقريبا من حرب 1973 وأبلغ سير بيمونت حكومته بأن "حماس" السعوديين للاستثمار في مصر "يفتر"، وأن هذا لن يتغير "حتى ترتب الحكومة المصرية بيتها المالي والاقتصادي".

واقترح السفير المسار الذي على حكومته أن تسلكه عند إثارة المسألة المصرية مع الخليجيين، وهو ضرورة نُصحهم بأن توجيه هذا الاستثمار إلى مصر سيكون عائده أكبر استراتيجيا وقال إنه "لأول مرة في التاريخ، تتوفر الموارد (الخليجية)، التي تحتاج إليها تنمية مصر الاقتصادية حاجة ماسة للغاية، ويوجد التقاء للمصلحة السياسية والاقتصادية تدعو بقوة لتوظيفها هنا"، في مصر.

وأبدى السفير تشاؤما بشأن خروج مصر من أزمتها بسبب سوء الإدارة وقال: "لا أرى أي مجال أمامنا لعمل أي شيء فعال للمساعدة في علاج نقص الإدارة الاقتصادية الماهرة الذي تعاني منه مصر معاناة هائلة" غير أنه عرض التدخل المحسوب لدى مؤسسات الإقراض الدولية وقال إنه "ربما تحفز بريطانيا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على بذل مزيد من الجهود، على أن هذا يجب أن يُفعل سرا وبحرص".

وفي كل المراجعات السنوية التي أجراها البريطانيون للأوضاع في مصر، تحتل صادرات الأسلحة إلى الجيش المصري أولوية وفي كل عام، تشيد التقارير البريطانية بنصيب بريطانيا من سوق بيع الأسلحة إلى مصر غير أن هذا يظل مشروطا، وفق النهج البريطاني بالسداد فقال سير بيمونت "لا بد أن يكون توريد السلاح مرهونا بالدفع، وإن كان المراد أن يكون السادات قادرا على تأمين كميات من المعدات ذات التكلفة الهائلة التي يحتاجها للحفاظ على استقلاله عن الروس، فربما علينا مرة أخرى العمل بجد لتحفيز سخاء هؤلاء الذين يجب أن يسددوا الفواتير".

وأشار إلى مصلحة أوروبا وبريطانيا، قائلا إنه " بالنسبة للأسلحة، نريد جميعا أن نساعد السادات بطرق مربحة لنا" واستمرت أزمة مصر الاقتصادية حتى تفجر الوضع بعد قرار الحكومة رفع أسعار بعض السلع الأساسية في يوم 17 يناير عام 1977 وحينها، أعلن الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية أمام مجلس الشعب أن الخطوة ضرورية في إطار سياسة تقشفية لازمة للحصول على قرض من صندق النقد الدولي.

ودفعت الإجراءات الاقتصادية المصريين إلى الخروج إلى شوارع القاهرة ومدن أخرى في اليومين التاليين فيما عرف في تاريخ مصر الحديث باسم "انتفاضة الخبز" ووصمها أنصار النظام بأنها "انتفاضة حرامية". واستدعي الجيش للسيطرة على الوضع. ثم تراجع السادات عن قرارات رفع الأسعار.