قبرص تسعى للربط بالغاز الإسرائيلي مع تراجع صادرات الغاز الطبيعي المسال المصرية
بعد أكثر من عقد من التعطيل والتسويف والتأخير، تأمل قبرص في إقناع إسرائيل بدمج تطوير حقول الغاز القبرصية والإسرائيلية مع منشأة تسييل تقع في المياه القبرصية يمكن أن تزود الجزيرة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط وأسواق الغاز العالمية باحتياجاتها وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تراجع فيه تصدير الغاز الطبيعي المسال من مصر هذا الشهر مع تزايد المخاوف من أزمة غاز أخرى تلوح في الأفق في قارة أوروبا التي تعتمد على الغاز في توليد ما يلزمها من الطاقة لتشغيل أجهزة تكييف الهواء خلال هذا الصيف الحار.
وفي هذا الإطار، أدخلت قبرص تعديلات على خطّتها لتكون ممرًا لصادرات تل أبيب إلى أوروبا، مكتفية بمشروع يستهدف تأمين احتياجاتها من الغاز الإسرائيلي، وفق تصريحات رسمية اطّلع عليها موقع "إنيرجي إنتلجنس" المهتم بشؤون النفط والغاز والكهرباء، وصرّح كبير مسؤولي الطاقة في قبرص، بأن بلاده تأمل - خلال المحادثات التي ستبدأ في يوليو 2023 - في وضع خطط لخطّ أنابيب يربطها بحقول الغاز الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط.
تمثّل المقترحات التي قدّمتها الحكومة القبرصية الجديدة، التي وصلت إلى السلطة في مارس 2023، نهجًا مختلفًا بشكل ملحوظ عن سابقاتها في إيصال الغاز إلى أوروبا والأسواق الأخرى، فبدلًا من خط أنابيب شرق المتوسط بطول 2000 كيلومتر إلى أوروبا، تقترح الحكومة الجديدة خط أنابيب أقصر بكثير يربط قبرص بالحقول قبالة إسرائيل، وبمجرد وصوله إلى نيقوسيا، يمكن تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، ثم شحنه إلى أوروبا.
وشهدت منطقة شرق البحر المتوسط اكتشافات كبيرة للغاز في السنوات الأخيرة، معظمها قبالة سواحل إسرائيل ومصر، مع تزايد الاهتمام منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي ضرب تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا وبشكل خاص خطي أنابيب نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 وكانا بمثابة شريان للغاز المتدفق إلى ألمانيا بصفة خاصة.
وكانت المشاورات حول إنشاء خط أنابيب غاز شرق المتوسط الذي يبلغ طوله 2000 كيلومتر- ونقله للإمدادات إلى أوروبا، قد بدأت منذ ما يقرب من 10 سنوات، مع طرح دعم الاتحاد الأوروبي ماليًا له بصورة جزئية، حسب منصة الطاقة المتخصصة، ووفقًا لرويتز، قال وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو، وهو خبير في صناعة الطاقة لما يقرب من 40 سنة: إن "الاكتشافات القبرصية صغيرة ولم تدخل حيز الإنتاج بعد، وبالنسبة لنا، فإن الخطة الجديدة تقدّم عدّة إجابات، وتمثّل فوزًا للطرفين".
وأوضح أن مشروع خط أنابيب شرق المتوسط، الذي ظل قيد المناقشة بين إسرائيل وقبرص واليونان منذ نحو عقد من الزمان، لم تُتَّخَذ أيّ تحركات لتنفيذه، وواجه تحديات كبيرة وأضاف: "إنه مشروع كبير للغاية ومرتفع التكلفة، لكن هناك مشكلات فنّية، مثل عمق البحر، حيث يجب مدّ خط الأنابيب"، حسبما ذكرت وكالة رويترز.
ويرى المسؤول القبرصي أن المشروع الجديد، بخلاف كونه أقصر وأسرع في البناء، فإن ربط 300 كيلومتر بالحقول قبالة إسرائيل يوفر لبلاده الوصول إلى الغاز الرخيص، ويمنح تل أبيب منفذًا آخر للتصدير بالإضافة إلى مصر.
وأشار باباناستاسيو إلى أنه مع احتياجات الغاز المقدَّرة في قبرص بـ0.7 مليار متر مكعب فقط، تريد الحكومة أيضًا منشآت تسييل، إذ ستشجع المستثمرين من أجل تمكين الغاز من الوصول إلى "السوق الأكثر عطشًا" في أوروبا الآن.
صادرات الغاز المصرية
يواجه المشروع بين الحين والآخر تحديات عديدة، خاصة بعد أن سحبت واشنطن دعمها له، نظرًا لحسابات التكلفة العالية ومدة البناء الطويلة، في حين ترى بعض الدول المشاركة فيه - ومن بينها قبرص - صعوبة تنفيذه لعدّة اعتبارات ويصبّ الحديث عن تعديلات خط أنابيب شرق المتوسط في صالح مصر، إذ طالما شكّل المشروع خطرًا على صادراتها من الغاز المسال، بافتقارها لحصّة الغاز الإسرائيلي، مع تراجع إنتاج البلاد وزيادة الطلب المحلي.
وكان وزير الطاقة القبرصي قد أكد في تصريحات سابقة أن بلاده تبحث عن مسارات لاستيراد الغاز دون استغراق المزيد من الوقت انتظارًا لإنشاء مشروعات محلية، موضحًا أن إنشاء محطة للإسالة في قبرص قد يمتد إلى عامين ونصف، في حين إن بناء خط أنابيب يربط بلاده بإسرائيل يستغرق 18 شهرًا فقط وشكّل مشروع خط أنابيب شرق المتوسط تهديدًا لخطّة مصر بزيادة صادراتها من الغاز المسال، بصفتها الدولة الوحيدة في شرق المتوسط التي تمتلك محطات إسالة، وتستورد الغاز من إسرائيل، وتعيد تصديره إلى أوروبا بعد إسالته.
ودخلت القاهرة في مباحثات ووقّعت اتفاقيات خلال المدة الأخيرة من عدد من الشركات التي تمتلك حقوق امتياز في حقول شرق المتوسط، ومن بينها شيفرون، من أجل إسالة الغاز المستخرج في المحطات المصرية وتصديره إلى أوروبا وتعوّل مصر أيضًا على زيادة وارداتها من الغاز الإسرائيلي في تعويض نقص الإنتاج المحلي لمواصلة تحقيق طفرة في صادرات الغاز، وتشغيل محطات الإسالة التي تبلغ طاقتها ما يزيد على 12 مليون طن سنويًا بكامل طاقتها.