حوار| السياسي المستقل حسام مؤنس: متفائل بالحوار الوطني دون رهانات كبرى على نتائجه.. والمخرج من الأزمة سياسي وليس أمنيا
- جيلنا لم يعد جيل الشباب.. والشباب بعيد عن المعادلة السياسية الحالية.
- يجب إجراء مراجعات لـ 25 يناير من موقع الانتماء والانحياز لها ولأهدافها.
- عدم وجود أطر سياسية قادرة على إقناع الجمهور جزء من أزمة السلطة.
- قطاع من المعارضة بعد ثورة يناير كان يركز على العمل الاحتجاجي بدرجة أكبر من العمل السياسي.
- تكرار مشهد الانتخابات الرئاسية كما جرى في 2014 أو 2018 لن تكون دلالاته إيجابية فيما يتعلق بمستقبل الانفتاح السياسي.
- المناخ المقيد يدفع لانفجارات شعبية ولا أحد يتحمل ذلك لا سلطة ولا معارضة ولا مجتمع.
- إدارة جلسات الحوار تحتاج لتطوير طرح حلول للأزمات وإمكانية بناء توافقات.
- لا يجب فرض الاندماج على الأحزاب.. والتجربة الحزبية في مصر تواجه مأزقًا من السبعينيات.
في حوار لا تنقصه الصراحة أو الجرأة تحدث حسام مؤنس، السياسي المستقل، أحد شباب جيل الوسط الذين خاضوا غمار السياسة قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011، عن الملفات السياسية الساخنة المطروحة على الساحة من الحوار الوطني إلى الانتخابات الرئاسية وواقع الحياة الحزبية إلى الأزمة التي تعيشها مصر.
وأعرب "مؤنس" عن تفاؤله بحالة الحوار الوطني وإن كان لا يراهن على نتائجه، ويحذر خلال حواره مع "الرئيس نيوز" من تجاهل أحداث الجمعية العمومية لنقابة المهندسين أو النتيجة الكاشفة لانتخابات نقابة الصحفيين لأنها تجعل أي مشهد انتخابي مقبل نوعا من العبث ما يلقى بظله على الانتخابات الرئاسية.
وأكد أن السياسة - من وجهة نظره - هي المخرج الوحيد لأزمة التي تمر بها البلاد، إذ يجب إعادة الاعتبار للأحزاب وجميع مكونات المجتمع المدني لتشارك الدولة في البحث عن حل للأزمة المستحكمة سياسيا واقتصاديا، مشيرا إلى أن التضييق الأمني ليس هو الحل الأمثل لمشكلات قد تدفع المجتمع إلى الانفجار.
وإلى نص الحوار..
بداية.. أين جيل الشباب في معادلة الحياة السياسية حاليا؟
دعنا نؤكد على أننا وتحديدا جيل ثورة يناير، لم نعد شبابا، ويمكن أن نصنف أنفسنا كجيل الوسط في الحياة السياسية، والحقيقة أن هناك فجوة كبيرة بين جيل الشباب الحالي وبين الحياة السياسية والعمل السياسي وكذلك بينهم وبين جيلنا، وهذا بحكم انغلاق العمل السياسي على مدار السنوات السابقة، فلم يكن هناك حياة سياسية في الأحزاب والجامعات والنقابات المهنية ولا غيره، فالمفارخ الطبيعية للعمل السياسي لم تعد موجودة، وبالتالي هناك ابتعاد تام عنه، وحقيقة لا أعرف "أين جيل الشباب الحالي في معادلة الحياة السياسية"، خصوصا أن مصادر المعرفة والاطلاع لديهم أصبحت أكثر انتشارا وتنوعا، وخلفياتهم الفكرية والثقافية أكبر من جيلنا.
أما فيما يتعلق بجيلنا فكثيرا منا خاض تجارب سياسية وحزبية مختلفة بعد ثورة 25 يناير، وشارك في العمل العام بأشكال مختلفة، ثم على مدار 8 سنوات كلِّ منا تعرض لما تعرض له، فمنا من سافر للابتعاد عن التضييق والمضايقات، ومنا من تعرض للحبس، وآخرون باتوا محاصرين ومضيقا عليهم بحكم الأوضاع السياسية التي كانت مفروضة، ولم يكن هناك فرصة متاحة لهم في العمل السياسي أو العام فاضطروا للجلوس في البيت، والبعض قرر الاشتباك مع الأوضاع سواء على مستوى البرلمان أو بعض الأشكال السياسية الأخرى الأقرب إلى السلطة وهذا حقهم فى التعبير عن أدواتهم، وبرغم اختلافي مع هذه التجارب لكني لا أختلف معهم كأفراد ولكن اختلافي على طريقة التفكير وشكل العمل السياسي.
كتبت مقالا بعنوان "يناير التي نعتز بها ونعترف بأخطائها".. ما هي الأخطاء التي وقعت فيها يناير؟
الأخطاء كثيرة، وأنا أفضل خلال الحديث عن يناير أن نجرى مراجعات لما حدث، من موقع الانتماء والانحياز لأهدافها، وليس لوجهات نظر، ورأيي أن أولوياتنا لم تكن واضحة، وحساباتنا لتعقيدات وتشابك الوضع لم تكن جيدة، وهذا يرجع لعدم امتلاك الخبرات مع صغر السن، وعدم تقدير الأمور بطريقة صحيحة وتجاهل الوضع الشعبي، حساباتنا كانت خاطئة في ترتيب الأولويات، فالأولوية كانت وقتئذ هي الدفاع عن الدستور ونتائج الانتخابات، وهذا أخذنا بعيدا عن هموم الشارع، وأضيف إلى ذلك عدم قدرتنا على تكوين تنظيمات سياسية حقيقية قوية وقادرة على الإنجاز والتفاعل مع الناس، وأي عمل سياسي يجب أن يكون به تنظيمات سياسية قوية قادرة على العمل لتصبح طرفا رئيسيا في المعادلة، كانت هناك اجتهادات، ولكننا واقعيا لم ننتج تنظيمات سياسية قادرة على أن يكون لها قواعد تنظيمية ولم نقم بتربية كوادر للمستقبل، ولم نخض تجارب انتخابية بشكل مباشر، بالطبع كان هناك بعض المحاولات المحدودة، ولكن الأغلبية كانت تميل للاشتباك مع معارك سياسية من خلال إضرابات أو اعتصامات وأدوات احتجاجية، بقدر أكبر من المشاركة السياسية.
كيف نتغلب على الفجوة الموجودة بين الشباب والنظام وغيابهم عن الحياة السياسية.. وما الأليات التي يمكن أن تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي؟
أولا: فكرة الثورات أو اللجوء للشارع كحل ليست ملكا لأي شخص أو كيان وأو حزب، لأنها فكرة ملك للشارع نفسه والناس، بمعنى أن ثورة يناير مثلا كان يمكن أن تقتصر على الكام ألف شاب الموجودين فى ذلك اليوم وتتوقف إلى هنا، ولكنها أصبحت ثورة يناير عندما التحق بها جميع فئات المواطنين الذين دعموها وشاركوا فيها، وإذا تحدثنا عن مسارات آمنة للدولة في ظل الأوضاع الراهنة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وفي ظل احتقانات مجتمعية موجودة، هناك واجب والتزام على السلطة بفتح سبل ومنافذ العمل السياسي والنقابي والأهلي، مفهوم أن يكون الرأي الأمني هو غلق المجال العام ليحدث استقرار، لاعتقادهم السائد أن سبب ثورة يناير إتاحة الرئيس مبارك " شوية حرية إعلامية في آخر سنواته"، ورأيي أن العكس هو الصحيح، لأن مبارك فعل ذلك متأخرا جدا فحدث الاصطدام، وكان هناك أمور فجة جدا من أول تزوير الانتخابات، حتى بعض الاختيارات لنظام مبارك التى كانت معلبة ومجهزة للعب أدوار محددة، ومن يرغب في الاستقرار وعدم تكرار الانفجارات يجب ألا يكرر نفس الأخطاء، لكن نعمل نفس الأخطاء ونقول مش هيحصل حاجة كده مش حقيقي، بالعكس ربما تكون الانفجارات أكبر وأخطر، لأنها لن تكون انفجارات مسيسة ولا تحمل شعارات سياسية، ستكون انفجارات شعبية غير سياسية، وتحدث فوضى وحالة عشوائية وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهنا.
كان لك محاولة في تنظيم تحالف انتخابي "تحالف الأمل" وتعرضت لرد فعل أمني عنيف.. هل الوضع اختلف حاليا؟
أولا حابب أوضح إن فى تجربة "تحالف الأمل" أنا لم أكن وحيدا، لأنه كان عبارة عن شراكة سياسية واسعة من بعض أحزاب الحركة المدنية، ونواب البرلمان من أعضاء تحالف "25/30" وسياسيين ومستقليين وحزبيين بارزين، وكنا نرى أنها محاولة جادة الهدف منها وجود تعددية وأصوات مختلفة بعد أزمة "تيران وصنافير" ومن بعدها أزمة تعديل الدستور، وأرى أنه كان من الأصلح في الانتخابات السابقة التي لم أحضرها أن يكون هناك تعدد لقوائم مختلفة بها أصوات مختلفة ومتنوعة، وهذا كان أصلح كثيرا للدولة، أما عن وجود اختلاف وتغير في المشهد السياسي وهل اختلف أم لا فهذا محل اختبار، ويبدو أن هناك اختلافا ولكن ليس بمعنى وجود تغير، ومن الممكن فتح مساحة أوسع شوية، لكن المطلوب أكبر منها بكثير، وقد يكون هناك أطراف أدركت عمق الأزمة السياسية الاقتصادية، وهذه الأطراف داخل السلطة أو من المعارضة، وهكذا نأمل، وحقيقة حتى الآن هناك رسائل متضاربة، بمعنى أنه يوم الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني مثلا بعد سنة من التحضيرات، فوجئنا بالقبض على أشخاص من الأحزاب المشاركة في الحوار، وقبلها بيوم يتم القبض على صحفي تم الإفراج عنه قبلها بأيام، وهذه رسائل سلبية ومتضاربة مع مشهد الحوار، ومع ذلك رأيي وهو محل خلاف، إنه أمر يستحق المحاولة، لأن البدائل صعبة وستؤثر على البلد ككل، والبلد في هذا التوقيت ليست حمل أزمات أو صدام، لأنه قد يؤدي إلى نتائج شديدة العشوائية، وهذه الدولة لا يوجد بها تنظيمات تتحمل الأمر، لا على مستوى مؤسسات الدولة مع كامل الاحترام لها، ولا على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية.
وأراهن على أننا نعيش لحظة مختلفة وفارقة، بمعنى أن كم الأزمات الاقتصادية وتبعاتها على المواطن والدولة، وكم الوعي الذي ظهر مؤخرا جعلنا نذهب للحوار الوطني، وهناك تغير ما جعلني أنتظر فترة للمتابعة والتدقيق في المشهد الحالي، ورأيي أن وجود أصوات عالية تطالب بسقف أعلى في الحوار الوطني، هذا أمر مفيد وصحي للحياة السياسية والاجتماعية، واعتبره ظاهرة إيجابية مطلوب وجودها، ويجب أن نستغل الحوار لجعله آلية موجودة دائما بعد غياب السياسة على مدار السنوات السابقة، والنتائج يجب أن تنعكس على الحياة العامة في مصر وعلى الجميع وليس على أفراد أو كيانات بعينها، ويجب أن يكون النظام لديه من الرشد ما يجعله يستمع لجميع الآراء المختلفة معه، لأن السلطة نفسها تحتاج لحلول، ويجب أن تستمع لما يقدمه الجميع.
هل جيل الشباب يملك خبرات تؤهله لممارسة الحياة السياسية.. وعلى من تقع مسئولية التأهيل؟
هذا دور الأحزاب السياسية، وللأسف تجربتها في مصر تعانى من مشكلات منذ سبعينيات القرن الماضى، فبعد توقف الأحزاب لسنوات أطلقت 3 منابر، وبعد يناير كان هناك محاولات، ولكن ذهبنا لمعارك فرعية، وبعد 2014 حدث انكماش تام لظروف المرحلة في مواجهة الإرهاب، وهذا فرغ الأحزاب من دورها وكوادرها، وجعل الدولة تؤسس أكاديمية التدريب لأن الأحزاب كانت غائبة تماما، وما نحتاجه عودة أحزاب قوية قبل الحديث عن تربية سياسية، لأن التنشئة السياسية تأتي من الممارسة والاشتباك مع الشارع وقضايا الناس وهموم المواطنين، وليس بالمحاضرات النظرية.
ولكن هناك أجيال كاملة منفصلة تماما عن العمل السياسي.. فكيف يتم دمجهم في الحياة السياسية؟
يجب ألا نقع في أخطاء من سبقونا، وهناك مشهدين يظهران حجم الوعي الشبابي، وذلك حدث بعيدا عن العمل الحزبي أو السياسي، وظهر جليا في انتخابات نقابة الصحفيين وانتخابات نقابة المهندسين مؤخرا، فهذا الوعي الذي خلق وظهر في مشاهد انتخابية في قمة الرقي، توفر لها الحد الأدنى من ضمانات الحرية والنزاهة، يؤكد أن هذا الجيل لديه وعي كبير، وهناك متواليات تحدث في المجتمعات تظهر مدى الوعي الحادث وتثبت أنه لا يوجد أحد قادر على مواجهة هذا الوعي، والسؤال الأهم حاليا هو هل هناك أطر أمنة للتدريب والتأهيل والمشاركة السياسية؟، ويجب طرح هذه النماذج على المجتمع وجعلها تشتبك مع القضايا المجتمعية، والحياة العامة التي تحتاج لمشاركة وتنوع.
ماذا عن بعض الكيانات السياسية التي أنشأتها الدولة لاستيعاب الشباب المسيسين وتقييمك لها؟
رأيي أن التعميم في الحكم على هذه التجارب ليس في محله، ومشكلة هذه التجارب أنها تشبه الصوب الزراعية بتتعمل في مناخ مقفول وهذا لا يصلح للعمل السياسي، ويجب أن يكون هناك مناخ حر بدلا من ملء الفراغ بالطريقة التقليدية، وللأسف هناك أزمة في الدولة منذ ثورة يوليو، بأن صنع السياسة لا بد أن يبدأ من الأعلى وهذا في حد ذاته خطأ، لأن هذه التجارب لو نجحت بالفعل ما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن، ويجب التعامل مع هذه الكيانات والأحزاب على أنها روح يجب أن يتفاعل وينجح ويخطئ ويمارس للتعلم، وجزء من أزمة البلد حاليا أنه لا يوجد أطرا سياسية منظمة قادرة على إقناع الجمهور بأنها تعبر عنه أو تدافع عن قضاياه، وإذا كان هناك تصورات بإعادة تكرار مثل هذه التجارب، فهذا لن يؤتي أي ثمار مفيدة للمجتمع.
هل ترى أن هذا التغيير المبدئي سيدفع الشباب للمشاركة.. وما المطلوب في جلسات الحوار الوطني المقبلة؟
متفائل لأني أرى أن المسار الذي تحتاجه البلد هو حالة حوار، ليس جلسات الحوار بآلياته، ولكن حالة الحوار يمكن تغير كثيرا، وممكن نكتب مقالات ونطرح أفكارا ونقدم رؤى، كل هذه الأمور تصنع حالة حوار، وليس بالضرورة أن تكون هذه العملية داخل جلسات الحوار الوطني فقط، فكلما اقتربنا من مساحة الانفتاح للحياة السياسية مع تراجع القبضة الأمنية، سيكون في صالح البلد، وليس من المنطقي أن ندفع شبابا في سن 20 سنة للمشاركة من خلال أحزاب وهما غير آمنين على أنفسهم، فهناك ضرورة وأهمية لإدراك الأجهزة الأمنية بأن العمل السياسي القائم على أطر قانونية وأحزاب لها قواعد وحرية حركة أمر آمن للجميع، وتجربة الحوار الوطني على مستوى النتائج قد تنجح وقد تفشل، والانعقاد وحده ليس كافيا للحكم بالنجاح، ولكن يجب أن تخرج توصيات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وهذا جزء منه مسئولية المعارضة، بطرح أفكار جادة قابلة للتحقق وليس أي كلام استهلاكي، مثلا النظام الانتخابي يجب أن يضمن التعبير عن التنوع والتعدد في المجتمع، ويجب وضع تصورات واضحة قابلة للتنفيذ.
ما المطلوب في المرحلة المقبلة.. حل الأزمات الاقتصادية أم السياسية؟
هناك أولويات، وهنا أشير لخطأ جيلنا حول اختيار الأولويات بعد يناير، وربما الأولى فى رأى المواطن أن نعالج الوضع الاقتصادي الصعب والمعقد، لكن لا يزال رأيى وقناعتى أن المدخل والحل الأقل تكلفة والأكثر ضمانة هو مدخل الإصلاح والانفتاح السياسى لأنه يوفر البيئة لطرح حتى الحلول والرؤى والبدائل للمشكلات الاقتصادية. الوضع الاقتصادى نتيجة السياسات المتبعة التي أدت لهذه الأزمة بجانب الميراث القديم والأزمات الدولية، ولكن في الأساس السياسات المتبعة جزء من الأزمة، وبكل أسف لا يوجد أحد لديه القدرة على القول إنه يمتلك حلا فوريا والبلد دي يجب أن يكون فيها تنوع حقيقي، ويجب الاستعانة بكافة الخبراء والمتخصصين في جميع المجالات لتقديم حلول ومقترحات، ليس بالضروري أن تكون في مجملها ناجحة ولكن الآراء يجب أن تطرح ويفتح المناخ العام لهذه الأطروحات، والحل أولا يجب أن يكون سياسيا فهذا أمر في غاية الأهمية، على مستوى مؤسسات الدولة أو التنظيمات السياسية أو النقابات، ويجب أن تتاح قنوات آمنة للمواطن لكي يطرح رأيه بحرية ويقدم مقترحاته، خاصة أننا مررنا بسنوات طويلة لم يكن بها غير صوت واحد، ناس كثيرة عندها حلول ومقترحات قد تصلح أو لا تصلح ولكنها لا تجد مناخا لطرح هذه المقترحات، ولم يكن أحد ينظر لهذه الأطروحات ولا يمكن عرضها حتى إعلاميا، وكثيرا من الأفكار التي طرحناها مثلا في 2017 تحتاج مراجعات كثيرة.
وما ملاحظاتك على إدارة الحوار تنظيميا بعيدا عن الموضوعات المطروحة للنقاش؟
أتصور أن طريقة المناقشات السريعة بعرض الكلمات وحسب مجرد مرحلة أولى خاصة أن هناك قضايا بها تعدد وجهات نظر ويجب الوصول فيها لنتائج من خلال مناقشات طويلة، وهناك مقترح تم تقديمه من بعض القوى السياسية المختلفة المشاركة في الحوار وبعض الشخصيات المستقلة، تطالب بتعديل طريقة الحوار، لأن الطريقة المتبعة تصلح في الجلسات الافتتاحية فقط، ولكنها لا تصلح لبناء توافقات أو استعراض رؤى لموضوعات علينا الاشتباك معها، حقيقة لا أحد يقول لأحد لا تعلن رأيك ولكن هناك أمر غريب من بعض أعضاء مجلس الأمناء، وهو التعليق على بعض الآراء بآراء مخالفة دون إتاحة حق الرد وهذا له علاقة بإجراءات الحوار وشكل جلساته، وعلينا تعميق المناقشات من أجل الجدية والوصول إلى مقترحات قابلة للتنفيذ.
وللأسف البعض يرى أن دورنا هو جمع الآراء والمقترحات وتقديمها للرئيس ليقرر بنفسه ويختار الأنسب، وهذا أمر صحيح في الشكل ولكن ليس صحيحا في المضمون، لأنه طالما الأمر هكذا فما كان داعي لإجراء الحوار من الأساس وكل جهة كنت تقدم مقترحاتها في ورق، والمطروح فعليا أن يشتبك المجتمع ككل مع واقعه للتوافق من أجل الوصول لحد أدنى من المخرجات القابلة للتنفيذ والتي تؤتي ثمارها بشكل واقعي وليس شكليا فقط، وإذا لم يحدث ذلك فهذا سيعطي رسالة سلبية للجميع حول المشاركة في المستقبل.
ما رأيك في موضوعات المطروحة للمناقشة ضمن المحور السياسي بالحوار الوطنى.. بداية من قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقوانين المحليات؟
أولا كمدخل للحديث عن الحوار الوطني وتحديدا قوانين الانتخابات بشكل عام، يجب الإشارة إلى الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين والتي توفر لها الحد الأدنى من الضمانات وبها إشراف قضائي وحضور كثيف، كل العوامل بغض النظر عن إجراءات الدعوة ومدى قانونيتها، ولكن انتهت الانتخابات بأنه لم تعلن النتيجة، وبشكل واضح بلطجية قطعوا الكشوف وأهدروا أصوات المهندسين، وهذا سلوك يجعل الحديث عن أي نظام انتخابي نوع من العبث.
ومشهد انتخابات نقابة المهندسين بالتزامن مع الحوار الوطني، يحتاج لوقفة قوية من السلطة، فهو جريمة مكتملة الأركان فإنه أمر في غاية الخطورة ومؤشر سلبي، خاصة أن مجلس أمناء الحوار الوطني أعلن صراحة أن المستبعدين من الحوار الوطني فقط هم رافضي الدستور ومن يمارسوا العنف، وما حدث في مشهد انتخابات نقابة المهندسين هو تعدي على الدستور واستخدام للعنف، وهذا الأمر قابل للتكرار لو لم تتم محاسبة المتسببين فيه، خاصة أن الأشخاص الذين قاموا بهذا معروفون وأعضاء برلمان وحزبيين توجد فيديوهات موثقة لهم، والأجهزة الأمنية مسئولة ويجب أن تحاسبهم، وعلى النيابة العامة إعلان نتائج التحقيق في أقرب وقت، ويجب أن تظهر رسالة واضحة قاطعة بأن من يستعمل العنف يبتعد تماما عن المشاركة في الحوار، لأن ما قاموا به لا يختلف عما قامت به جماعة الإخوان الإرهابية، ويجب ألا يأخذنا أحدا لهذا الطريق.
أما فيما يتعلق بالنظام الانتخابي، فلا يوجد نظام أنسب طول الوقت، ولا أميل للمقارنة بدول أخرى، لأن كل دولة لها ظروفها وتطورها وحالتها المستقلة، وتطور التجارب في هذه المجتمعات مختلف عن مجتمعنا تماما، وقد يكون هناك موجود أحزاب متماسكة وقادرة على ممارسة العمل العام بشكل أكثر حرية ولها قواعد شعبية، وأحزاب مستقلة لا تتبع أجهزة لا سلطوية ولا أمنية، وهنا التعددية سهلة، لكن في مصر بعد حالة الضعف لدى الأحزاب وجزء منها يتحمله الأحزاب نفسها، مع السلطة التي لم تتح مناخ للعمل السياسي، فيبقى هناك أولوية لعدم تكرار تجربة برلمان 2015 و2020، ومع الحوار الوطني يجب أن نتلافى كل أخطاء الماضي ويجب ألا تتدخل الأجهزة في القوائم، ومن يتصور أن الهدف من الحوار الوطني إعادة تكرار نفس التجربة مع بعض التحسينات التي تتيح وجود بعض الأصوات المعارضة ضمن برلمان بهذا الشكل، فأعتقد أن أحدا يقبل بهذا الوضع، فإنه يجب احترام الناس وليس من العدالة أن تسقط قائمة كاملة برغم حصولها على نسبة تصويت في الانتخابات، فهذا نوع من أنواع عدم العدالة، يجب أن تتوفر بيئة، وإرادة سياسية لضمان تحقق التنوع والوصول لأفضل صيغة قانونية قادرة على تحقيق التعددية، خاصة أنه لا يوجد إلزام دستوري بقانون ثابت، وهناك مقترحات بمشروعات وأفكار تعالج أمر التمييز الإيجابي بوجود كوتة لفئات معينة، فليس الهدف من الحوار أن يطرح كلا منا رأيه لتسجيل موقف معين من قانون ما ويكتفي بذلك، ولكن يجب أن يسوق رؤية لكيفية تلافي ذلك من خلال نقاشات حقيقية، وليس كلمة 4 دقائق فقط.
ماذا عن قانون الأحزاب ومناقشاته وما تم طرحه حول قانون للاندماج وأخر للتمويل الحكومي للأحزاب.. كيف ترى هذه الأمور؟
موضوع الاندماج فيما سمعته و تابعته في الحوار الوطني، أن يكون هناك نصوص قانونية واضحة ومحددة حول كيفية الاندماج، ولا تترك لاجتهادات شخصية للجنة الأحزاب، ويجب هنا الاتفاق على أمر مهم، وهو طرح الأمر على من يرغب في الاندماج وليس فرضه، خاصة أن الأحزاب في واقعها كائن حي ويجب أن تتفاعل و تشتبك وتخوض تجاربها، حتى الحديث عن اندماج الأحزاب صاحبة الأيدلوجية الواحدة، هذا ليس دور لجنة الأحزاب أيا كان اسمها، فهي معنية فقط بتطبيق اللوائح والقوانين أما الأيدلوجية السياسية لأي حزب فليس من شأنها، لأن الاندماج هو عملية تفاعلية وتقارب قد يتناسب مع مرحلة ولا يتناسب مع أخرى، ولا يجب فرض الاندماج على الأحزاب ولكن يجب أن يكون الأمر برغبتها وليس رغما عنها، حتى إذا كان هذا الدمج إيجابيا، وأنا مع وجود قواعد تنظيمية للدمج.
وماذا عن المطروح بشأن التمويل الحكومي للأحزاب؟
موضوع التمويل من الأمور المليئة بالمخاطر، الدولة تمول وتعطي جميع الأحزاب بالتساوي، وسيبقى تمويل محدود وضعيف دون أثر أو جدوى، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المحيطة، وهل الدولة ستمول الأحزاب الممثلة برلمانيا فقط أم جميع الأحزاب؟، وهل التمويل سيكون كافيا؟، بشكل شخصي في الحديث عن التمويل أرى أنها ليست الطريقة الصحيحة، خاصة في ظل التركيبات الحزبية القائمة حاليا، ومن الممكن الحديث عن وجود استثمارات وأنشطة اقتصادية للأحزاب، ولكن هذا أيضا سيفتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال للتحكم في الحياة السياسية وتحقيق مصالحهم غير المشروعة، ولذلك فإننا نحتاج لنقاش جماعي طويل حول مسار التمويل للأحزاب بعيدا عن الاشتراكات والتبرعات، وأنا مع كافة أشكال التمويل في ظل وجود ضوابط منظمة لذلك.
وحتى هذه اللحظة بعد تجربة التيار الشعبي أنا لست عضوا في أي حزب، وإذا سألت سأقول إنها أحزاب اجتهدت وحاولت ولكن لم تستطع تحمل أعباء السنوات الماضية، وهناك تقصير كبير منها ساهم في خروج وابتعاد عدد كبير من الشباب والكوادر، وهذا للأسف جزء من المناخ السياسي الموجود بعيدا عن السلطة نفسها، وهنا أشير لأمر مهم، قد يكون لدينا هاجسا بوجود 100 حزب، ولكن ما المشكلة حتى لو أصبحوا 1000 حزب، ما ضرر الواقع علينا، وكل حزب سيكون له وزنه في الشارع وحجمه المعروف للجميع، وسيصبح هناك تنوع ومن الممكن أن يكون هناك أهداف وطرق عمل مختلفة بين الجميع، والحكم النهائي على أي حزب سيكون للمجتمع وللناس، فهم الذين يقولون هذا حزبا قويا وهذا ضعيفا.
حديثك عن الأحزاب يحملها الجزء الأكبر من الأزمات التي تعاني منها.. لماذا هذا التحامل؟
لا ألوم الأحزاب إلا بقدر الرهان عليها، وأنا ابن هذه التجارب وأنا ناصري و منتقد للتجربة الناصرية وابن الحركة المدنية، وكنت عضوا في حزب الكرامة، وشاركت عن قرب في تجارب كثيرة واشتبكت في معارك سياسية، و ألوم من منطق مسؤوليتنا جميعا وكل طرف عليه أن يتحمل مسئولياته، ولا يصح أن تعيش الأحزاب دور المستضعف طول الوقت، والمجتمع جزء من حكمته أنه يتابع جيدا، وفي وقت الجد يقف مع اللي يصدقه، و بالمعنى ده ألوم الأحزاب ولكن لا أحملها المسئولية الكاملة.
كيف يتم التوازن بين التعامل الأمني والسياسي.. في ظل تغليب الأول على الثاني طوال السنوات السابقة؟
هذه المعادلة أكبر من المرحلة الحالية، فهي تاريخية موجودة من أنظمة وعصور سابقة، وزادت و تضخمت بعد ثورة 30 يونيو، وكان المبرر مواجهة حالة الانفلات الأمني والإرهاب و أرى أن هذه المرحلة انتهت، وعلينا بالطبع التعامل مع هذه الحالات أمنيا ولكن يجب أيضا وضع التعامل السياسي ضمن الحلول لمواجهة هذا الأمر، في الذراع الأمني يحتاج لأذرع سياسية حتى لا نواجه فراغا سياسيا في المجتمع، وأيضا بوجود تنمية حقيقية في الدولة، ولا يوجد ذراع لوحده يقدر على مواجهة التحديات، فيجب أن نوازن، والدولة جزء من المشكلة والعقلية الأمنية مهمة في التعامل مع التطرف والإرهاب، لكنها غير كافية، وجزء من الحل عدم وجود فراغ سياسي، فيجب فتح المجال وعدم تأسيس تنظيمات سياسية معلبة، ويجب أن ننشر الثقة بيننا وبين الناس، لأنهم عندما يختارون خطأ فهم قادرون على مواجهة الأمر وتصحيح الخطأ، وشعبنا لديه وعي كبير بشكل أكبر مما يتصور الحكام والنخبة.
تحدثت عن الوعي المجتمعي.. فهل يمكن اعتبار فشل دعوات التظاهر خلال السنوات السابقة نوع من أنواع الرضا المجتمعي؟
بالطبع لا، وفشل هذه الدعوات سببه عدم الثقة في الداعين لهذه التظاهرات، وبشكل شخصي اسمع الناس في الشارع والمواصلات والمقاهي، ودور الأجهزة الأمنية وحتى الأحزاب السياسية المؤيدة، أن تنقل الصورة الصحيحة للنظام، وتنقل الواقع من الشارع للدولة، في الأحوال الاقتصادية تؤثر على أغلب فئات المجتمع إن لم يكن المجتمع بأكمله، و ترمومتر الناس مهم جدا، وبشكل شخصي أرى أن اختيار النزول للشارع ليس صحيحا في ضوء الأوضاع المعقدة و الملتبسة، لأن هذا سيسبب فوضى خطرة على المجتمع، وأنا ضد أي دعوات من هذا النوع، ولكن الناس مش على مزاج أحد، وهم قادرون على اختيار توقيت نزولهم و تحركهم للشارع.
هل تترجم حالة الضيق الاقتصادي داخل صندوق الانتخابات؟
دعنا نقول إننا على أبواب انتخابات رئاسية بعد أقل من سنة، وهي استحقاق مهم جدا ليس في نتائجه فقط، ولكن مهم في دلالاته ورسائله، حتى بعد إعلان النتائج، فإن تكرار مشهد الانتخابات الرئاسية كما جرى في 2014 أو 2018 لن تكون دلالاته إيجابية فيما يتعلق بمستقبل الانفتاح السياسي، ونحتاج مشهدا مختلفا يكون به إتاحة حقيقية لمن لديه استعداد ورغبة في الترشح، فلا يصح التضييق بالقبض على مرشحين أو على أنصار ومؤيدي وأقارب مرشحين، فالمجتمع يحتاج أن يصدق أن هناك مسار سياسي يمكنه أن يشارك الناس من خلاله، بعد أن زرعنا الخوف في الناس على مدار سنوات، لأن هذا الخوف خطر جدا و سيدعم فكرة عدم المشاركة من الأساس، فيجب أن يصدق الناخبون أن من حقهم المشاركة واختيار من يمثلهم في أي انتخابات سواء رئاسية أو برلمانية أو محليات، وحتى النقابات واتحادات الطلاب وغيرها، وسأعود للمشهد في انتخابات الصحفيين والمهندسين، فهذا المشهد أثبت أن الناس لديها شوق حقيقي للتعبير عن آرائها، فالناس لديها رغبة في المشاركة الحقيقية، ولكن هذا لن يحدث إلا فى حال توفر حالة أمان وشعورهم بالأمل بفتح المجال للسياسة العامة، وهذا أيضا سيتيح العمل في العلن وليس في الخفاء، ونحتاج الحد الأدنى من الضمانات والحياد.
هل ظهور تحالفات سياسية جديدة مثل التيار الحر.. سيؤثر سلبا أم إيجابا على الحركة المدنية وغيرها من التحالفات القائمة؟
بداية أحزاب التيار الحر لا تضم نفس أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، والتيار أقرب في تكوينه لتشكيل ليبرالي، والحكم على مدى فائدة الأمر أو ضرره مرتبط بالظرف السياسي والتوقيت، فمن الممكن أن يكون إيجابيا في مرحلة و سلبي في أخرى، وبشكل شخصي أرى أن التعدد لا يوجد به ضررا، وقد يكون هناك مرحلة معينة تتطلب التوحد خلف فكرة أو قرارات معينة، فهنا قد يؤثر ظهور تيارات جديدة بشرط فتح الحياة السياسية فعليا وليس لمجرد الشو الإعلامي فقط.
أخيرا.. هل يمكن أن تعيد تجربة تحالف الأمل في انتخابات أخرى ونفس الأجواء؟
لم أندم يوما على تحالف الأمل، والحديث عن تحالفات انتخابية جديدة سابق لأوانه، وقد يكون مؤجلا، وإذا فتحت مساحات بالطبع سنقوم بذلك، ولا ننتظر منحة من أحد، ولكن يجب أن تتوفر إرادة جادة بأن يوجد مناخ سياسي مختلف عن السنوات السابقة خاصة أن الدولة تحتاج دما جديدا و أجيالا و أفكاراً جديدة في الحياة السياسية والعامة.
ولو تكررت التجربة في نفس الأجواء هكررها لأنني مؤمن أن البلد دي مخرجها الوحيد السياسة، وإذا اقتنعت بغير ذلك كنت ممكن أقعد في البيت لما خرجت من السجن، ومؤمن أن النجاح سيكون من خلال التنظيمات السياسية بمفهومها الواسع وليس الأحزاب فقط، ومؤمن إني شايل هذا الهم والظرف السياسي يكون مناسبا في لحظة ويصيب وفي مرة أخرى يخيب، وهذا وارد جدا في العمل السياسي، المهم عدم التخوين والاتهام وإتاحة الفرص المتكافئة.