أبو الغيط أمام مجلس الأمن: العالم يقترب من مواجهة نووية
قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن العلاقة بين مجلس الأمن والقضايا العربية تعود إلى زمن نشأة الأمم المتحدة ذاتها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ذات الأهمية الاستثنائية، إلا أن العقد الماضي شهد تفجر قضايا وملفات متعددة وشديدة التعقيد وجدت طريقها للمجلس.
وأضاف أبو الغيط، خلال كلمته أمام اجتماع مجلس الأمن حول التعاون بين الأمم المتحدة والجامعة العربية، أنه وليس خافيًا على أحد أن العالم يمر بمرحلة خطيرة، إذ اقترب، ولأول مرة منذ عقود، من شبح مواجهة نووية، وازدادت حدة الصراع بين القوى الكبرى بكل ما تولده من حالة من الاستقطاب، وتنامي التوترات الدولية، مع تقلصٍ في القدرة على العمل الجماعي المتضافر من أجل مواجهة التحديات المشتركة التقليدية وغير التقليدية التي تواجه البشرية، وعلى رأسها مكافحة الارهاب، والتغير المناخي، والاضطراب الناشئ عن التطورات التكنولوجية وفي مقدمتها تلك المتعلقة بتطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي دون قيود، فضلًا عن تحدي انتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها.
وأوضح أن إن انتشار التوترات في قمة النظام الدولي يُقلل من فرص معالجة النزاعات الإقليمية، ويخصم من رصيد الاهتمام العالمي، وبخاصة في مجال المساعدات الإنسانية والإغاثية لمناطق تُعاني بالفعل من أزمات مستفحلة، مناشدا كافة الأطراف بأن تحظى كل بؤر النزاع في العالم بالاهتمام الواجب، وألا تؤثر الأزمة الأوكرانية أو غيرها، على مجمل الالتزامات الدولية، وبخاصة في الجانب الإنساني تجاه مناطق تشهد أزمات إنسانية حادة، بما في ذلك الملايين من اللاجئين والنازحين، كما الحال في منطقتنا في اليمن وسوريا والصومال والسودان.
ورصد الأمين العام معاناة الفلسطينيين من التأثير المزدوج لاستمرار الاحتلال، مع تصاعد القمع والعنف من جانب الحكومة الإسرائيلية، والتي تعكس، بمواقفها وممارساتها والأيديولوجية المتطرفة التي يعتقنها بعض رموزها، انعطافًا غير مسبوق لليمين، هي حكومة اختارت الضم والاستيطان عِوضًا عن السلام، وتعمل كل يوم، بسياساتها وممارساتها التي تخاصم القانون الدولي على طول الخط، على تقويض أي أفق مستقبلي لحل الدولتين.
إن أخطر ما يُعاني منه الشعب الفلسطيني اليوم هو حالة فقدان الأمل، بحسب أبو الغيط، محذرًا من ترسخ هذا الشعور باليأس وفقدان الثقة في قدرة المجتمع الدولي على تحريك عملية التسوية السياسية باعتباره أمرٌ بالغ الخطورة، مشيرا إلى تصاعد ملحوظ في منحنى العُنف، بينما تبقى الرغبة في إرضاء العناصر الأشد يمينية وتطرفًا في المجتمع الإسرائيلي تُحرك الحكومة الحالية على نحو لابد أن يثير قلقنا جميعًا، موضحا إن حادثًا استفزازيًا واحدًا، مثل ذلك الذي جرى أكثر من مرة تحت رعاية وزراء إسرائيليين قاموا بقيادة المستوطنين في اقتحام المسجد الأقصى، كفيلٌ بإطلاق تفاعل متسلسل لا يعرف أحد إلى أين يُمكن أن يقود.
ودعا إلى إلى إعادة الاعتبار لحل الدولتين باعتباره يُمثل السبيل الوحيد، في تقدير الجامعة العربية، لتحقيق سلام مُستدام، وهو الحل الذي ارتضاه المجتمع الدولي، وبلوره في قرارات صادرة عن مجلس الأمن وعن الجمعية العامة، وهو أيضًا الحل الذي يقع في صلب مبادرة السلام العربية، التي لا زالت الجامعة العربية تتمسك بها، وتعتبرها المدخل الوحيد لسلام إقليمي يقوم على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعرب الأمين العام عن استشعار الجامعة العربية الخطورة البالغة التي ينطوي عليها الوضع الراهن في السودان ودول الجوار مبرزا تحرك الجامعة العربية بنشاط في إطار من التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى، وبالذات الاتحاد الإفريقي، لتحقيق الهدف المشترك وهو الوقف الكامل للعمليات العسكرية بما يتيح الوصول الي قدر من الاستقرار ليسمح باستعادة العمل السياسي الذي يلبي طموحات الشعب السوداني، مشيرا إلى أن الهدف هو الحفاظ على سودان موحد ومستقر من دون تهديد لوحدته الترابية، أو إضعاف لوحدة مؤسساته الوطنية.
وعن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أعرب الأمين العام عن أمله أن تكون خطوة مهمة نحو معالجة أزمتها الممتدة، بحيث تدفع بدور عربي أكثر نشاطًا وتأثيرًا في تحقيق تسوية سياسية لا سبيل لمعالجة هذه الأزمة الخطيرة سوى من خلالها ووفق قرار مجلس الأمن 2254، فالحل السياسي يبقي سبيلًا أساسيًا لاستعادة الاستقرار إلى سوريا وصيانة سيادتها على كامل ترابها الوطني.
واعتبر أن الهدنة التي تحققت، على نحو فعلي برغم إصرار جماعة الحوثي على رفض تمديدها رسميًا، قد أسهمت بالفعل في تخفيض حدة الصراع، كما أن بوادر إيجابية، مثل الإفراج المتبادل عن الأسرى، قد أسهمت في تخفيض التصعيد، غير أن الوضع في اليمن ما زال مأسويًا بعد نحو عقد كامل من الصراع الأهلي مشيرا إلى معاناة هذا البلد من الأزمة الإنسانية الأخطر في عالمنا اليوم، والملايين من سكانه في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، مشددا على أن الحل السياسي للأزمة يظل ممكنًا، خاصة لو بُذلت ضغوط كافية على الطرف الحوثي كما أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس الماضي يفتح أفقًا مهمًا يتعين اغتنامه من أجل تحقيق تهدئة مطلوبة وربما تسوية في اليمن.
وأشار إلى أن تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة العربية، وبخاصة في منطقة الخليج العربي وباب المندب، يقتضي في الأساس التزامًا من كافة الأطراف بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وكذلك التزامًا بأحد المبادئ الأساسية التي يتأسس عليها النظام الدولي وميثاق هذه المنظمة العتيدة؛ وهو عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
وفي ليبيا، اعرب أبو الغيط عن تأييده لجهود التوصل الي مصالحة شاملة في البلاد، آملًا أن تتجاوز كافة الأطراف العقبات التي تحول دون إجراء الاستحقاقات الانتخابية، باعتبار أن الانتخابات توفر المخرج الوحيد والحل المستدام للأزمة التي تمر بها البلاد، وما تشهده من انقسام خطير في المؤسسات، وأن تنعكس التطورات الإيجابية في المحيط الإقليمي لليبيا على الأوضاع فيها، داعيا المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مواكبة الليبيين حتى يصلوا الي بر الأمان، مشيدا بجهود كافة الدول العربية الساعية بصدق الي مساعدة أشقائهم الليبيين على تجاوز المأزق الحالي.
وأكد إيمان الجامعة العربية بضرورة إشراك الشباب في جهود السلام وصنع القرار مما يعزز استدامة جهود السلم والتنمية ومنع نشوب النزاعات وحلها، لذلك فإن قرار مجلس الأمن (2250) يكتسب أهمية كبيرة لتوافق توجهاته مع أولويات وخصوصيات دول المنطقة العربية خاصة في ضوء الظروف الجيوسياسية الراهنة وتأثير الصراعات الممتدة في بعض الدول العربية، وبروز ظاهرة التطرف والعنف عالميًا.
واستمرارًا للجهود المشتركة بين الجامعة والمجلس لدعم مشاركة المرأة العربية في مختلف مراحل تحقيق السلام، أشار أبو الغيط إلى إطلاق الجامعة العربية الشبكة العربية للنساء "وسيطات السلام" كمبادرة جادة وطموحة لترجمة ودعم الجهود التي تبذلها النساء في الوساطة من أجل السلام على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ولتمكين النساء العربيات من المشاركة بخبراتهن الخاصة في الوقاية من النزاعات وتسويتها بالطرق السلمية.
وشدد على أن الجامعة العربية تظل شريكًا فاعلًا ورئيسيًا في منظومة العمل متعدد الأطراف في جهود صون السلم والأمن الدوليين، حيث تضافرت جهودنا المشتركة للتصدي لعدد من التحديات العالمية ومن بينها الأزمات الصحية، والنزاعات المسلحة، والإرهاب والتطرف العنيف، والأمن الغذائي، والأمن المائي، والتصحر، وتغير المناخ، والحد من الكوارث، وغير ذلك من التحديات الخطيرة.
وأشار إلى العمل على هذه الجبهات المختلفة سيتطلب تطوير الأساس الإستراتيجي لاجتماعات التعاون العام، واجتماعات التعاون القطاعي التي تجرى بالتناوب بين المنطمتين، وذلك بهدف تحسين مستوى معيشة الشعوب العربية والتخفيف من آثار هذه التحديات عليها.
وأكد على على الأهمية التي توليها الجامعة العربية للشراكة الاستراتيجية مع مجلس الأمن، مؤكدا أهمية التفاعل بينهما لدعم الأمن والسلم في الشرق الأوسط بأمل أن تتحول المنطقة من منطقة نزاعات وأزمات الى منطقة أمن واستقرار تتمتع شعوبها بما يستحقونه من السلام والرخاء والازدهار.