الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حوار| حسام مؤنس: الشباب بعيد عن المعادلة السياسية الحالية.. والمناخ المقيد يدفع لانفجارات شعبية (1-2)

الرئيس نيوز

- جيلنا لم يعد جيل الشباب.. والشباب بعيد عن المعادلة السياسية الحالية

- يجب إجراء مراجعات لـ 25 يناير من موقع الانتماء والانحياز لها ولأهدافها

- المناخ المقيد يدفع لانفجارات شعبية ولا أحد يتحمل ذلك لا سلطة ولا معارضة ولا مجتمع

- قطاع من المعارضة بعد ثورة يناير كان يركز على العمل الاحتجاجي بدرجة أكبر من العمل السياسي

- عدم وجود أطر سياسية قادرة على إقناع الجمهور جزء من أزمة السلطة

أكد حسام مؤنس، السياسي المستقل، أن انغلاق العمل السياسي على مدار السنوات السابقة أدى إلى فجوة كبيرة بين جيل الشباب الحالي وبين الحياة السياسية، وكذلك بينهم وبين جيلنا، معقبا: “لم يكن هناك حياة سياسية في الأحزاب ولا الجامعات ولا النقابات المهنية ولا غيره”.

وقال مؤنس في حواره مع “الرئيس نيوز” إن جزءا من أزمة الدولة حاليا أنه لا يوجد أطرا سياسية منظمة قادرة على إقناع الجمهور بأنها تعبر عنه أو تدافع عن قضاياه، مشيرا إلى أننا نحتاج عودة أحزاب قوية قبل الحديث عن تربية سياسية.

وأشار إلى أن السياسة - من وجهة نظره - هي المخرج الوحيد للأزمة التي تمر بها البلاد، إذ يجب إعادة الاعتبار للأحزاب وجميع مكونات المجتمع المدني لتشارك الدولة في البحث عن حل للأزمة المستحكمة سياسيا واقتصاديا، مشيرا إلى أن التضييق الأمني ليس هو الحل الأمثل لمشكلات قد تدفع المجتمع إلى الانفجار.

وإلى نص الحوار..

بداية.. أين جيل الشباب في معادلة الحياة السياسية حاليا؟

دعنا نؤكد على أننا وتحديدا جيل ثورة يناير، لم نعد شبابا، ويمكن أن نصنف أنفسنا كجيل الوسط في الحياة السياسية، والحقيقة أن هناك فجوة كبيرة بين جيل الشباب الحالي وبين الحياة السياسية والعمل السياسي وكذلك بينهم وبين جيلنا، وهذا بحكم انغلاق العمل السياسي على مدار السنوات السابقة، فلم يكن هناك حياة سياسية في الأحزاب والجامعات والنقابات المهنية ولا غيره، فالمفارخ الطبيعية للعمل السياسي لم تعد موجودة، وبالتالي هناك ابتعاد تام عنه، وحقيقة لا أعرف "أين جيل الشباب الحالي في معادلة الحياة السياسية"، خصوصا أن مصادر المعرفة والاطلاع لديهم أصبحت أكثر انتشارا وتنوعا، وخلفياتهم الفكرية والثقافية أكبر من جيلنا.

أما فيما يتعلق بجيلنا فكثيرا منا خاض تجارب سياسية وحزبية مختلفة بعد ثورة 25 يناير، وشارك في العمل العام بأشكال مختلفة، ثم على مدار 8 سنوات كلِّ منا تعرض لما تعرض له، فمنا من سافر للابتعاد عن التضييق والمضايقات، ومنا من تعرض للحبس، وآخرون باتوا محاصرين ومضيقا عليهم بحكم الأوضاع السياسية التي كانت مفروضة، ولم يكن هناك فرصة متاحة لهم في العمل السياسي أو العام فاضطروا للجلوس في البيت، والبعض قرر الاشتباك مع الأوضاع سواء على مستوى البرلمان أو بعض الأشكال السياسية الأخرى الأقرب إلى السلطة وهذا حقهم فى التعبير عن أدواتهم، وبرغم اختلافي مع هذه التجارب لكني لا أختلف معهم كأفراد ولكن اختلافي على طريقة التفكير وشكل العمل السياسي.

كتبت مقالا بعنوان "يناير التي نعتز بها ونعترف بأخطائها".. ما هي الأخطاء التي وقعت فيها يناير؟

الأخطاء كثيرة، وأنا أفضل خلال الحديث عن يناير أن نجرى مراجعات لما حدث، من موقع الانتماء والانحياز لأهدافها، وليس لوجهات نظر، ورأيي أن أولوياتنا لم تكن واضحة، وحساباتنا لتعقيدات وتشابك الوضع لم تكن جيدة، وهذا يرجع لعدم امتلاك الخبرات مع صغر السن، وعدم تقدير الأمور بطريقة صحيحة وتجاهل الوضع الشعبي، حساباتنا كانت خاطئة في ترتيب الأولويات، فالأولوية كانت وقتئذ هي الدفاع عن الدستور ونتائج الانتخابات، وهذا أخذنا بعيدا عن هموم الشارع، وأضيف إلى ذلك عدم قدرتنا على تكوين تنظيمات سياسية حقيقية قوية وقادرة على الإنجاز والتفاعل مع الناس، وأي عمل سياسي يجب أن يكون به تنظيمات سياسية قوية قادرة على العمل لتصبح طرفا رئيسيا في المعادلة، كانت هناك اجتهادات، ولكننا واقعيا لم ننتج تنظيمات سياسية قادرة على أن يكون لها قواعد تنظيمية ولم نقم بتربية كوادر للمستقبل، ولم نخض تجارب انتخابية بشكل مباشر، بالطبع كان هناك بعض المحاولات المحدودة، ولكن الأغلبية كانت تميل للاشتباك مع معارك سياسية من خلال إضرابات أو اعتصامات وأدوات احتجاجية، بقدر أكبر من المشاركة السياسية.

كيف نتغلب على الفجوة الموجودة بين الشباب والنظام وغيابهم عن الحياة السياسية.. وما الأليات التي يمكن أن تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي؟

أولا: فكرة الثورات أو اللجوء للشارع كحل ليست ملكا لأي شخص أو كيان وأو حزب، لأنها فكرة ملك للشارع نفسه والناس، بمعنى أن ثورة يناير مثلا كان يمكن أن تقتصر على الكام ألف شاب الموجودين فى ذلك اليوم وتتوقف إلى هنا، ولكنها أصبحت ثورة يناير عندما التحق بها جميع فئات المواطنين الذين دعموها وشاركوا فيها، وإذا تحدثنا عن مسارات آمنة للدولة في ظل الأوضاع الراهنة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وفي ظل احتقانات مجتمعية موجودة، هناك واجب والتزام على السلطة بفتح سبل ومنافذ العمل السياسي والنقابي والأهلي، مفهوم أن يكون الرأي الأمني هو غلق المجال العام ليحدث استقرار، لاعتقادهم السائد أن سبب ثورة يناير إتاحة الرئيس مبارك " شوية حرية إعلامية في آخر سنواته"، ورأيي أن العكس هو الصحيح، لأن مبارك فعل ذلك متأخرا جدا فحدث الاصطدام، وكان هناك أمور فجة جدا من أول تزوير الانتخابات، حتى بعض الاختيارات لنظام مبارك التى كانت معلبة ومجهزة للعب أدوار محددة، ومن يرغب في الاستقرار وعدم تكرار الانفجارات يجب ألا يكرر نفس الأخطاء، لكن نعمل نفس الأخطاء ونقول مش هيحصل حاجة كده مش حقيقي، بالعكس ربما تكون الانفجارات أكبر وأخطر، لأنها لن تكون انفجارات مسيسة ولا تحمل شعارات سياسية، ستكون انفجارات شعبية غير سياسية، وتحدث فوضى وحالة عشوائية وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهنا.

هل جيل الشباب يملك خبرات تؤهله لممارسة الحياة السياسية.. وعلى من تقع مسئولية التأهيل؟

هذا دور الأحزاب السياسية، وللأسف تجربتها في مصر تعانى من مشكلات منذ سبعينيات القرن الماضى، فبعد توقف الأحزاب لسنوات أطلقت 3 منابر، وبعد يناير كان هناك محاولات، ولكن ذهبنا لمعارك فرعية، وبعد 2014 حدث انكماش تام لظروف المرحلة في مواجهة الإرهاب، وهذا فرغ الأحزاب من دورها وكوادرها، وجعل الدولة تؤسس أكاديمية التدريب لأن الأحزاب كانت غائبة تماما، وما نحتاجه عودة أحزاب قوية قبل الحديث عن تربية سياسية، لأن التنشئة السياسية تأتي من الممارسة والاشتباك مع الشارع وقضايا الناس وهموم المواطنين، وليس بالمحاضرات النظرية.

ولكن هناك أجيال كاملة منفصلة تماما عن العمل السياسي.. فكيف يتم دمجهم في الحياة السياسية؟

يجب ألا نقع في أخطاء من سبقونا، وهناك مشهدين يظهران حجم الوعي الشبابي، وذلك حدث بعيدا عن العمل الحزبي أو السياسي، وظهر جليا في انتخابات نقابة الصحفيين وانتخابات نقابة المهندسين مؤخرا، فهذا الوعي الذي خلق وظهر في مشاهد انتخابية في قمة الرقي، توفر لها الحد الأدنى من ضمانات الحرية والنزاهة، يؤكد أن هذا الجيل لديه وعي كبير، وهناك متواليات تحدث في المجتمعات تظهر مدى الوعي الحادث وتثبت أنه لا يوجد أحد قادر على مواجهة هذا الوعي، والسؤال الأهم حاليا هو هل هناك أطر أمنة للتدريب والتأهيل والمشاركة السياسية؟، ويجب طرح هذه النماذج على المجتمع وجعلها تشتبك مع القضايا المجتمعية، والحياة العامة التي تحتاج لمشاركة وتنوع.

ماذا عن بعض الكيانات السياسية التي أنشأتها الدولة لاستيعاب الشباب المسيسين وتقييمك لها؟

رأيي أن التعميم في الحكم على هذه التجارب ليس في محله، ومشكلة هذه التجارب أنها تشبه الصوب الزراعية بتتعمل في مناخ مقفول وهذا لا يصلح للعمل السياسي، ويجب أن يكون هناك مناخ حر بدلا من ملء الفراغ بالطريقة التقليدية، وللأسف هناك أزمة في الدولة منذ ثورة يوليو، بأن صنع السياسة لا بد أن يبدأ من الأعلى وهذا في حد ذاته خطأ، لأن هذه التجارب لو نجحت بالفعل ما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن، ويجب التعامل مع هذه الكيانات والأحزاب على أنها روح يجب أن يتفاعل وينجح ويخطئ ويمارس للتعلم، وجزء من أزمة البلد حاليا أنه لا يوجد أطرا سياسية منظمة قادرة على إقناع الجمهور بأنها تعبر عنه أو تدافع عن قضاياه، وإذا كان هناك تصورات بإعادة تكرار مثل هذه التجارب، فهذا لن يؤتي أي ثمار مفيدة للمجتمع.


هل ترى أن هذا التغيير المبدئي سيدفع الشباب للمشاركة.. وما المطلوب في جلسات الحوار الوطني المقبلة؟

متفائل لأني أرى أن المسار الذي تحتاجه البلد هو حالة حوار، ليس جلسات الحوار بآلياته، ولكن حالة الحوار يمكن تغير كثيرا، وممكن نكتب مقالات ونطرح أفكارا ونقدم رؤى، كل هذه الأمور تصنع حالة حوار، وليس بالضرورة أن تكون هذه العملية داخل جلسات الحوار الوطني فقط، فكلما اقتربنا من مساحة الانفتاح للحياة السياسية مع تراجع القبضة الأمنية، سيكون في صالح البلد، وليس من المنطقي أن ندفع شبابا في سن 20 سنة للمشاركة من خلال أحزاب وهما غير آمنين على أنفسهم، فهناك ضرورة وأهمية لإدراك الأجهزة الأمنية بأن العمل السياسي القائم على أطر قانونية وأحزاب لها قواعد وحرية حركة أمر آمن للجميع، وتجربة الحوار الوطني على مستوى النتائج قد تنجح وقد تفشل، والانعقاد وحده ليس كافيا للحكم بالنجاح، ولكن يجب أن تخرج توصيات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وهذا جزء منه مسئولية المعارضة، بطرح أفكار جادة قابلة للتحقق وليس أي كلام استهلاكي، مثلا النظام الانتخابي يجب أن يضمن التعبير عن التنوع والتعدد في المجتمع، ويجب وضع تصورات واضحة قابلة للتنفيذ.

وأخيرا.. كان لك محاولة في تنظيم تحالف انتخابي "تحالف الأمل" وتعرضت لرد فعل أمني عنيف.. هل الوضع اختلف حاليا؟

أولا حابب أوضح إن فى تجربة "تحالف الأمل" أنا لم أكن وحيدا، لأنه كان عبارة عن شراكة سياسية واسعة من بعض أحزاب الحركة المدنية، ونواب البرلمان من أعضاء تحالف "25/30" وسياسيين ومستقليين وحزبيين بارزين، وكنا نرى أنها محاولة جادة الهدف منها وجود تعددية وأصوات مختلفة بعد أزمة "تيران وصنافير" ومن بعدها أزمة تعديل الدستور، وأرى أنه كان من الأصلح في الانتخابات السابقة التي لم أحضرها أن يكون هناك تعدد لقوائم مختلفة بها أصوات مختلفة ومتنوعة، وهذا كان أصلح كثيرا للدولة، أما عن وجود اختلاف وتغير في المشهد السياسي وهل اختلف أم لا فهذا محل اختبار، ويبدو أن هناك اختلافا ولكن ليس بمعنى وجود تغير، ومن الممكن فتح مساحة أوسع شوية، لكن المطلوب أكبر منها بكثير، وقد يكون هناك أطراف أدركت عمق الأزمة السياسية الاقتصادية، وهذه الأطراف داخل السلطة أو من المعارضة، وهكذا نأمل، وحقيقة حتى الآن هناك رسائل متضاربة، بمعنى أنه يوم الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني مثلا بعد سنة من التحضيرات، فوجئنا بالقبض على أشخاص من الأحزاب المشاركة في الحوار، وقبلها بيوم يتم القبض على صحفي تم الإفراج عنه قبلها بأيام، وهذه رسائل سلبية ومتضاربة مع مشهد الحوار، ومع ذلك رأيي وهو محل خلاف، إنه أمر يستحق المحاولة، لأن البدائل صعبة وستؤثر على البلد ككل، والبلد في هذا التوقيت ليست حمل أزمات أو صدام، لأنه قد يؤدي إلى نتائج شديدة العشوائية، وهذه الدولة لا يوجد بها تنظيمات تتحمل الأمر، لا على مستوى مؤسسات الدولة مع كامل الاحترام لها، ولا على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية.

وأراهن على أننا نعيش لحظة مختلفة وفارقة، بمعنى أن كم الأزمات الاقتصادية وتبعاتها على المواطن والدولة، وكم الوعي الذي ظهر مؤخرا جعلنا نذهب للحوار الوطني، وهناك تغير ما جعلني أنتظر فترة للمتابعة والتدقيق في المشهد الحالي، ورأيي أن وجود أصوات عالية تطالب بسقف أعلى في الحوار الوطني، هذا أمر مفيد وصحي للحياة السياسية والاجتماعية، واعتبره ظاهرة إيجابية مطلوب وجودها، ويجب أن نستغل الحوار لجعله آلية موجودة دائما بعد غياب السياسة على مدار السنوات السابقة، والنتائج يجب أن تنعكس على الحياة العامة في مصر وعلى الجميع وليس على أفراد أو كيانات بعينها، ويجب أن يكون النظام لديه من الرشد ما يجعله يستمع لجميع الآراء المختلفة معه، لأن السلطة نفسها تحتاج لحلول، ويجب أن تستمع لما يقدمه الجميع.