رفع أسعار السولار وشحّ الدولار.. أسباب مُعاودة ارتفاع التضخم في مايو 2023
عاود التضخم مساره الصعودي مجددًا في شهر مايو 2023، تحت ضغوط رفع الحكومة لأسعار السولار، وشح العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، وعودة تكدس البضائع بالموانئ.
وبحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع معدل التضخم السنوي في مدن مصر إلى 32.7% خلال مايو على أساس سنوي، مقابل 30.6% خلال أبريل، أما على أساس شهري، فقد زادت وتيرة التضخم إلى 2.7% من 1.7% في أبريل.
وعزا يوسف البنا، المحلل المالي، معاودة ارتفاع التضخم إلى "التأثير المباشر وغير المباشر لارتفاع أسعار الديزل خلال مايو، إلى جانب ارتفاع مؤشر الأغذية في ظل تشوُّه أسعار التبغ في سوق التجزئة المصرية".
وأوضح ياسر حسين، الخبير الاقتصادي، أن رفع سعر السولار في مصر، ترتب عليه ارتفاعات في مختلف السلع والخدمات التي يدخل فيها عنصر السولار كعنصر تكلفة، سواء من خلال حلقة الإنتاج أو حلقة النقل حتي تصل السلعة ليد المستهلك النهائي.
وقررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر في شهر مايو الماضي، رفع سعر السولار جنيهًا واحدًا إلى 8.25 جنيه للتر، وهو ما يوفر لخزينة الدولة أكثر من نصف مليار دولار سنويًا، فيما أبقت على أسعار البنزين ثابتة.
وعزت الحكومة رفع الأسعار إلى "زيادة الأسعار العالمية للزيت الخام والمنتجات البترولية، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار".
وتُعتبر هذه هي المرة الأولى التي ترفع فيها مصر أسعار السولار منذ يوليو 2022.
ورفعت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، أواخر شهر مارس، أسعار السجائر، بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام عالميًا مع تراجع قيمة الجنيه المصري.
تُعدُّ هذه هي الزيادة الثانية التي تُقرها الشركة في أقل من 7 أشهر، إذ أعلنت في سبتمبر الماضي رفع الأسعار بين 1.5 جنيه إلى جنيهين، بعد أن رفعتها في مارس 2022 بقيمة تراوحت بين نصف وجنيه واحد، لكن هذه المرة تراوحت الزيادة الجديدة بين جنيه و3 جنيهات للعلبة الواحدة.
وبحسب وزير المالية محمد معيط، رفعت مصر موازنة الدعم والحماية الاجتماعية للسنة المالية المقبلة 48.8%، لتقفز إلى 529.7 مليار جنيه من 358.4 مليار جنيه السنة الحالية، بهدف التخفيف عن المواطنين في ظل الموجة التضخمية العالمية.
الزيادة البالغة 171.3 مليار جنيه، توزعت بالموازنة الجديدة بشكلٍ أساسي على السلع التموينية حيث ارتفع دعمها بنحو 42% إلى 127.7 مليار جنيه، بينما بلغ دعم المواد البترولية 119.4 مليار جنيه.
وتعاني مصر من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر الدولار وخفض الجنيه، وصعوبات في توفير تدفقات دولارية، مع تأخر المراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي التي كان مقرر لها منتصف مارس، في وقت تشير مؤسسات تصنيف ائتماني إلى ارتفاع المخاطر التمويلية لمصر مع ارتفاع احتياجاتها المستقبلية.
وتراهن مصر على برنامج للطروحات لشركات عامة يتضمن 32 شركة وأخرى تابعة للجيش، يموّل خزينتها الدولارية، وتعمل حاليا على تسريع تنفيذه.
ونتيجة المخاطر التمويلية عدلت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، فيما خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر من +B إلى B مع نظرة مستقبلية سلبية.
ويترقب صندوق النقد الدولي تنفيذ مصر لمزيد من الإصلاحات واسعة النطاق التي تعهدت بها الحكومة، قبل إجراء المراجعة الأولى لبرنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار وافق عليه الصندوق في ديسمبر ويمتد لـ46 شهرًا.
وكان البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 800 نقطة أساس خلال عام 2022، بجانب 200 نقطة أساس في شهر مارس الماضي، سعيًا لامتصاص موجة التضخم، ومن أجل جذب استثمارات بالعملة الأجنبية لأدوات الدَّين الحكومية، بعد خروج نحو 22 مليار دولار من البلاد عقب الأزمة الروسية-الأوكرانية.
ومنذ ذلك الحين، لم يرفع البنك المركزي معدلات الفائدة رغم ارتفاع مستويات التضخم التي أدت إلى هبوط سعر الفائدة الحقيقي إلى النطاق السلبي ما حال دون عودة تدفق الأموال الأجنبية إلى أدوات الدين الحكومية.
في غضون ذلك، أشارت أحدث توقعات لصندوق النقد الدولي بالنسبة لمصر إلى تباطؤ وتيرة النمو من 6.6% في 2022 إلى 3.7% في 2023 بسبب تقييد الأوضاع التمويلية وانخفاض سعر الجنيه في الفترة السابقة، بالإضافة إلى التضخم المرتفع الذي سيؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للأسر وضعف نمو الطلب الخارجي، مؤكدا أن مصر لا تزال تواجه ضغوط كبيرة على أسعار الصرف والاحتياطات الدولية.
وحرّرَت مصر عملتها المحلية 3 مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، ما دفع سعر الجنيه إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25% خلال الربع الأول من 2023، وبنحو 50% منذ مارس من العام الماضي، بداية الأزمة الروسية-الأوكرانية.