عودة سوريا للصف العربي بقوة يثير مخاوف "صدام أمريكي روسي" جديد
سلطت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية الضوء على ملف تكثيف الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي وهو عامل مهم يمنح الشرعية الدولية للقوات الأمريكية في سوريا، بينما تسعى موسكو بكل ما أوتيت من قوة إلى إخلاء سوريا بالكامل من أي قوات أمريكية، وبالفعل، يتمركز 900 جندي أمريكي حاليًا في قواعد بسوريا وهذه ليست قوة كبيرة، ولكن إلى جانب القوات الكردية، تمكنوا من دحر تنظيم داعش، وبشكل أساسي ساهموا في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وبالتالي تقويض فكرة أن الولايات المتحدة قد تخلت عن الشرق الأوسط.
وفي ديسمبر 2018، بعد ستة أشهر من الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انتصار الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش وفي مقطع فيديو نشره على حسابه عبر تويتر، قال ترامب إن كل الأمريكيين عائدين إلى ديارهم وكان هذا بيانًا متسرعًا وخطيرًا، من سمات الطريقة التي كان ترامب يتخذ بها القرارات، ولكن الضغط الهائل الذي مارسه الكونجرس ومحاولات الدول الأوروبية جعله يتراجع عن نيته سحب القوات بالكامل.
وعلى مدى العامين الماضيين، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحملة ضد داعش في سوريا ليست مستمرة فحسب، بل إنها تتزايد بالفعل ووفقًا للأرقام الصادرة عن البنتاجون، نفذت الولايات المتحدة 44 هجومًا واسع النطاق ضد قواعد داعش خلال العام الماضي، بزيادة قدرها 15 في المائة عن العام السابق، صحيح أنه في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في سوريا وشمال العراق كان هناك انخفاض كبير في عدد الهجمات الإرهابية التي نفذها التنظيم الإرهابي، ولكن في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، والتي تمتد على 60٪ من سوريا، يدير داعش لبناء المزيد من القواعد وزيادة قواته في مدن حمص وحماة والرقة ودير الزور كما أن تنظيم داعش يهزم القوات الحكومية التي تعمل جنبًا إلى جنب مع القوات الروسية، ويسيطر على مناطق مثلما فعل في 2014 عندما بدأت حملة الغزوات والفتوحات وهذا لا يشمل فقط آلاف المقاتلين المسلحين العاملين في سوريا والذين يمتلكون أسلحة ثقيلة، وهناك السجون غير النظامية التي بناها الأكراد في سوريا وتضم حاليًا 10000 رجل، بالإضافة إلى 50 ألف امرأة وطفل كانوا مرتبطين بعناصر تنظيم داعش وستكون لهذه الأرقام تداعيات خطيرة إذا تمت صفقة تؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية، وستنتقل مناطق في شمال شرق سوريا من أيدي الأكراد إلى سيطرة دمشق.
وقبل شهرين، في جلسة استماع عقدتها اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، حذر الخبراء من سحب مزيد من القوات الأمريكية. لقد تناولوا بشكل خاص غياب السياسة الأمريكية، واللامبالاة بالأحداث في سوريا، ومؤخرًا، هز الكتفين بسبب تطبيع العلاقات بين الدول العربية والأسد.
وفي مطلع مايو، قبل أسبوعين من اجتماع القمة العربية الذي ناقش عودة سوريا إلى أحضانها، بعد تعليقها عام 2011، اجتمع وزراء الخارجية العرب في عمان لصياغة قرار بإلغاء تعليق عضوية سوريا وبعد هذا الاجتماع، قال مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي الأمريكي لموقع "ذي ناشيونال نيوز"، ومقره أبو ظبي، إنه عندما يتعلق الأمر بأي مفاوضات مع سوريا، أكدت الولايات المتحدة لشركائها أن إجراءات بناء الثقة تبذل من أجل تحسين الوضع الإنساني والأمني للمواطنين السوريين، ويجب أن تكون في طليعة أي نقاش من هذا القبيل.
وأضاف أن الولايات المتحدة مسرورة لرؤية هذه الخطوات وتأمل أن يتم تنفيذها.
وفسرت سوريا ودول عربية أخرى الإشارات الأمريكية كضوء أخضر أمريكي لمواصلة عملية التطبيع وأشار المتحدثون باسم البيت الأبيض وبايدن لاحقًا إلى أنهم يعارضون مثل هذا التطبيع، وأن القرار 2254، الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في عام 2015، يدعو بشكل أساسي إلى إجراء انتخابات نزيهة وتمثيلية حتى يتمكن الشعب السوري من اتخاذ قرار بشأن النظام المستقبلي، وكان هذا هو الأساس الوحيد للمفاوضات بشأن سوريا ومع ذلك، فإن المعارضة الأمريكية لتعزيز العلاقات بين نظام الأسد والسعوديين، وفي وقت سابق الإمارات والبحرين وتركيا جاءت متأخرة للغاية، ومن ثم تمت دعوة الأسد لحضور قمة الجامعة العربية التي عقدت في جدة في مايو، ولم تفلح خطوات بايدن لعزل الأسد.
وأضافت الصحيفة: "صحيح أن دول الخليج ليست في عجلة من أمرها لإغراق الأسد بالمال والمساعدات الأخرى. وعلم الاسبوع الماضي ان الأسد طلب من روسيا قرضا كبيرا. إنه يدرك أن المساعدات العربية الضخمة غير متوقعة في الوقت الحالي. لكن إضفاء الشرعية عليه قد تم بالفعل، مما يثير استياء بايدن، الذي كان عليه أن يشرح لمنافسيه الجمهوريين في الكونجرس كيف فشل في منع هذه الخطوة".
وبالنسبة لواشنطن، فإن هذا ليس مجرد فشل دبلوماسي في تزويد إيران وروسيا ببعض المكاسب الجيدة، فتجديد عضوية سوريا المتجددة في جامعة الدول العربية توفر دفعة قوية لمحاولات الأسد لإكمال حكمه على كامل البلاد مع طرد القوات الأجنبية، ولا سيما القوات الأمريكية والتركية ويمكن تمييز ثقته المتجددة في الطريقة التي يدير بها مفاوضاته مع تركيا إذ ينطلق طموح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تجديد علاقاته مع الأسد، الذي كان قبل الحرب الأهلية أقرب زعيم له، إلى الأهمية التي يعلقها أردوغان على إبعاد أربعة ملايين لاجئ سوري تستضيفهم تركيا الآن.
وبالفعل تعهد أردوغان، قبل انتخابات الشهر الماضي، بالبدء في إعادة مليون لاجئ، مضيفًا أنه سيبني منازل لهم على الأراضي السورية، في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته، إلى جانب الميليشيات الأخرى المدعومة من تركيا وخلال حملته الانتخابية، وسع أردوغان هذا الوعد ليشمل جميع اللاجئين، على الرغم من أن الظروف في سوريا بعيدة كل البعد عن ضمان قاعدة اقتصادية آمنة يمكنهم الاعتماد عليها.
ويطالب الأسد الآن تركيا أولًا بسحب جميع قواتها من سوريا وقطع علاقاتها مع جبهة تحرير الشام (التي نشأت في القاعدة قبل أن تنفصل) وهذه هي أكبر ميليشيا مسلحة في سوريا، ويقدر عددها بنحو 50 ألف مقاتل مسلح يسيطرون على معظم مناطق إدلب وبدون دعم تركي، ستجد هذه الميليشيا صعوبة في معارضة الأسد الذي يرغب في احتلال المنطقة بأكملها، وبالتالي استكمال سيطرته على البلاد ويعتمد الأسد بشكل أساسي على الموقف الروسي الذي يشجع تركيا على تطبيع علاقاتها مع سوريا والوفاء بالتزامها بإخراج ميليشيا تحرير الشام أو النأي بنفسها عنها ومن الصعب العثور على إشارات إيجابية تشير إلى أن هذه العملية آخذة في التبلور.