تفاصيل توقف الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي
توقف الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي في الوقت الراهن، لعدم تنفيذ الطلبات التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق، وكان أهمها سعر الصرف المرن وتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية.
وتجنبت مصر طلبًا رئيسيًا من صندوق النقد الدولي بتعويم جديد للجنيه، وفق مصادر أكدت أن البلاد تأمل في أن تتمكن من إدارة دفة المساعدة المالية دون الاضطرار إلى اللجوء على الفور إلى تعويم جديد.
وقالت المصادر لـ"الرئيس نيوز"، إن نظام سعر صرف مرن، هو مطلب رئيسي من قِبل صندوق النقد الدولي، إلا أن هذا الالتزام لم يتحقق بشكل كامل حتى الآن.
وفي ديسمبر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج مدته 46 شهراً لمصر الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، على أن يخضع البرنامج لمراجعتين سنوياً حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات.
المراجعة الأولى؛ التي سيصرف على أساسها الشريحة الثانية من القرض، كان يُفترض أن يتم منتصف مارس الماضي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، نظراً لتأخر الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات، وعدم اتسام سعر صرف الجنيه بالمرونة اللازمة، ومن المفترض أن تتم تلك المراجعة في سبتمبر المقبل.
واستلمت مصر أول دفعة من صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي بقيمة 347 مليون دولار، ومن المقرر استلام الدفعات الباقية في مارس وسبتمبر من كل عام وتحديداً من 2023 إلى 2026، وهو ما لم يحدث بعد، نظراً لتأخر الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات، وعدم اتسام سعر صرف الجنيه بالمرونة اللازمة.
وتحافظ مصر على سعر الصرف عند مستوى 30.90 جنيهًا للدولار منذ يناير 2023، بينما جرى تداول الدولار خلال آخر أسبوعين بين 38-39 جنيهاً في السوق الموازية.
وتقبع مصر مؤخراً تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، الذي لم يقم بمراجعته الأولى لبرنامج الدعم المقدّم للبلاد، نظراً للتباطؤ الذي يكتنف تنفيذ متطلباته الخاصة بمرونة سعر الصرف وبيع أصول حكومية.
وتعمل الحكومة على قدم وساق في برنامج الطروحات أملاً في تعزيز الموارد الدولارية، حيث ووقَّعت اتفاقاً في وقت سابق مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي لتكون مستشاراً استراتيجياً لبرنامج الطروحات في خطوةٍ قد تنعش الآمال تجاه الملف الذي يتعرّض لانتقادات واسعة من قبل صندوق النقد الدولي لتباطؤ الحكومة في تنفيذه.
واتخذت مصر خطوة أخرى الأسبوع الماضي لتعزيز موقفها مع صندوق النقد، إذ وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، ضمن خطط تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية بكفالة فرص عادلة، وهذه الخطوة كانت مصر قد تعهدت بها لصندوق النقد ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، طالب ضمنياً في تصريحات سابقة خلال المؤتمر الوطني للشباب بالإسكندرية صندوق النقد الدولي بتفهم ظروف البلاد، بعد أن قال إنَّ سعر الصرف في مصر أصبح "أمناً قومياً"، كما لا يمكن الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين.
وهذه هي المرة الأولى التي يردّ فيها الرئيس السيسي بشكل مباشر على الضغوط التي تتعرض لها مصر من صندوق النقد الدولي من أجل "مرونة أكبر لسعر الصرف" دون أن يذكر اسم الصندوق في حديثه، لكنَّ الإشارة كانت واضحة.
تصريحات الرئيس السيسي تعكس الأثر السلبي لتعويم الجنيه على التضخم والمستوى المعيشي للمصريين، لذلك يمكن أن تشير إلى توقف مؤقت عن سياسة تعويم الجنيه.
وعاود التضخم في مدن مصر مساره الصعودي مجدداً في مايو تحت ضغوط رفع الحكومة لأسعار السولار، وشح العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، وعودة تكدس البضائع بالموانئ.
وارتفعت أسعار المستهلكين في مصر إلى 32.7% خلال مايو على أساس سنوي، مقابل 30.6% في أبريل، أما على أساس شهري؛ فقد زادت وتيرة التضخم إلى 2.7% من 1.7% في أبريل.
وحرّرت مصر عملتها المحلية 3 مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، مما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25% منذ بداية 2023 حتى الآن، وبنحو 50% منذ مارس من العام الماضي مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.
وكشفت مصادر أن مصر ليس لديها رغبة في عدم تخفيض جديد للجنيه على الرغم من مطالب خبراء صندوق النقد الدولي بأن هذا الإجراء قد يكفل تدفقات عاجلة للبلاد في ظل تصاعد الالتزامات الدولارية.
ورهن الصندوق عودة المفاوضات بشأن الحصول على الشريحة الثانية من القرض البالغة 354 مليون دولار، بسداد مستحقات شركات البترول العالمية واستحقاقات خدمة الدين التى تصل لنحو 2 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري.
وتوقعت المصادر تأخر المراجعة الأولى للاقتصاد إلى الربع الثالث من العام الجاري، تحت ضغوط تمسك مصر بعدم إجراء تعويم جديد للجنيه، لعدم جدواه في ظل الحاجة لتعزيز تدفقات العملة الأجنبية، وعودة الأسواق لطبيعتها.
وكانت كريستالينا جورجييفا مديرة صندوق النقد الدولي -في تصريحات سابقة- حددت ثلاثة مجالات مطالبة الحكومة المصرية بتنفيذها لتعزيز تنافسية اقتصادها كالتالي:
أولًا: لا بد من انسحاب الدولة من الأنشطة التي ليس القطاع العام أفضل من يضطلع بها، بما يعزز ازدهار القطاع الخاص، وهذا أمر أساسي جدًا، على حد قول جورجييفا.
أما ثاني الخطوات -بحسب مديرة صندوق النقد- فتتعلق ببذل المزيد من الجهود لتخصيص الدعم للفئات الأكثر هشاشة، وتقليص أنماط الدعم الذي يستفيد منه الأغنياء، مثنيةً على عمل مصر "الجبار" حتى الآن في هذا المجال إلاّ أنه مطلوب المزيد.
ثالثًا: هناك حاجة للتفكير بطرق تتيح تعزيز احتياطيات مصر من العملات الأجنبية، وفقًا لـ جورجييفا، التي أشارت إلى أنها تتحدث مع السلطات المصرية بهذا الشأن.