الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

حسن أحمد عبدالله يكتب: ماذا يعني إصدار فئات عملة جديدة في لبنان؟

حسن أحمد عبد الله
حسن أحمد عبد الله كاتب وباحث لبناني

أقرت يوم الثلاثاء الماضي، اللجان المشتركة في البرلمان اللبناني تعديل قانون النقد والتسليف، وإصدار فئات عملة أكبر من تلك الموجودة بين يدي الناس، فماذا يعني هذا، في حال وافق عليها البرلمان في جلسة عامة؟.

واقعيًا لبنان دخل متاهة التضخم النقدي منذ زمن طويل، ولم تكن هناك أي إجراءات توقف هذا التدهور بالعملة المحلية، التي هي أحد رموز السيادة الوطنية، وبدلا من ذلك سارت الحكومات ومجالس النيابية المتعاقبة على نهج "التحايل" في معالجة مشكلات البلاد، والاستفادة منها على قاعدة "أرباح في الخسائر وأرباح في الأرباح"، وهي عملية متوالية لا يمكن الفكاك منها، بل إنها تستنزف المصير الوطني بعامة.

إن هذا الوضع يؤدي إلى مزيد من الإفقار للشعب، وعدم قدرته على التغلب على تطورات الغلاء، خصوصا في بلد أصبح بعد الحرب الأهلية يستورد المزيد من السلع من الخارج، ففي حين كان يصدر الألبان والأجبان، مثلا، أصبح اليوم يستورد منها بنحو 20 مليون دولار، بينما اختل الميزان التجاري لمصلحة الخارج بنحو 25 مليار دولار، فيما كان قبل الحرب الأهلية يصدر نحو 75 في المئة من السلع التي يستوردها اليوم.

خسر لبنان الكثير من الطاقة الإنتاجية الصناعية بسبب عدم دعم المنتج الوطني، وخصوصا الصناعات التي كانت قائمة، حتى خلال الحرب

كيف حصل ذلك؟ وفقا للنظرية التي سادت بعيد العام 1992، بان لبنان بلد خدمات وسياحة فقط، وبسبب عدم دعم المنتج الوطني، وخصوصا الصناعات التي كانت قائمة، حتى خلال الحرب، خسر لبنان الكثير من الطاقة الإنتاجية الصناعية، وبات الاستيراد في نظر التجار أكثر ربح من التصنيع المحلي، علما أن الصناعة الدوائية، مثلا، لا تزال مرغوبة في عدد من الدول الأوروبية لجودتها، كما أن هناك بعض المنتوجات لا تزال تحوز الإقبال الأوروبي، لكن هذه ليست كافية كي تدعم الاقتصادي الوطني الذي يعاني من اختلالات كبرى جراء المعالجات القائمة على رد الفعل، والارتجالية، والزبائنية بين السياسيين والمصرفيين والتجار.

تضاف إلى كل ذلك أزمة "حاكمية مصرف لبنان" التي بدت تحتاج أنها عملية جراحية من الخارج لكشف المستور بين الطاقم السياسي والمصرفيين، وبالتالي فإن الضغط على سعر صرف الليرة سيستمر طالما أن المنظومة الحاكمة غير قادرة على إيجاد حلول، ليس للفراغ الرئاسي فقط، بل أيضا لخطط للتعافي المالي، إضافة إلى تفعيل المؤسسات الرسمية. إذ بعد أن كان يساوي الحد الأدنى للموظف نحو 450 دولارا أمريكيًا، بات اليوم بحدود 35 دولارا، وبعد أن كانت نسبة الفقراء لا تتعدى 23 في المئة، أصبحت اليوم تتجاوز 85 في المئة، هذا إذا احتسبنا المدعومين من المغتربين، وبالتالي فإن تعميم الفقر يعود بلبنان إلى ما كان عليه عشية الحرب العالمية الأولى، أي أن كل التطورات التي حصلت خلال أكثر من قرن أصبحت بلا جدوى.

حجم ونطاق الكساد المتعمد الذي يشهده لبنان حاليا يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي

ورد في تقرير البنك الدولي لعام 2021 "إن حجم ونطاق الكساد المتعمد الذي يشهده لبنان حاليا يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسة لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويتجلى هذا في انهيار الخدمات العامة الأساسية، واستمرار الخلافات السياسية الداخلية المنهكة، ونزيف رأس المال البشري وهجرة الكفاءات على نطاق واسع.

وفي موازاة ذلك، تتحمل الفئات الفقيرة والمتوسطة العبء الأكبر للأزمة، وهي الفئات التي لم يكن النموذج القائم يلبي حاجاتها أصلا، وقد هوى إجمالي الناتج المحلي من نحو 52 مليار دولار في 2019 إلى ما يقدر بنحو 23.1 مليار دولار في 2021".

إن الأحداث السياسية التي شهدها لبنان في العامين الماضيين، وتفكك جزء من المؤسسات، وتصاعد العنف الاجتماعي بسبب الأزمة المعيشية، خفضت الناتج الوطني إلى أقل من ذلك، وبالتالي لم يعد هناك ما يمكن فعله إذا لم يعد النظر بالسياسة المالية والاقتصادية، خصوصا الصناعية والزراعية التي كانتا تشكلان نحو 35 في المئة من الدخل الوطني، وأهم من كل ذلك تغيير الطاقم السياسي كله، بسبب فشله في التصدي للمشكلات، بل إنه دفع البلاد إلى الغرق بأزمة لم يشهدها العالم من العام 1850.

قديما كان يقال إن الليرة اللبنانية من ضمن العملات المضمونة عالمي، لكن اليوم مع صدور فئات عملة جديدة أكبر من الموجود في السوق، فإن الفقرة في لبنان أصبح يستدل عليه من ضعف الليرة.

حسن أحمد عبد الله كاتب وباحث لبناني